الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
11 [ ص: 177 ] حديث خامس لابن شهاب عن أنس

مالك ( عن ابن شهاب ) عن أنس بن مالك قال : كنا نصلي العصر ، ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة

التالي السابق


هكذا ( هو ) في الموطإ ليس فيه ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه عبد الله بن نافع وابن وهب في رواية يونس بن عبد الأعلى عنه وخالد بن مخلد وأبو عامر العقدي كلهم ( عن مالك ) عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي العصر ، ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة ، وكذلك رواه عبد الله بن المبارك عن مالك عن الزهري وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة جميعا عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي العصر ، ثم [ ص: 178 ] يذهب الذاهب إلى قباء ( قال أحدهم ) فيأتيهم والشمس مرتفعة فهؤلاء رووا هذا الحديث عن مالك على خلاف لفظ الموطإ ، وهو حديث مرفوع عند أهل العلم بالحديث ، لأن معمرا وغيره من الحفاظ قالوا فيه عن الزهري عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي العصر ويذهب الذاهب إلى العوالي ( فيأتيهم ) والشمس مرتفعة . هكذا قال فيه جماعة أصحاب ابن شهاب عنه : يذهب الذاهب إلى العوالي ، وهو الصواب عند أهل الحديث , وقول مالك ( عندهم ) إلى قباء ، وهم لا شك فيه ، ولم يتابعه أحد عليه في حديث ابن شهاب هذا إلا أن المعنى في ذلك متقارب على سعة الوقت ، لأن العوالي مختلفة المسافة ، وأقربها إلى المدينة ما كان على ميلين أو ثلاثة ، ومنها ما يكون ( على ) ثمانية أميال وعشرة ، ومثل هذا هي المسافة بين قباء وبين المدينة وقباء موضع بني عمرو بن عوف ، وقد نص على بني عمرو بن عوف في حديث أنس هذا إسحاق بن أبي طلحة وقد مضى ذكر حديثه [ ص: 179 ] ذلك في بابه من هذا الكتاب ، والحمد لله .

حدثني أحمد بن محمد بن أحمد قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : سمعت أبا عبد الرحمن النسائي يقول : لم يتابع مالكا أحد على قوله في حديث الزهري عن أنس إلى قباء ، والمعروف ( فيه ) إلى العوالي ، وكذلك ، قال الدارقطني وغيره ، وقد رواه خالد بن مخلد عن مالك فقال فيه : إلى العوالي كما قال سائر أصحاب ابن شهاب :

حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن قاسم قال : حدثنا مالك بن عيسى قال : حدثنا خالد بن مخلد قال : حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب الزهري عن أنس قال : كنا نصلي العصر فيذهب الذاهب إلى العوالي ، والشمس مرتفعة . هكذا رواه خالد بن مخلد عن مالك وسائر رواة الموطإ قالوا : قباء .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه أن المغيرة بن شعبة كان يؤخر الصلاة فقال له رجل من الأنصار ، أما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : قال جبريل : صل صلاة كذا ( في ساعة كذا ) حتى عد الصلوات ، قال : [ ص: 180 ] بلى ، قال : وأشهد أنا كنا نصلي العصر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - والشمس بيضاء نقية ، ثم نأتي بني عمرو بن عوف ، وإنها لمرتفعة وهي على ( رأس ) ثلثي فرسخ من المدينة .

وفي هذا الحديث من الفقه تعجيل العصر ، وعلى هذا كان الأمر الأول ألا ترى إلى حديث مالك عن العلاء قال : صلينا الظهر ، ثم دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر ، وذلك أنهم كانوا صلوا الظهر مع بعض بني أمية بالبصرة ، ثم دخلوا على أنس فوجدوه يصلي العصر ، وسنذكر هذا الخبر في باب العلاء إن شاء الله تعالى .

وفيه ما يدل على أن مراعاة القامة في الظهر والقامتين في العصر استحباب ، وأن وقت العصر ممدود ما كانت الشمس بيضاء نقية ، وكذلك حد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقت العصر مثل هذا الحد وكتب به إلى عماله ، وقد روي نحو هذا عن جماعة من الصحابة منهم عائشة في قولها : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر ، وروى الأوزاعي قال : حدثني أبو النجاشي قال : حدثني رافع بن خديج قال : كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العصر ، ثم ننحر جزورا فنقسمه عشر قسم ، ثم نطبخ [ ص: 181 ] فنأكل لحما نضيجا قبل أن تغيب الشمس ، وفي حديث أبي أروى الدوسي كنت أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أمشي إلى ذي الحليفة فآتيهم قبل أن تغيب الشمس وأبو أروى اسمه ربيعة .

وحدثني خلف بن قاسم قال : حدثنا الحسين بن جعفر بن إبراهيم أبو أحمد الزيات بمصر قال : حدثنا يوسف بن يزيد القراطيسي أبو يزيد قال : حدثنا النضر بن عبد الجبار قال : حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن أنس قال : كنا نصلي العصر ، والشمس مرتفعة فيذهب الذاهب إلى العوالي ، والشمس مرتفعة . وكذلك ( رواه أسد بن موسى قال : حدثنا الليث بن سعد قال : حدثني ابن شهاب قال : حدثني أنس بن مالك فذكره . وكذلك ) ذكره ابن أبي ذئب في موطئه عن ابن شهاب وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا الحسين بن علي أبو محمد الأشناني ببغداد ، قدم علينا بها من الشام ، قال : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن زبريق قال : حدثنا محمد بن حمير قال : حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي العصر والشمس مرتفعة حية [ ص: 182 ] فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة ، قال : والعوالي من المدينة على عشرة أميال .

ومن حديث ابن شيبان قال : قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يؤخر العصر ما كانت الشمس بيضاء نقية ، وقد مضى ذكر هذا الحديث وما كان مثله في باب إسحاق من هذا الكتاب ، والحمد لله .

( ومضى في باب زيد بن أسلم مذاهب الفقهاء في وقت العصر خاصة وسيأتي تلخيص مذاهبهم في جميع أوقات الصلوات مستوعبة مجملة ومفسرة في باب ابن شهاب عن عروة إن شاء الله تعالى )




الخدمات العلمية