[ ص: 370 ] nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=27بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين استئناف بياني لما ينتظره سامع القصة من معرفة ما لقيه من قومه بعد أن واجههم بذلك الخطاب الجزل . وهل اهتدوا بهديه أو أعرضوا عنه وتاركوه أو آذوه كما يؤذى أمثاله من الداعين إلى الحق المخالفين هوى الدهماء فيجاب بما دل عليه قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قيل ادخل الجنة وهو الأهم عند المسلمين وهم من المقصودين بمعرفة مثل هذا ليزدادوا يقينا وثباتا في إيمانهم ، وأما المشركون فحظهم من المثل ما تقدم وما يأتي من قوله إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون .
وفي قوله nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قيل ادخل الجنة كناية عن قتله شهيدا في إعلاء كلمة الله لأن تعقيب موعظته بأمره بدخول الجنة دفعة بلا انتقال يفيد بدلالة الاقتضاء أنه مات وأنهم قتلوه لمخالفته دينهم ، قال بعض المفسرين : قتلوه رجما بالحجارة ، وقال بعضهم : أحرقوه ، وقال بعضهم : حفروا له حفرة وردموه فيها حيا .
وإن هذا الرجل المؤمن قد أدخل الجنة عقب موته لأنه كان من الشهداء ،
والشهداء لهم مزية التعجيل بدخول الجنة دخولا غير موسع . ففي الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002180إن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تأكل من ثمار الجنة .
والقائل ادخل الجنة هو الله تعالى .
والمقول له هو الرجل الذي جاء من أقصى المدينة ، وإنما لم يذكر ضمير المقول له مجرورا باللام لأن القول المذكور هنا قول تكويني لا يقصد منه المخاطب به بل يقصد حكاية حصوله ؛ لأنه إذا حصل حصل أثره كقوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40أن نقول له كن فيكون ) .
وإذ لم يقص في المثل أنه غادر مقامه الذي قام فيه بالموعظة كان ذلك إشارة إلى أنه مات في مقامه ذلك ، ويفهم منه أنه مات قتيلا في ذلك الوقت أو بأثره .
وإنما سلك في هذا المعنى طريق الكناية ولم يصرح بأنهم قتلوه إغماضا لهذا المعنى عن المشركين كيلا يسرهم أن قومه قتلوه فيجعلوه من جملة ما ضرب به
[ ص: 371 ] المثل لهم وللرسول - صلى الله عليه وسلم - فيطمعوا فيه أنهم يقتلون الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهذه الكناية لا يفهمها إلا أهل الإسلام الذين تقرر عندهم
التلازم بين الشهادة في سبيل الله ودخول الجنة ، أما المشركون فيحسبون أن ذلك في الآخرة . وقد تكون في الكلام البليغ خصائص يختص بنفعها بعض السامعين .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قال يا ليت قومي يعلمون مستأنفة أيضا استئنافا بيانيا لأن السامع يترقب ماذا قال حين غمره الفرح بدخول الجنة . والمعنى : أنه لم يلهه دخول الجنة عن حال قومه ، فتمنى أن يعلموا ماذا لقي من ربه ليعلموا
فضيلة الإيمان فيؤمنوا وما تمنى هلاكهم ولا الشماتة بهم فكان متسما بكظم الغيظ وبالحلم على أهل الجهل ، وذلك لأن عالم الحقائق لا تتوجه فيه النفس إلا إلى الصلاح المحض ولا قيمة للحظوظ الدنية وسفساف الأمور .
وأدخلت الباء على مفعول يعلمون لتضمينه معنى : يخبرون ، لأنه لا مطمع في أن يحصل لهم علم ذلك بالنظر والاستدلال .
و ( ما ) من قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=27بما غفر لي ربي ) مصدرية ، أي يعلمون بغفران ربي وجعله إياي من المكرمين .
والمراد بالمكرمين : الذين تلحقهم كرامة الله تعالى وهم الملائكة والأنبياء وأفضل الصالحين قال تعالى بل عباد مكرمون يعني الملائكة
وعيسى عليهم السلام .
[ ص: 370 ] nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=27بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِمَا يَنْتَظِرُهُ سَامِعُ الْقِصَّةِ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا لَقِيَهُ مِنْ قَوْمِهِ بَعْدَ أَنْ وَاجَهَهُمْ بِذَلِكَ الْخِطَابِ الْجَزْلِ . وَهَلِ اهْتَدَوْا بِهَدْيِهِ أَوْ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَتَارَكُوهُ أَوْ آذَوْهُ كَمَا يُؤْذَى أَمْثَالُهُ مِنَ الدَّاعِينَ إِلَى الْحَقِّ الْمُخَالِفِينَ هَوَى الدَّهْمَاءِ فَيُجَابُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ وَهُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ مِنَ الْمَقْصُودِينَ بِمَعْرِفَةِ مِثْلِ هَذَا لِيَزْدَادُوا يَقِينًا وَثَبَاتًا فِي إِيمَانِهِمْ ، وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَحَظُّهُمْ مِنَ الْمَثَلِ مَا تَقَدَّمَ وَمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ .
وَفِي قَوْلِهِ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ كِنَايَةٌ عَنْ قَتْلِهِ شَهِيدًا فِي إِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ لِأَنَّ تَعْقِيبَ مَوْعِظَتِهِ بِأَمْرِهِ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ دُفْعَةً بِلَا انْتِقَالٍ يُفِيدُ بِدَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ أَنَّهُ مَاتَ وَأَنَّهُمْ قَتَلُوهُ لِمُخَالَفَتِهِ دِينَهُمْ ، قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : قَتَلُوهُ رَجْمًا بِالْحِجَارَةِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَحْرَقُوهُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : حَفَرُوا لَهُ حُفْرَةً وَرَدَمُوهُ فِيهَا حَيًّا .
وَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ الْمُؤْمِنَ قَدْ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ عَقِبَ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ،
وَالشُّهَدَاءُ لَهُمْ مَزِيَّةَ التَّعْجِيلِ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ دُخُولًا غَيْرَ مُوَسَّعٍ . فَفِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002180إِنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ فِي حَوَاصِلِ طُيُورٍ خُضْرٍ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ .
وَالْقَائِلُ ادْخُلِ الْجَنَّةَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَالْمَقُولُ لَهُ هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُذْكَرْ ضَمِيرُ الْمَقُولِ لَهُ مَجْرُورًا بِاللَّامِ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ هُنَا قَوْلٌ تَكْوِينِيٌّ لَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْمُخَاطَبُ بِهِ بَلْ يُقْصَدُ حِكَايَةُ حُصُولِهِ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا حَصَلَ حَصَلَ أَثَرُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) .
وَإِذْ لَمْ يَقُصَّ فِي الْمَثَلِ أَنَّهُ غَادَرَ مَقَامَهَ الَّذِي قَامَ فِيهِ بِالْمَوْعِظَةِ كَانَ ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ مَاتَ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَاتَ قَتِيلًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ بِأَثَرِهِ .
وَإِنَّمَا سَلَكَ فِي هَذَا الْمَعْنَى طَرِيقَ الْكِنَايَةِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُمْ قَتَلُوهُ إِغْمَاضًا لِهَذَا الْمَعْنَى عَنِ الْمُشْرِكِينَ كَيْلَا يَسُرُّهُمْ أَنَّ قَوْمَهُ قَتَلُوهُ فَيَجْعَلُوهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا ضُرِبَ بِهِ
[ ص: 371 ] الْمَثَلُ لَهُمْ وَلِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَطْمَعُوا فِيهِ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذِهِ الْكِنَايَةُ لَا يَفْهَمُهَا إِلَّا أَهْلُ الْإِسْلَامِ الَّذِينَ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمُ
التَّلَازُمُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ ، أَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَيَحْسَبُونَ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ . وَقَدْ تَكُونُ فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ خَصَائِصُ يَخْتَصُّ بِنَفْعِهَا بَعْضُ السَّامِعِينَ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ أَيْضًا اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّ السَّامِعَ يَتَرَقَّبُ مَاذَا قَالَ حِينَ غَمَرَهُ الْفَرَحُ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ . وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ لَمْ يُلْهِهِ دُخُولُ الْجَنَّةِ عَنْ حَالِ قَوْمِهِ ، فَتَمَنَّى أَنْ يَعْلَمُوا مَاذَا لَقِيَ مِنْ رَبِّهِ لِيَعْلَمُوا
فَضِيلَةَ الْإِيمَانِ فَيُؤْمِنُوا وَمَا تَمَنَّى هَلَاكَهُمْ وَلَا الشَّمَاتَةَ بِهِمْ فَكَانَ مُتَّسِمًا بِكَظْمِ الْغَيْظِ وَبِالْحِلْمِ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عَالَمَ الْحَقَائِقِ لَا تَتَوَجَّهُ فِيهِ النَّفْسُ إِلَّا إِلَى الصَّلَاحِ الْمَحْضِ وَلَا قِيمَةَ لِلْحُظُوظِ الدَّنِيَّةَ وَسَفْسَافِ الْأُمُورِ .
وَأُدْخِلَتِ الْبَاءُ عَلَى مَفْعُولِ يَعْلَمُونَ لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى : يُخْبِرُونَ ، لِأَنَّهُ لَا مَطْمَعَ فِي أَنْ يَحْصُلَ لَهُمْ عِلْمُ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ .
وَ ( مَا ) مِنْ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=27بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي ) مَصْدَرِيَّةٌ ، أَيْ يَعْلَمُونَ بِغُفْرَانِ رَبِّي وَجَعْلِهِ إِيَّايَ مِنَ الْمُكْرَمِينَ .
وَالْمُرَادُ بِالْمُكْرَمِينَ : الَّذِينَ تَلْحَقُهُمْ كَرَامَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَأَفْضَلُ الصَّالِحِينَ قَالَ تَعَالَى بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ
وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ .