الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ولم يذكر المصنف ما يصير به الكافر مسلما وهو نوعان قول وفعل ، والكفار أقسام : قسم يجحدون الباري جل وعلا وإسلامهم إقرارهم بوجوده ، وقسم يقرون به ولكن ينكرون وحدانيته وإسلامهم إقرارهم بوحدانيته ، وقسم أقروا بوحدانيته وجحدوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وإسلامهم إقرارهم برسالته صلى الله عليه وسلم فالأصل أن كل من أقر بخلاف ما كان معلوما من اعتقاده أنه يحكم بإسلامه وهذا في غير الكتابي أما اليهودي ، والنصراني فكان إسلامهم في زمنه عليه السلام بالشهادتين ; لأنهم كانوا ينكرون رسالة النبي عليه الصلاة والسلام أما اليوم ببلاد العراق فلا يحكم بإسلامه بهما ما لم يقل تبرأت عن ديني ودخلت في دين الإسلام ; لأنهم يقولون : إنه أرسل إلى العرب ، والعجم لا إلى بني إسرائيل كذا صرح به محمد رحمه الله ، وإنما شرط مع التبري إقرارهم بالدخول في الإسلام ; لأنه قد تبرأ من اليهودية ويدخل في النصرانية أو في المجوسية ولو قيل لنصراني : أمحمد رسول الله حق ؟ فقال نعم لا يصير مسلما وهو الصحيح ولو قال رسول إلى العرب ، والعجم لا يصير مسلما ; لأنه يمكنه أن يقول : هو رسول إلى العرب ، والعجم إلا أنه لم يبع بعد ، فإن قيل يجب أن لا يحكم بإسلام اليهودي ، والنصراني ، وإن أقر برسالة محمد عليه السلام وتبرأ عن دينه ودخل في دين الإسلام ما لم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ويقر بالبعث وبالقدر خيره وشره من الله تعالى ; لأنها من شرائط الإسلام كما في حديث جبريل عليه السلام قلنا الإقرار بهذه الأشياء ، وإن لم يوجد نصا فقد وجد دلالة ; لأنه لما أقر بدخوله في الإسلام فقد التزم جميع ما كان شرط صحته ولو قال الكتابي أنا مسلم أو أسلمت لا يحكم بإسلامه ; لأنهم يدعون ذلك ; لأنفسهم وكذا لو قال أنا على دين الحنيفية ولو قال الذمي لمسلم أنا مسلم مثلك يصير مسلما كذا في الذخيرة ، والفتاوى .

                                                                                        فالحاصل أن الكتابي اليوم إذا أتى بالشهادتين لا يحكم بإسلامه وفي الفتاوى السراجية سئل إذا قال الذمي أنا مسلم أو إن فعلت كذا فأنا مسلم ثم فعله أو تلفظ بالشهادتين لا غير هل يصير مسلما أجاب لا يحكم بإسلامه في شيء من ذلك كذا أفتى علماؤنا والذي أفتى به إذا تلفظ بالشهادتين يحكم بإسلامه ، وإن لم يتبرأ عن دينه الذي كان عليه ; لأن التلفظ بهما صار علامة على الإسلام فيحكم بإسلامه ، وإذا رجع إلى ما كان عليه يقتل إلا أن يعود إلى الإسلام فيترك . ا هـ .

                                                                                        وهذا يجب المصير إليه في ديار مصر بالقاهرة [ ص: 81 ] لأنه لا يسمع من أهل الكتاب فيها الشهادتان ولذا قيده محمد بالعراق وأما بالفعل ، فإن صلى بالجماعة صار مسلما بخلاف ما إذا صلى وحده إلا إذا قال الشهود صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا ، وأما إذا صام أو أدى الزكاة أو حج لم يحكم بإسلامه في ظاهر الرواية وعن محمد أنه إذا حج على الوجه الذي يفعله المسلمون يحكم بإسلامه كذا في الذخيرة وفي التتارخانية ، وإن صلى خلف إمام ثم أفسد لم يكن مسلما وكذا إذا قرأ القرآن أو صلى على محمد لم يكن مسلما أيضا ، وأما الآذان ، فإن شهدوا أنه كان يؤذن ويقيم كان مسلما سواء كان الآذان في السفر أو في الحضر ، وإن قالوا سمعناه يؤذن في المسجد فليس بشيء حتى يقولوا هو مؤذن ، فإذا قالوا ذلك فهو مسلم ; لأنهم إذا قالوا : إنه مؤذن كان ذلك عادة له فيكون مسلما كذا في البزازية وينبغي أن يكون ذلك في حق الكتابي بناء على أن لا يكون مسلما بمجرد الشهادتين

                                                                                        [ ص: 80 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 80 ] ( قوله وهذا يجب المصير إليه إلخ ) رأيت للعلامة نوح أفندي رسالة حافلة في الرد على المؤلف مشتملة على نقل عبارات علماء مذهبنا الصريحة فيما مر من اشتراط التبري وأطال لسانه على المؤلف فيما قاله هنا تبعا لسراج الدين قارئ الهداية وأنت خبير بأن ما قاله المؤلف لم يخالف فيه النصوص ; لأنه بناه على أن أهل الكتاب في مصر لا يقرون لنبينا صلى الله عليه وسلم بالرسالة بل ذلك في غير مصر أيضا وصار التلفظ بالشهادتين علما على الإسلام كما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم ولذا يمتنعون منها غاية الامتناع وأما ما نقله علماؤنا فهو مبني على ما كان في زمنهم وفي بلادهم وحاصله يرجع إلى تغير العرف والزمان وليس فيه مخالفة لما قاله المتقدمون كما قالوا في أنت علي حرام من أنه صار المراد به في الزمن المتأخر الطلاق .

                                                                                        وأفتى به المتأخرون بدون نية الطلاق على خلاف ما قاله المتقدمون وكم له من نظير ما قاله المتقدمون في هذه المسألة بعينها ينوه على اختلاف العرف والزمان إذ لا شك أنه عليه الصلاة والسلام كان يكتفي من المشركين وأهل الكتاب بالتلفظ بالشهادتين فقط بل بقول القائل صبأت ، وإنما اشترطوا التبري في زمانهم ; لأن أهل الكتاب صاروا يعتقدون أنه صلى الله عليه وسلم رسول إلى العرب والعجم لا إلى بني إسرائيل كما هو صريح قول محمد وأما اليوم ببلاد العراق إلى آخر [ ص: 81 ] ما مر أول البحث ، فإذا كان أهل الكتاب اليوم ينكرون بعثته صلى الله عليه وسلم مطلقا فقد عاد الأمر إلى ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم فلا تجوز مخالفته ولا العدول عنه ; لأنه خلاف ما ورد به النصوص الصريحة الصحيحة بلا موجب للعدول عنه نعم إن علم من حال ذل كالكتابي أنه يخصص البعثة فلا بد من تبرئه من دينه الذي كان عليه وإذا جهل حاله ، وقد أتى بالشهادتين ثم ارتد يسأل بأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى العرب والعجم ، فإن قال لا فقد علم أنه لا يخصص البعثة فيجبر على العود إلى الإسلام ، وإن قال نعم لكنه لم يبعث إلى بني إسرائيل علم أن ما أقر به من الشهادتين مبني على اعتقاده من أنه رسول الله إلى العرب والعجم فقط ولكن قد تقوم قرينة دالة على الحال ، وإن كان مجهولا كما إذا أتى إلى مسلم وقال له اعرض علي الإسلام فلقنه الشهادتين وأتى بهما طائعا مختارا وكذا ما جرت به العادة في زماننا من أنه يذهب إلى المحكمة ويسلم عند القاضي فهذا لا شك .

                                                                                        ولا ريب في أن مراده الإقرار بعموم البعثة وفي أنه لا يريد به التخصيص الذي يحتمل أنه كان يعتقده ، فإن هذا الاحتمال مع هذه القرينة الواضحة مضمحل غير معتبر ، وإن لم يصرح بالتبري والعدول عما ورد في الأدلة الصريحة بمجرد هذا الاحتمال نبذ للشريعة بالكلية ، فإن الإمام محمدا رحمه الله تعالى لم يشترط التبري إلا لتيقنه وعلمه بحال أهل بلاده واعتقادهم تخصيص البعثة بغير بني إسرائيل ولولا علمه ذلك منهم لم يسغ له ولا لمن بعده مخالفة ما وردت به الشريعة من الاكتفاء بالشهادتين فيجب إدارة الحكم على علته في كل زمان ولذا قالوا لا يحل لأحد أن يفتي بقولنا حتى يعلم من أين قلنا فاغتنم هذا التحرير الفريد وما مشى عليه المؤلف هنا تبعا لقارئ الهداية ذكر العلائي في شرحه على الملتقى في الردة أنه أفتى به صنع الله أفندي في فتاويه وأنه أفتى به ابن كمال باشا وأنه ذكر في شرح المنتقى لداماد أفندي أنه المعمول به .




                                                                                        الخدمات العلمية