الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا إقبال على مخاطبة المؤمنين بأن يشغلوا ألسنتهم بذكر الله وتسبيحه ، أي أن يمسكوا عن مماراة المنافقين أو عن سبهم فيما يرجفون به في قضية تزوج زينب فأمر المؤمنين أن يعتاضوا عن ذلك بذكر الله وتسبيحه خيرا لهم ، وهذا كقوله تعالى فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكرا أي خيرا من التفاخر بذكر آبائكم وأحسابكم ، فذلك أنفع لهم وأبعد عن أن تثور بين المسلمين والمنافقين ثائرة فتنة في المدينة ، فهذا من نحو قوله لنبيه ودع أذاهم ومن نحو قوله ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ، فأمروا بتشغيل ألسنتهم وأوقاتهم بما يعود بنفعهم وتجنب ما عسى أن يوقع في مضرة .

وفيه تسجيل على المنافقين بأن خوضهم في ذلك بعد هذه الآية علامة على النفاق لأن المؤمنين لا يخالفون أمر ربهم .

والجملة استئناف ابتدائي متصل بما قبله للمناسبة التي أشرنا إليها .

[ ص: 48 ] والذكر : ذكر اللسان وهو المناسب لموقع الآية بما قبلها وبعدها .

والتسبيح يجوز أن يراد به الصلوات النوافل فليس عطف ( وسبحوه ) على ( اذكروا الله ) من عطف الخاص على العام .

ويجوز أن يكون المأمور به من التسبيح قول : سبحان الله ، فيكون عطف ( وسبحوه ) على ( اذكروا الله ) من عطف الخاص على العام اهتماما بالخاص لأن معنى التسبيح التنزيه عما لا يجوز على الله من النقائص ، فهو من أكمل الذكر لاشتماله على جوامع الثناء والتحميد ، ولأن في التسبيح إيماء إلى التبرؤ مما يقوله المنافقون في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون في معنى قوله تعالى ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم فإن كلمة : سبحان الله ، يكثر أن تقال في مقام التبرؤ من نسبة ما لا يليق إلى أحد كقول النبي - صلى الله عليه وسلم - سبحان الله ، المؤمن لا ينجس . وقول هند بنت عتبة حين أخذ على النساء البيعة ( أن لا يزنين ) : سبحان الله أتزني الحرة .

والبكرة : أول النهار . والأصيل : العشي الوقت الذي بعد العصر . وانتصبا على الظرفية التي يتنازعها الفعلان ( اذكروا الله . . وسبحوه ) .

والمقصود من البكرة والأصيل إعمار أجزاء النهار بالذكر والتسبيح بقدر المكنة لأن ذكر طرفي الشيء يكون كناية على استيعابه كقول طرفة :


لكالطول المرخى وثنياه باليد

ومنه قولهم : المشرق والمغرب ، كناية عن الأرض كلها ، والرأس والعقب كناية الجسد كله ، والظهر والبطن كذلك .

وقدم البكرة على الأصيل لأن البكرة أسبق من الأصيل لا محالة . وليس الأصيل جديرا بالتقديم في الذكر كما قدم لفظ ( تمسون ) في قوله في سورة الروم فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون لأن كلمة المساء تشمل أول الليل فقدم لفظ ( تمسون ) هنالك رعيا لاعتبار الليل أسبق في حساب أيام الشهر عند العرب وفي الإسلام ، وليست كذلك كلمة الأصيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية