[ ص: 352 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النور
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين هذه الآية الكريمة تدل على تحريم
nindex.php?page=treesubj&link=26107نكاح الزواني والزناة على الأعفاء والعفائف ، ويدل لذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25محصنات غير مسافحات الآية [ 4 \ 25 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24محصنين غير مسافحين الآية [ 4 \ 24 ] .
وقد جاءت آيات أخر تدل بعمومها على خلاف ذلك كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=32وأنكحوا الأيامى منكم الآية [ 24 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وأحل لكم ما وراء ذلكم [ 4 \ 24 ] .
والجواب عن هذا مختلف فيه ، اختلافا مبنيا على الاختلاف في حكم تزوج العفيف للزانية أو العفيفة للزاني ، فمن يقول هو حرام ، يقول : هذه الآية مخصصة لعموم :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=32وأنكحوا الأيامى منكم وعموم :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وأحل لكم ما وراء ذلكم .
والذين يقولون بعدم المنع ، وهم الأكثر ، أجابوا بأجوبة :
منها أنها منسوخة بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=32وأنكحوا الأيامى منكم واقتصر صاحب الإتقان على النسخ ، وممن قال بالنسخ :
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي .
ومنها أن النكاح في هذه الآية الوطء ، وعليه فالمراد بالآية أن الزاني لا يطاوعه على فعله ويشاركه في مراده إلا زانية مثله ، أو مشركة لا ترى حرمة الزنا .
ومنها أن هذا خاص ، لأنه كان في نسوة بغايا كان الرجل يتزوج إحداهن على أن تنفق عليه مما كسبته من الزنا ، لأن ذلك هو سبب نزول الآية ، فزعم بعضهم أنها مختصة بذلك السبب بدليل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وأحل لكم الآية ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=32وأنكحوا الأيامى الآية ، وهذا أضعفها ، والله تعالى أعلم .
[ ص: 353 ] قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=26nindex.php?page=treesubj&link=28995_28862الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات .
هذه الآية الكريمة نزلت في براءة أم المؤمنين
عائشة رضي الله عنها مما رميت به ، وذلك يؤيد ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16327عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من أن معناها : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء ، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال ، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء ، أي فلو كانت
عائشة رضي الله عنها غير طيبة لما جعلها الله زوجة لأطيب الطيبين صلوات الله عليه وسلامه .
وعلى هذا فالآية الكريمة يظهر تعارضها مع قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=10ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط - إلى قوله -
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=10مع الداخلين [ 66 \ 10 ] .
وقوله أيضا :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=11وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون الآية [ 66 \ 11 ] .
إذ الآية الأولى دلت على خبث الزوجتين الكافرتين مع أن زوجيهما من أطيب الطيبين ، وهما
نوح ولوط عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام ، والآية الثانية دلت على طيب
امرأة فرعون مع خبث زوجها .
والجواب أن في معنى الآية وجهين للعلماء :
الأول : وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وروي عن
مجاهد وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=15683وحبيب بن أبي ثابت والضحاك ، كما نقله عنهم
ابن كثير واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير : أن معناها الخبيثات من القول ، للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من القول ، والطيبات من القول للطيبين من الرجال والطيبون من الرجال للطيبات من القول ، أي فما نسبه أهل النفاق إلى
عائشة من كلام خبيث هم أولى به ، وهي أولى بالبراءة والنزاهة منهم ، ولذا قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=26أولئك مبرءون مما يقولون [ 24 \ 26 ] ، وعلى هذا الوجه فلا تعارض أصلا بين الآيات .
الوجه الثاني : هو ما قدمنا عن
عبد الرحمن بن زيد ، وعليه فالإشكال ظاهر بين الآيات ، والذي يظهر لمقيده عفا الله عنه أن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=26الخبيثات للخبيثين إلى آخره على هذا القول من العام المخصوص ، بدليل امرأة
نوح وامرأة
فرعون .
[ ص: 354 ] وعليه فالغالب تقييض كل من الطيبات والطيبين والخبيثات والخبيثين لجنسه وشكله الملائم له في الخبث أو الطيب ، مع أنه تعالى ربما قيض خبيثة لطيب كامرأة
نوح ولوط ، أو طيبة لخبيث كامرأة
فرعون لحكمة بالغة ، كما دل عليه قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=10ضرب الله مثلا للذين كفروا وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=11وضرب الله مثلا للذين آمنوا مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون [ 29 \ 43 ] .
فدل ذلك على أن تقييض الخبيثة للطيب أو الطيبة للخبيث فيه حكمة لا يعقلها إلا العلماء ، وهي في تقييض الخبيثة للطيب أن يبين للناس أن
nindex.php?page=treesubj&link=29468القرابة من الصالحين لا تنفع الإنسان ، وإنما ينفعه عمله ، ألا ترى أن أعظم ما يدافع عنه الإنسان زوجته ، وأكرم الخلق على الله رسله ، فدخول
امرأة نوح وامرأة لوط النار ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=10فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين [ 66 \ 10 ] فيه أكبر واعظ وأعظم زاجر عن الاغترار بالقرابة من الصالحين والأعلام ، بأن الإنسان إنما ينفعه عمله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=123ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به الآية [ 4 \ 123 ] .
كما أن دخول امرأة
فرعون الجنة يعلم منه أن الإنسان إذا دعته الضرورة لمخالطة الكفار من غير اختياره ، وأحسن عمله وصبر على القيام بدينه أنه يدخل الجنة ولا يضره خبث الذين يخالطهم ويعاشرهم ، فالخبيث خبيث وإن خالط الصالحين ، كامرأة
نوح ولوط ، والطيب طيب وإن خالط الأشرار كامرأة
فرعون ، ولكن
nindex.php?page=treesubj&link=18837مخالطة الأشرار لا تجوز اختيارا ، كما دلت عليه أدلة أخر .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39nindex.php?page=treesubj&link=28995_28902_32439حتى إذا جاءه لم يجده شيئا .
لا يخفى ما يسبق إلى الذهن فيه من أن الضمير في قوله : " جاءه " يدل على شيء موجود واقع عليه المجيء ، لأن وقوع المجيء على العدم لا يعقل ، ومعلوم أن الصفة الإضافية لا تتقوم إلا بين متضائفين ، فلا تدرك إلا بإدراكهما ، فلا يعقل وقوع المجيء بالفعل إلا بإدراك فاعل وقع منه المجيء ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39لم يجده شيئا يدل على عدم وجود شيء يقع عليه المجيء في قوله تعالى : " جاءه " .
والجواب عن هذا من وجهين ، ذكرهما
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير في تفسير هذه الآية ، قال : فإن قائل : وكيف قيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ، فإن لم يكن السراب شيئا ، فعلام
[ ص: 355 ] دخلت الهاء في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39حتى إذا جاءه ؟ .
قيل : إنه شيء يرى من بعيد كالضباب الذي يرى كثيفا من بعيد ، والهباء فإذا قرب منه دق وصار كالهواء ، وقد يحتمل أن يكون معناه : حتى إذا جاء موضع السراب لم يجد السراب شيئا ، فاكتفى بذكر السراب عن ذكر موضعه ، انتهى منه بلفظه .
والوجه الأول أظهر عندي وعنده بدليل قوله ، وقد يحتمل أن يكون معناه . . . إلخ .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62nindex.php?page=treesubj&link=28995فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم .
هذه الآية الكريمة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم له الإذن لمن شاء ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43عفا الله عنك لم أذنت لهم الآية [ 9 \ 43 ] يوهم خلاف ذلك .
والجواب ظاهر ، وهو أنه صلى الله عليه وسلم له الإذن لمن شاء من أصحابه الذين كانوا معه على أمر جامع ، كصلاة جمعة أو عيد أو جماعة أو اجتماع في مشورة ونحو ذلك ، كما بينه تعالى بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم [ 24 \ 62 ] .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=20146_20145_20105الإذن في خصوص التخلف عن الجهاد ، فهو الذي بين الله لرسوله أن الأولى فيه ألا يبادر بالإذن حتى يتبين له الصادق في عذره من الكاذب ، وذلك في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين [ 9 : 43 ] .
فظهر أن لا منافاة بين الآيات ، والعلم عند الله تعالى .
[ ص: 352 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ النُّورِ
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=26107نِكَاحِ الزَّوَانِي وَالزُّنَاةِ عَلَى الْأَعِفَّاءِ وَالْعَفَائِفِ ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ الْآيَةَ [ 4 \ 25 ] ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ الْآيَةَ [ 4 \ 24 ] .
وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ بِعُمُومِهَا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=32وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ الْآيَةَ [ 24 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [ 4 \ 24 ] .
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، اخْتِلَافًا مَبْنِيًّا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي حُكْمِ تَزَوُّجِ الْعَفِيفِ لِلزَّانِيَةِ أَوِ الْعَفِيفَةِ لِلزَّانِي ، فَمَنْ يَقُولُ هُوَ حَرَامٌ ، يَقُولُ : هَذِهِ الْآيَةُ مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=32وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَعُمُومِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ .
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ بِعَدَمِ الْمَنْعِ ، وَهُمُ الْأَكْثَرُ ، أَجَابُوا بِأَجْوِبَةٍ :
مِنْهَا أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=32وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْإِتْقَانِ عَلَى النَّسْخِ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِالنَّسْخِ :
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ .
وَمِنْهَا أَنَّ النِّكَاحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْوَطْءُ ، وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ أَنَّ الزَّانِيَ لَا يُطَاوِعُهُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُشَارِكُهُ فِي مُرَادِهِ إِلَّا زَانِيَةٌ مِثْلُهُ ، أَوْ مُشْرِكَةٌ لَا تَرَى حُرْمَةَ الزِّنَا .
وَمِنْهَا أَنَّ هَذَا خَاصٌّ ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي نِسْوَةٍ بَغَايَا كَانَ الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ إِحْدَاهُنَّ عَلَى أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ مِمَّا كَسَبَتْهُ مِنَ الزِّنَا ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ ، فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِذَلِكَ السَّبَبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وَأُحِلَّ لَكُمْ الْآيَةَ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=32وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى الْآيَةَ ، وَهَذَا أَضْعَفُهَا ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
[ ص: 353 ] قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=26nindex.php?page=treesubj&link=28995_28862الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ .
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ نَزَلَتْ فِي بَرَاءَةِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِمَّا رُمِيَتْ بِهِ ، وَذَلِكَ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16327عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهَا : الْخَبِيثَاتُ مِنَ النِّسَاءِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَالِ ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ النِّسَاءِ ، وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ النِّسَاءِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجَالِ ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ النِّسَاءِ ، أَيْ فَلَوْ كَانَتْ
عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا غَيْرَ طَيِّبَةٍ لَمَا جَعَلَهَا اللَّهُ زَوْجَةً لِأَطْيَبِ الطَّيِّبِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ .
وَعَلَى هَذَا فَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ يَظْهَرُ تَعَارُضُهَا مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=10ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ - إِلَى قَوْلِهِ -
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=10مَعَ الدَّاخِلِينَ [ 66 \ 10 ] .
وَقَوْلِهِ أَيْضًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=11وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ الْآيَةَ [ 66 \ 11 ] .
إِذِ الْآيَةُ الْأُولَى دَلَّتْ عَلَى خُبْثِ الزَّوْجَتَيْنِ الْكَافِرَتَيْنِ مَعَ أَنَّ زَوْجَيْهِمَا مِنْ أَطْيَبِ الطَّيِّبِينَ ، وَهُمَا
نُوحٌ وَلُوطٌ عَلَيْهِمَا وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ دَلَّتْ عَلَى طِيبِ
امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ مَعَ خُبْثِ زَوْجِهَا .
وَالْجَوَابُ أَنَّ فِي مَعْنَى الْآيَةِ وَجْهَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ :
الْأَوَّلُ : وَبِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ
مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=14102وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=15683وَحَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَالضَّحَّاكِ ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ
ابْنُ كَثِيرٍ وَاخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ : أَنَّ مَعْنَاهَا الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ ، لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ ، وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالطَّيِّبُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْلِ ، أَيْ فَمَا نَسَبَهُ أَهْلُ النِّفَاقِ إِلَى
عَائِشَةَ مِنْ كَلَامٍ خَبِيثٍ هُمْ أَوْلَى بِهِ ، وَهِيَ أَوْلَى بِالْبَرَاءَةِ وَالنَّزَاهَةِ مِنْهُمْ ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=26أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ [ 24 \ 26 ] ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَا تَعَارُضَ أَصْلًا بَيْنَ الْآيَاتِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : هُوَ مَا قَدَّمْنَا عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ ، وَعَلَيْهِ فَالْإِشْكَالُ ظَاهِرٌ بَيْنَ الْآيَاتِ ، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِمُقَيِّدِهِ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=26الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ إِلَى آخِرِهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ ، بِدَلِيلِ امْرَأَةِ
نُوحٍ وَامْرَأَةِ
فِرْعَوْنَ .
[ ص: 354 ] وَعَلَيْهِ فَالْغَالِبُ تَقْيِيضُ كُلٍّ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَالطَّيِّبِينَ وَالْخَبِيثَاتِ وَالْخَبِيثِينَ لِجِنْسِهِ وَشَكْلِهِ الْمُلَائِمِ لَهُ فِي الْخُبْثِ أَوِ الطِّيبِ ، مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى رُبَّمَا قَيَّضَ خَبِيثَةً لِطَيِّبٍ كَامْرَأَةِ
نُوحٍ وَلُوطٍ ، أَوْ طَيِّبَةً لِخَبِيثٍ كَامْرَأَةِ
فِرْعَوْنَ لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=10ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=11وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [ 29 \ 43 ] .
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ تَقْيِيضَ الْخَبِيثَةِ لِلطَّيِّبِ أَوِ الطَّيِّبَةِ لِلْخَبِيثِ فِيهِ حِكْمَةٌ لَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعُلَمَاءُ ، وَهِيَ فِي تَقْيِيضِ الْخَبِيثَةِ لِلطَّيِّبِ أَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29468الْقَرَابَةَ مِنَ الصَّالِحِينَ لَا تَنْفَعُ الْإِنْسَانَ ، وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُ عَمَلُهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَعْظَمَ مَا يُدَافِعُ عَنْهُ الْإِنْسَانُ زَوْجَتُهُ ، وَأَكْرَمَ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ رُسُلُهُ ، فَدُخُولُ
امْرَأَةِ نُوحٍ وَامْرَأَةِ لُوطٍ النَّارَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=10فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [ 66 \ 10 ] فِيهِ أَكْبَرُ وَاعِظٍ وَأَعْظَمُ زَاجِرٍ عَنِ الِاغْتِرَارِ بِالْقَرَابَةِ مِنَ الصَّالِحِينَ وَالْأَعْلَامِ ، بِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِنَّمَا يَنْفَعُهُ عَمَلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=123لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ الْآيَةَ [ 4 \ 123 ] .
كَمَا أَنَّ دُخُولَ امْرَأَةِ
فِرْعَوْنَ الْجَنَّةَ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا دَعَتْهُ الضَّرُورَةُ لِمُخَالَطَةِ الْكُفَّارِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ ، وَأَحْسَنَ عَمَلَهُ وَصَبَرَ عَلَى الْقِيَامِ بِدِينِهِ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلَا يَضُرُّهُ خُبْثُ الَّذِينَ يُخَالِطُهُمْ وَيُعَاشِرُهُمْ ، فَالْخَبِيثُ خَبِيثٌ وَإِنْ خَالَطَ الصَّالِحِينَ ، كَامْرَأَةِ
نُوحٍ وَلُوطٍ ، وَالطَّيِّبُ طَيِّبٌ وَإِنْ خَالَطَ الْأَشْرَارَ كَامْرَأَةِ
فِرْعَوْنَ ، وَلَكِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18837مُخَالَطَةَ الْأَشْرَارِ لَا تَجُوزُ اخْتِيَارًا ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَدِلَّةٌ أُخَرُ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39nindex.php?page=treesubj&link=28995_28902_32439حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا .
لَا يَخْفَى مَا يَسْبِقُ إِلَى الذِّهْنِ فِيهِ مِنْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ : " جَاءَهُ " يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مَوْجُودٍ وَاقِعٍ عَلَيْهِ الْمَجِيءُ ، لِأَنَّ وُقُوعَ الْمَجِيءِ عَلَى الْعَدَمِ لَا يُعْقَلُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصِّفَةَ الْإِضَافِيَّةَ لَا تَتَقَوَّمُ إِلَّا بَيْنَ مُتَضَائِفَيْنِ ، فَلَا تُدْرَكُ إِلَّا بِإِدْرَاكِهِمَا ، فَلَا يُعْقَلُ وُقُوعُ الْمَجِيءِ بِالْفِعْلِ إِلَّا بِإِدْرَاكِ فَاعِلٍ وَقَعَ مِنْهُ الْمَجِيءُ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُودِ شَيْءٍ يَقَعُ عَلَيْهِ الْمَجِيءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : " جَاءَهُ " .
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ ، ذَكَرَهُمَا
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ ، قَالَ : فَإِنَّ قَائِلَ : وَكَيْفَ قِيلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ السَّرَابُ شَيْئًا ، فَعَلَامَ
[ ص: 355 ] دَخَلَتِ الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39حَتَّى إِذَا جَاءَهُ ؟ .
قِيلَ : إِنَّهُ شَيْءٌ يُرَى مِنْ بَعِيدٍ كَالضَّبَابِ الَّذِي يُرَى كَثِيفًا مِنْ بَعِيدٍ ، وَالْهَبَاءِ فَإِذَا قَرُبَ مِنْهُ دَقَّ وَصَارَ كَالْهَوَاءِ ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ : حَتَّى إِذَا جَاءَ مَوْضِعَ السَّرَابِ لَمْ يَجِدِ السَّرَابَ شَيْئًا ، فَاكْتَفَى بِذِكْرِ السَّرَابِ عَنْ ذِكْرِ مَوْضِعِهِ ، انْتَهَى مِنْهُ بِلَفْظِهِ .
وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أُظْهِرَ عِنْدِي وَعِنْدَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ . . . إلخ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62nindex.php?page=treesubj&link=28995فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ .
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ الْإِذْنُ لِمَنْ شَاءَ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ الْآيَةَ [ 9 \ 43 ] يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ .
وَالْجَوَابُ ظَاهِرٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ الْإِذْنُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ ، كَصَلَاةِ جُمُعَةٍ أَوْ عِيدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ أَوِ اجْتِمَاعٍ فِي مَشُورَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، كَمَا بَيَّنَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ [ 24 \ 62 ] .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=20146_20145_20105الْإِذْنُ فِي خُصُوصِ التَّخَلُّفِ عَنِ الْجِهَادِ ، فَهُوَ الَّذِي بَيَّنَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ أَنَّ الْأَوْلَى فِيهِ أَلَّا يُبَادِرَ بِالْإِذْنِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الصَّادِقُ فِي عُذْرِهِ مِنَ الْكَاذِبِ ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ [ 9 : 43 ] .
فَظَهَرَ أَنْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْآيَاتِ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .