الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : في الآية فوائد :

                                                                                                                                                                                                                                            الفائدة الأولى : أن وصول الوحي من الله تعالى إلى الأنبياء لا يكون إلا بواسطة الملائكة ، ومما يقوي ذلك أنه تعالى قال في آخر سورة البقرة : ( والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ) [البقرة : 285] فبدأ بذكر الله سبحانه ، ثم أتبعه بذكر الملائكة ; لأنهم هم الذين يتلقون الوحي من الله ابتداء من غير واسطة ، وذلك الوحي هو الكتب ، ثم إن الملائكة يوصلون ذلك الوحي إلى الأنبياء فلا جرم كان الترتيب الصحيح هو الابتداء بذكر الله تعالى ، ثم بذكر الملائكة ، ثم بذكر الكتب وفي الدرجة الرابعة بذكر الرسل .

                                                                                                                                                                                                                                            إذا عرفت هذا فنقول : إذا أوحى الله تعالى إلى الملك فعلم ذلك الملك بأن ذلك الوحي وحي الله علم ضروري أو استدلالي . وبتقدير أن يكون استدلاليا فكيف الطريق إليه ؟ وأيضا الملك إذا بلغ ذلك الوحي إلى الرسول فعلم الرسول بكونه ملكا صادقا لا شيطانا رجيما ضروري أو استدلالي ، فإن كان استدلاليا فكيف الطريق إليه ؟ فهذه مقامات ضيقة ، وتمام العلم بها لا يحصل إلا بالبحث عن حقيقة الملك وكيفية وحي الله إليه ، وكيفية تبليغ الملك ذلك الوحي إلى الرسول . فأما إذا أجرينا هذه الأمور على الكلمات المألوفة صعب المرام وزال النظام ، وذلك لأن آيات القرآن ناطقة بأن هذا الوحي والتنزيل إنما حصل من الملائكة أو نقول : هب أن آيات القرآن لم تدل على ذلك إلا أن احتمال كون الأمر كذلك قائم في بديهة العقل .

                                                                                                                                                                                                                                            وإذا عرفت هذا فنقول : لا نعلم كون جبريل عليه السلام صادقا معصوما عن الكذب والتلبيس إلا بالدلائل السمعية ، وصحة الدلائل السمعية موقوفة على أن محمدا صلى الله عليه وسلم صادق ، وصدقه يتوقف على أن هذا القرآن معجز من قبل الله تعالى ، لا من قبل شيطان خبيث ، والعلم بذلك يتوقف على العلم بأن جبريل صادق محق مبرأ عن التلبيس وعن أفعال الشيطان ، وحينئذ يلزم الدور ، فهذا مقام صعب . أما إذا عرفنا حقيقة النبوة وعرفنا حقيقة الوحي زالت هذه الشبهة بالكلية ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية