الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          قال (تعالى) - مخاطبا الخارجين عن طاعته؛ وفيه التفات من عباد الرحمن إلى المشركين -: قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما ؛ الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ليوجه إلى المشركين خطاب الله (تعالى)؛ وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يخاطبهم بهذا الخطاب; لأنه نبيهم المرسل; ولأنهم يعاندونه ويتحدونه؛ ويكفرون؛ فأمره - سبحانه - بأن يذكر لهم أن الله (تعالى) لا يباليهم؛ ولا يهتم لهم؛ لولا تصحيح اعتقادهم. [ ص: 5327 ] و " ما " ؛ نافية؛ ومعنى " ما يعبأ " : لا يبالي؛ ولا يحمل عبئكم؛ لولا دعاؤكم؛ أي: لولا عبادتكم عبادة صحيحة تؤمنون فيها بالواحد؛ فالدعاء هنا العبادة؛ ودعاء الله عبادته؛ أي أنه - سبحانه - لا يهتم بكم إلا لأجل تصحيح عبادتكم؛ ويصح أن يقال: إن الدعاء هنا هو دعوتهم إلى العبادة الصحيحة؛ والمؤدى واحد؛ وفي الأول يكون " دعاؤكم " ؛ الدعاء منهم لله (تعالى)؛ وفي الثاني يكون الدعاء من الله ورسوله إليهم ليعبدوه - سبحانه وتعالى.

                                                          وجعل بعضهم اللفظ يحتمل هذا المعنى: لولا دعاؤكم الأوثان وعبادتهم؛ وذلك ضلال في عقولكم؛ وأفن في أنفسكم؛ والله لا يرضى لعباده هذا الضلال؛ ونحسب أن التخريج بعيد في تأويله وتفسيره.

                                                          وقال (تعالى): فقد كذبتم فسوف يكون لزاما ؛ الفاء للسببية؛ أي: لا يبالي - سبحانه - بكم؛ لولا أنه يدعوكم بالحق؛ وبسبب تكذيبكم لا يعبأ بكم؛ لا يبالي فسوف يكون لزاما ؛ الفاء عاطفة؛ وسوف لتأكيد الوقوع في المستقبل؛ و " اللزام " ؛ مصدر " لازم " ؛ فمصدر " فاعل " : " فعال " ؛ و " مفاعلة " ؛ وهو ملازمة العذاب لهم؛ وقد قال (تعالى): ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى

                                                          ومعنى النص في الآية الكريمة السامية: لا يبالي بكم ربكم لولا دعاؤكم أن تعبدوا الله وحده؛ ولكن كذبتم دعوة الحق وأصررتم على تكذيبكم؛ فسوف يكون العذاب ملازما لكم؛ وتكونون خالدين فيه.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية