الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  بيان حقيقة الخوف

                                                                  اعلم أن الخوف عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في الاستقبال ، والعلم بأسباب المكروه ، وهو السبب الباعث المثير لإحراق القلب وتألمه ، وذلك الإحراق هو الخوف . فالخوف من الله - تعالى - تارة يكون لمعرفة الله - تعالى - ومعرفة صفاته وأنه لو أهلك العالمين لم يبال ولم يمنعه مانع ، وتارة يكون لكثرة الجناية من العبد بمقارفة المعاصي ، وتارة يكون بهما جميعا . وبحسب معرفته بعيوب نفسه ، ومعرفته بجلال الله - تعالى - واستغنائه ، وأنه لا يسأل عما [ ص: 291 ] يفعل وهم يسألون تكون قوة خوفه .

                                                                  فأخوف الناس لربه أعرفهم بنفسه وبربه ، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : "أنا أخوفكم لله " وكذلك قال الله - تعالى - : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) [ فاطر : 28 ] ثم إذا كملت المعرفة أورثت جلال الخوف واحتراق القلب ، ثم يفيض أثر الحرقة من القلب على البدن وعلى الجوارح وعلى الصفات : أما في البدن فبالنحول والبكاء ، وأما في الجوارح فبكفها عن المعاصي وتقييدها بالطاعات تلافيا لما فرط واستعدادا للمستقبل ، وأما في الصفات فبأن يقمع الشهوات ويكدر اللذات فتصير المعاصي المحبوبة عنده مكروهة كما يصير العسل مكروها عند من يشتهيه إذا عرف أن فيه سما ، فتحترق الشهوات بالخوف ، وتتأدب الجوارح ، ويحصل في القلب الذبول والخشوع والاستكانة ، ويفارقه الكبر والحقد والحسد ، ولا يكون له شغل إلا المراقبة والمحاسبة والمجاهدة والضنة بالأنفاس واللحظات ، ومؤاخذة النفس بالخطرات والخطوات والكلمات .

                                                                  وما ورد في فضيلة الخوف خارج عن الحصر ، وناهيك دلالة على فضيلته جمع الله - تعالى - للخائفين الهدى والرحمة والعلم والرضوان وهي مجامع مقامات أهل الجنان ، قال الله - تعالى - : ( هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون ) [ الأعراف : 154 ] وقال - تعالى - : ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ) [ البينة : 8 ] وكل ما دل على فضيلة العلم دل على فضيلة الخوف ؛ لأن الخوف ثمرة العلم .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية