الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا تبارك ؛ أي: تعالت بركته - سبحانه -؛ فالضمير يعود إلى الله (تعالى)؛ الذي يمتلئ الوجود كله بذكره وتسبيحه؛ وإن كل بركة ونفع في هذا الوجود يرجع إليه - سبحانه -؛ ولذا تتعالى بركته في هذا الوجود الإنساني كله؛ وقد أشار - سبحانه وتعالى - إلى بعض مظاهر بركته؛ وفيض رحمته؛ فقال: الذي جعل في السماء بروجا ؛ " البروج " ؛ جمع " برج " ؛ وهو القصر العظيم؛ كما قال (تعالى): ولو كنتم في بروج مشيدة ؛ ولقد قال مجاهد: " البروج " ؛ في الآية الكريمة؛ هي الكواكب العظام؛ وكأنها شبهت في عظم مرآها وجمالها وكمالها؛ بالقصور المشيدة؛ التي تأخذ بالأنظار؛ تقريبا للأنفس؛ وليس المعنى أنها مشبهة بالقصور في تكوينها؛ فإن خلقها أقل من خلق الكواكب العظيمة؛ والمشبه به يكون أقوى من المشبه؛ وليس الأمر كذلك في هذا التشبيه؛ إنما التشبيه للتقريب لإدراكنا.

                                                          وخص - سبحانه وتعالى - من الكواكب بالذكر الشمس والقمر؛ فقال: وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ؛ الضمير في " فيها " ؛ يعود إلى البروج؛ أي: جعل في البروج؛ أي: في عمومها؛ سراجا؛ والسراج هو الشمس؛ كما عبر - سبحانه وتعالى - في آية أخرى: وجعلنا سراجا وهاجا ؛ وكما قال (تعالى): ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا

                                                          وهنا نقول: شبهت الشمس بالسراج تقريبا لأفهامنا؛ على سبيل الاستعارة؛ [ ص: 5309 ] وذلك إشارة إلى أنها مصدر الضوء والنور لما حولها من الكواكب؛ ووصف القمر بأنه منير؛ أي أن من شأنه أن ينير في الظلام؛ ولكن الشمس؛ جعلها الله (تعالى) المصدر; لأنها سراج هذا الوجود؛ وقد قال في ذلك علماء الكون: إن الشمس تضيء الأرض؛ فيكون النهار؛ ومن انعكاس أشعتها على الأرض يكون نور القمر؛ فالأصل كما خلق الله (تعالى) كان من الشمس؛ وأضاء الأرض؛ وبانعكاس ضوئها على القمر كان القمر منيرا.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية