الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 310 ] وعن { أم سلمة قالت قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة ؟ قال : لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين } رواه الجماعة إلا البخاري .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث قال الترمذي : حسن صحيح . قوله : ( ضفر رأسي ) بفتح الضاد المعجمة وإسكان الفاء ، قال النووي : هذا هو المشهور المعروف في رواية الحديث والمستفيض عند المحدثين وهو الشعر المفتول ، ويجوز ضم الضاد والفاء جمع ضفيرة . قوله : ( أن تحثي ) يقال حثيت وحثوت لغتان مشهورتان ، والحثية : الحفنة وهو يدل على أنه لا يجب على المرأة نقض الضفائر ، وقد اختلف الناس في ذلك . قال القاضي أبو بكر بن العربي : قال جمهورهم : لا ينقضه إلا أن يكون ملبدا ملتفا لا يصل الماء إلى أصوله إلا بنقضه ، فيجب حينئذ من غير فرق بين جنابة وحيض .

                                                                                                                                            وروي عن المؤيد بالله وأبي طالب والإمام يحيى ، وروي أيضا عن القاسم . وقال النخعي : تنقضه في الجنابة والحيض . وقال أحمد : تنقضه في الحيض دون الجنابة ، وروي عن الحسن البصري وطاوس وروي عن مالك أنه لا يجب النقض لا على الرجال ولا على النساء . ووجه ما ذهب إليه عموم نهيه صلى الله عليه وسلم عن نقض الشعر ولم يخص رجلا من امرأة ، ولا يلزم من كون السائل عن ذلك من النساء أن يكون الحكم مختصا بهن اعتبارا بعموم النهي كذا قاله ابن سيد الناس .

                                                                                                                                            ووجه قول من ذهب إلى التفرقة حديث ثوبان { أنهم استفتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أما الرجل فلينشر رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر ، أما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه } أخرجه أبو داود ، وأكثر ما علل به أن في إسناده إسماعيل بن عياش ، والحديث من مروياته عن الشاميين ، وهو قوي فيهم فيقبل . ووجه ما روي عن النخعي أن عموم الغسل يجب في جميع الأجزاء من شعر وبشر ، وقد يمنع ضفر الشعر من ذلك ولعله لم تبلغه الرخصة في ذلك للنساء . ووجه ما ذهب إليه أحمد ومن معه من التفرقة بين الحيض والجنابة ما سيأتي ، وما روى الدارقطني في أفراده والبيهقي في سننه الكبرى من حديث مسلم بن صبيح عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا اغتسلت المرأة من حيضها نقضت شعرها نقضا وغسلته بخطمي وأشنان ، فإذا اغتسلت من الجنابة صبت على رأسها الماء وعصرت } وقد تفرد به مسلم بن صبيح عن حماد .

                                                                                                                                            قال المصنف رحمه الله: وفي الحديث مستدل لمن لم يوجب الدلك باليد . وفي رواية لأبي داود { أن امرأة جاءت إلى أم سلمة بهذا الحديث [ ص: 311 ] قالت : فسألت لها النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه ، قال فيه : واغمزي قرونك عند كل حفنة } وهو دليل على وجوب بل داخل الشعر المسترسل انتهى وقد تقدم الكلام في ذلك .

                                                                                                                                            336 - ( وعن عبيد بن عمير قال { بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن ، فقالت : يا عجبا لابن عمرو وهو يأمر النساء إذا اغتسلن بنقض رءوسهن أو ما يأمرهن أن يحلقن رءوسهن ، لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ، وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات } رواه أحمد ومسلم ) .

                                                                                                                                            الحديث يدل على عدم وجوب نقض الشعر على النساء ، وقد تقدم الكلام فيه . وأما أمر عبد الله بن عمرو بالنقض فيحتمل أنه أراد إيجاب ذلك عليهن ويكون ذلك في شعور لا يصل إليها الماء ، أو يكون مذهبا له أنه يجب النقض بكل حال ، كما حكي عن غيره ، ولم يبلغه حديث أم سلمة وعائشة ، ويحتمل أنه كان يأمرهن بذلك على الاستحباب والاحتياط للإيجاب قاله النووي . .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية