الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا

                                                                                                                                                                                                لما أمر الولاة بأداء الأمانات إلى أهلها وأن يحكموا بالعدل ، أمر الناس بأن يطيعوهم وينزلوا على قضاياهم ، والمراد بـ “ أولي الأمر منكم" : أمراء الحق; لأن - أمراء الجور - الله ورسوله بريئان منهم ، فلا يعطفون على الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم ، وإنما يجمع بين الله ورسوله والأمراء الموافقين لهما في إيثار العدل واختيار الحق والأمر بهما والنهي عن أضدادهما كالخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان ، وكان الخلفاء يقولون : أطيعوني ما عدلت فيكم ، فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم ، وعن أبي حازم أن مسلمة بن عبد الملك قال له : ألستم أمرتم بطاعتنا في قوله : وأولي الأمر منكم قال : أليس قد نزعت عنكم إذا خالفتم الحق بقوله : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول وقيل : هم أمراء السرايا . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : "من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع أميري فقد أطاعني ومن يعص أميري فقد عصاني" ، وقيل : هم العلماء الدينون الذين يعلمون الناس الدين ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر فإن تنازعتم في شيء : فإن اختلفتم أنتم وأولوا الأمر منكم في شيء من أمور الدين ، فردوه [ ص: 96 ] إلى الله ورسوله ، أي : ارجعوا فيه إلى الكتاب والسنة ، وكيف تلزم طاعة أمراء الجور وقد جنح الله الأمر بطاعة أولي الأمر بما لا يبقى معه شك ، وهو أن أمرهم أولا بأداء الأمانات وبالعدل في الحكم وأمرهم آخرا بالرجوع إلى الكتاب والسنة فيما أشكل ، وأمراء الجور لا يؤدون أمانة ولا يحكمون بعدل ، ولا يردون شيئا إلى كتاب الله ولا إلى سنة ، إنما يتبعون شهواتهم حيث ذهبت بهم ، فهم منسلخون عن صفات الذين هم أولو الأمر عند الله ورسوله ، وأحق أسمائهم : اللصوص المتغلبة ذلك : إشارة إلى الرد إلى الكتاب والسنة خير لكم وأصلح وأحسن تأويلا : وأحسن عاقبة ، وقيل : أحسن تأويلا من تأويلكم أنتم .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية