الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          صفات المؤمنين المتذكرين

                                                          قال (تعالى): وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما إنها ساءت مستقرا ومقاما والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا [ ص: 5311 ] إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما

                                                          هذه الآيات الكريمات تصور صفات المؤمنين التي يتكون منها المؤمن الصادق؛ وهي تجمع بين أمور ثلاثة من الصفات؛ أولها: الصفات الموجبة؛ المكونة معنى الإيمان؛ والتي هي خلال أهل الإيمان؛ الذين تعلو الإنسانية بهم؛ ولا يستعلون عليها؛ وهي من أول الآيات؛ إلى قوله (تعالى): لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ؛ وثانيها: صفات سلبية؛ وهي التي تبتدئ من هذه الآية الأخيرة؛ وثالثها: الذين يبتغون الحياة الزوجية بالطهر والعفاف؛ وختم - سبحانه - الآية ببيان الجزاء الأوفى. [ ص: 5312 ] الصفات الإيجابية

                                                          قال (تعالى): وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ؛ وصفهم الله (تعالى) بأنهم عباد الرحمن؛ وهذا الوصف يشعر بأنهم رحماء فيما بينهم؛ لا يجافون؛ ولا يتناحرون؛ بل هم في اطمئنان وسلام؛ وروحانية؛ لا يجعلون للمادة من حياتهم إلا أن تكون غذاء طيبا يأخذون منه القوة للقيام بواجبهم؛ وهم في أوصافهم الظاهرة والباطنة يتطامنون؛ ولا يستكبرون؛ و " الهون " ؛ مصدر " هان؛ يهون؛ هونا " ؛ وهو المشي في غير عنف؛ ولا تجبر؛ وهو وصف محمود؛ وهو ضد الهوان الذي يذل صاحبه للقوي؛ أو المتغطرس؛ ويهون عليه؛ وهو من عذاب؛ ومعنى " هونا " ؛ أي: يمشي في سكينة ووقار؛ وفي قصد وتؤدة؛ وتلك أخلاق الأنبياء والذين يقتدون بهم؛ فالمؤمن يسير في رفق؛ وقد وصف الله مشي النبي بأنه كان يمشي في هون ورفق؛ تبدو في مشيته قوة الماشي غير المصطنع المتخاذل؛ وغير المختال المرح المتعالي؛ وكما قال الله (تعالى): ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ؛ وإذا خاطبهم الجاهلون ؛ و " الجاهلون " ؛ هم الحمقى؛ الذين لا يعرفون ما أحله الشرع؛ قالوا سلاما ؛ أي: سلما وأمنا؛ فهم لا يعلون على الناس؛ ولكن يسالمونهم؛ وإذا رأوا حمقى لا يحاورونهم؛ ولا يخاطبونهم على مقتضى قولهم؛ وإن ذلك دأب الحكماء المتقين؛ يهدون؛ ولا يجهلون؛ ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تزيده شدة الجاهل إلا حلما.

                                                          ولقد روي أن إبراهيم بن المهدي كان ناصبيا يعادي؛ وكان المأمون علويا معتدلا؛ فقال إبراهيم بن المهدي: رأيت في رؤيا عليا؛ فتكلم؛ فما رأيت في كلامه بلاغة؛ قال: فماذا قال لك إذ خاطبته؟ قال: سلام؛ قال: إذن فقد رأيت عليا؛ يشير إلى أن عليا خاطبه بما تؤدب به الآية؛ وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ؛ وقد [ ص: 5313 ] قال (تعالى) - في وصف المتقين في آية أخرى -: وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية