الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                              [ ص: 476 ] سورة التغابن قوله تعالى: ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه

                                                                                                                                                                                              قال الله عز وجل: ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه

                                                                                                                                                                                              قال علقمة : هي المصيبة تصيب الرجل، فيعلم أنها من عند الله . فيسلم لها ويرضى .

                                                                                                                                                                                              وخرج الترمذي من حديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي، فله الرضا، ومن سخط فله السخط "، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في دعائه: "أسألك الرضا بعد القضاء" .

                                                                                                                                                                                              ومما يدعو المؤمن إلى الرضا بالقضاء تحقيق إيمانه بمعنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له: إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له، وليس ذلك إلا للمؤمن " .

                                                                                                                                                                                              وجاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسأله أن يوصيه وصية جامعة موجزة، فقال: [ ص: 477 ] "لا تتهم الله في قضائه "

                                                                                                                                                                                              قال أبو الدرداء : إن الله إذا قضى قضاء أحب أن يرضى به . وقال ابن مسعود : إن الله بقسطه وعدله جعل الروح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط; فالراضي لا يتمنى غير ما هو عليه من شدة ورخاء . كذا روي عن عمر وابن مسعود وغيرهما . وقال عمر بن عبد العزيز : أصبحت ومالي سرور إلا في مواضع القضاء والقدر .

                                                                                                                                                                                              فمن وصل إلى هذه الدرجة، كان عيشه كله في نعيم وسرور، قال تعالى: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة قال بعض السلف: الحياة الطيبة: هي الرضا والقناعة . وقال عبد الواحد بن زيد: الرضا باب الله الأعظم وجنة الدنيا ومستراح العابدين .

                                                                                                                                                                                              وأهل الرضا تارة يلاحظون حكمة المبتلي وخيرته لعبده في البلاء، وأنه غير متهم في قضائه، وتارة يلاحظون ثواب الرضا بالقضاء، فينسيهم ألم المقضي به، وتارة يلاحظون عظمة المبتلي وجلاله وكماله، فيستغرقون في مشاهدة ذلك، حتى لا يشعروا بالألم، وهذا يصل إليه خواص أهل المعرفة والمحبة، حتى ربما تلذذوا بما أصابهم لملاحظتهم صدوره عن حبيبهم، كما قال بعضهم: أوجدهم في عذابه عذوبة . وسئل بعض التابعين عن حاله في مرضه، فقال: أحبه إلي .

                                                                                                                                                                                              وسئل السري: هل يجد المحب ألم البلاء؟ فقال: لا . وقال بعضهم: [ ص: 478 ]

                                                                                                                                                                                              عذابه فيك عذب . وبعده فيك قرب     وأنت عندي كروحي .
                                                                                                                                                                                              بل أنت منها أحب     حسبي من الحب .
                                                                                                                                                                                              أني لما تحب أحب



                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية