( فصل ) والقسم الثالث من أحكام هذه الإمارة
nindex.php?page=treesubj&link=26881_8147_8143ما يلزم من أمير الجيش في سياستهم والذي يلزمه فيهم عشرة أشياء : أحدها حراستهم من غرة يظفر بها العدو منهم ، وذلك أن يتتبع المكامن ويحوط سوادهم بحرس يأمنون به على نفوسهم ورجالهم ، ليسكنوا في وقت الدعة ويأمنوا ما وراءهم في وقت ، المحاربة .
والثاني : أن يتخير لهم موضع نزولهم لمحاربة عدوهم ، وذلك أن يكونوا أوطأ الأرض مكانا وأكثر مرعى وماء وأحرسها أكنافا وأطرافا ليكون أعون لهم على المنازلة وأقوى لهم على المرابطة .
والثالث : إعداد ما يحتاج الجيش إليه من زاد وعلوفة تفرق عليهم في وقت الحاجة حتى تسكن نفوسهم إلى مادة يستغنون عن طلبها ، ليكونوا على الحرب أوفر وعلى منازلة العدو أقدر .
والرابع : أن يعرف أخبار عدوه حتى يقف عليها ويتصفح أحواله حتى
[ ص: 53 ] يخبرها فيسلم من مكره ويلتمس الغرة في الهجوم عليه .
والخامس : ترتيب الجيش في مصاف الحرب والتعويل في كل جهة على من يراه كفؤا لها ، ويتفقد الصفوف من الخلل فيها ، ويراعي كل جهة يميل العدو عليها بمدد يكون عونا لها .
والسادس : أن يقوي نفوسهم بما يشعرهم من الظفر ويخيل إليهم من أسباب النصر ليقل العدو في أعينهم فيكون عليه أجرأ وبالجرأة يتسهل الظفر ، قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر } .
والسابع : أن يعد أهل الصبر والبلاء منهم بثواب الله ولو كانوا من أهل الآخرة وبالجزاء والنفل من الغنيمة إن كانوا من أهل الدنيا ، قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=145ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها } .
وثواب الدنيا الغنيمة وثواب الآخرة الجنة ، فجمع الله تعالى في ترغيبه بين أمرين ليكون أرغب الفريقين .
والثامن : أن
nindex.php?page=treesubj&link=8145_8141يشاور ذوي الرأي فيما أعضل ويرجع إلى أهل الحزم فيما أشكل ليأمن الخطأ ويسلم من الزلل فيكون من الظفر أقرب ; قال الله تعالى لنبيه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله } .
واختلف أهل التأويل في أمره لنبيه صلى الله عليه وسلم بالمشاورة مع ما أمده به من التوفيق وأعانه من التأييد على أربعة أوجه : أحدها أنه أمره بمشاورتهم في الحرب ليستقر له الرأي الصحيح فيه فيعمل عليه وهذا قول
الحسن ، وقال : " ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمورهم " .
والثاني : أنه أمره بمشاورتهم تأليفا لهم وتطييبا لنفوسهم ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة [ ص: 54 ]
والثالث أنه أمره بمشاورتهم لما علم فيها من الفضل وعاد بها من النفع وهذا قول
الضحاك .
والرابع : أنه أمره بمشاورتهم ليستن به المسلمون ويتبعه فيها المؤمنون وإن كان عن مشورتهم غنيا وهذا قول
سفيان .
والتاسع أن يأخذ جيشه بما أوجبه الله تعالى من حقوقه وأمر به من حدوده حتى لا يكون بينهم تجوز في دين ولا تحيف في حق ، فإن من جاهد عن الدين كان أحق الناس بالتزام أحكامه والفصل بين حلاله وحرامه .
وقد روى
حارث بن نبهان عن
nindex.php?page=showalam&ids=11795أبان بن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
انهوا جيوشكم عن الفساد ، فإنه ما فسد جيش قط إلا قذف الله في قلوبهم الرعب وانهوا جيوشكم عن الغلول فإنه ما غل جيش قط إلا سلط الله عليهم الرجلة وانهوا جيوشكم عن الزنا ، فإنه ما زنى جيش قط إلا سلط الله عليهم الموتان } .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=4أبو الدرداء : أيها الناس اعملوا صالحا قبل الغزوة فإنما تقاتلون بأعمالكم .
والعاشر : أن لا يمكن أحدا من جيشه أن يتشاغل بتجارة أو زراعة لصرفه الاهتمام بها عن مصابرة العدو وصدق الجهاد ، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
بعثت مرغمة ومرحمة ولم أبعث تاجرا ولا زارعا ، وإن شر هذه الأمة التجار والزراع إلا من شح على دينه } وغزا نبي من أنبياء الله تعالى فقال : " لا يغزون معي رجل بنى بناء لم يكمله ، ولا رجل تزوج بامرأة ولم يدخل بها ولا رجل زرع زرعا لم يحصده " .
( فَصْلٌ ) وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الْإِمَارَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=26881_8147_8143مَا يَلْزَمُ مِنْ أَمِيرِ الْجَيْشِ فِي سِيَاسَتِهِمْ وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُ فِيهِمْ عَشْرَةُ أَشْيَاءَ : أَحَدُهَا حِرَاسَتُهُمْ مِنْ غِرَّةٍ يَظْفَرُ بِهَا الْعَدُوُّ مِنْهُمْ ، وَذَلِكَ أَنْ يَتَتَبَّعَ الْمَكَامِنَ وَيُحَوِّطَ سَوَادَهُمْ بِحَرَسٍ يَأْمَنُونَ بِهِ عَلَى نُفُوسِهِمْ وَرِجَالِهِمْ ، لِيَسْكُنُوا فِي وَقْتِ الدَّعَةِ وَيَأْمَنُوا مَا وَرَاءَهُمْ فِي وَقْتِ ، الْمُحَارَبَةِ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَتَخَيَّرَ لَهُمْ مَوْضِعَ نُزُولِهِمْ لِمُحَارَبَةِ عَدُوِّهِمْ ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا أَوْطَأَ الْأَرْضِ مَكَانًا وَأَكْثَرَ مَرْعًى وَمَاءً وَأَحْرَسَهَا أَكْنَافًا وَأَطْرَافًا لِيَكُونَ أَعْوَنَ لَهُمْ عَلَى الْمُنَازَلَةِ وَأَقْوَى لَهُمْ عَلَى الْمُرَابَطَةِ .
وَالثَّالِثُ : إعْدَادُ مَا يَحْتَاجُ الْجَيْشُ إلَيْهِ مِنْ زَادٍ وَعُلُوفَةٍ تُفَرَّقُ عَلَيْهِمْ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ حَتَّى تَسْكُنَ نُفُوسُهُمْ إلَى مَادَّةٍ يَسْتَغْنُونَ عَنْ طَلَبِهَا ، لِيَكُونُوا عَلَى الْحَرْبِ أَوْفَرَ وَعَلَى مُنَازَلَةِ الْعَدُوِّ أَقْدَرَ .
وَالرَّابِعُ : أَنْ يَعْرِفَ أَخْبَارَ عَدُوِّهِ حَتَّى يَقِفَ عَلَيْهَا وَيَتَصَفَّحَ أَحْوَالَهُ حَتَّى
[ ص: 53 ] يُخْبِرَهَا فَيَسْلَمَ مِنْ مَكْرِهِ وَيَلْتَمِسَ الْغِرَّةَ فِي الْهُجُومِ عَلَيْهِ .
وَالْخَامِسُ : تَرْتِيبُ الْجَيْشِ فِي مَصَافِّ الْحَرْبِ وَالتَّعْوِيلُ فِي كُلِّ جِهَةٍ عَلَى مَنْ يَرَاهُ كُفُؤًا لَهَا ، وَيَتَفَقَّدُ الصُّفُوفَ مِنْ الْخَلَلِ فِيهَا ، وَيُرَاعِي كُلَّ جِهَةٍ يَمِيلُ الْعَدُوُّ عَلَيْهَا بِمَدَدٍ يَكُونُ عَوْنًا لَهَا .
وَالسَّادِسُ : أَنْ يُقَوِّيَ نُفُوسَهُمْ بِمَا يُشْعِرُهُمْ مِنْ الظَّفَرِ وَيُخَيِّلَ إلَيْهِمْ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ لِيَقِلَّ الْعَدُوُّ فِي أَعْيُنِهِمْ فَيَكُونُ عَلَيْهِ أَجْرَأَ وَبِالْجُرْأَةِ يَتَسَهَّلُ الظَّفَرُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43إذْ يُرِيكَهُمْ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ } .
وَالسَّابِعُ : أَنْ يَعِدَ أَهْلَ الصَّبْرِ وَالْبَلَاءِ مِنْهُمْ بِثَوَابِ اللَّهِ وَلَوْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ وَبِالْجَزَاءِ وَالنَّفَلِ مِنْ الْغَنِيمَةِ إنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=145وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا } .
وَثَوَابُ الدُّنْيَا الْغَنِيمَةُ وَثَوَابُ الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ ، فَجَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَرْغِيبِهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لِيَكُونَ أَرْغَبَ الْفَرِيقَيْنِ .
وَالثَّامِنُ : أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=8145_8141يُشَاوِرَ ذَوِي الرَّأْيِ فِيمَا أَعْضَلَ وَيَرْجِعَ إلَى أَهْلِ الْحَزْمِ فِيمَا أَشْكَلَ لِيَأْمَنَ الْخَطَأَ وَيَسْلَمَ مِنْ الزَّلَلِ فَيَكُونَ مِنْ الظَّفَرِ أَقْرَبَ ; قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } .
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي أَمْرِهِ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُشَاوَرَةِ مَعَ مَا أَمَدَّهُ بِهِ مِنْ التَّوْفِيقِ وَأَعَانَهُ مِنْ التَّأْيِيدِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ أَمَرَهُ بِمُشَاوَرَتِهِمْ فِي الْحَرْبِ لِيَسْتَقِرَّ لَهُ الرَّأْيُ الصَّحِيحُ فِيهِ فَيَعْمَلَ عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ
الْحَسَنِ ، وَقَالَ : " مَا تَشَاوَرَ قَوْمٌ إلَّا هُدُوا لِأَرْشَدِ أُمُورِهِمْ " .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ أَمَرَهُ بِمُشَاوَرَتِهِمْ تَأْلِيفًا لَهُمْ وَتَطْيِيبًا لِنُفُوسِهِمْ ، وَهَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةَ [ ص: 54 ]
وَالثَّالِثُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِمُشَاوَرَتِهِمْ لِمَا عَلِمَ فِيهَا مِنْ الْفَضْلِ وَعَادَ بِهَا مِنْ النَّفْعِ وَهَذَا قَوْلُ
الضَّحَّاكِ .
وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ أَمَرَهُ بِمُشَاوَرَتِهِمْ لِيَسْتَنَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَيَتْبَعَهُ فِيهَا الْمُؤْمِنُونَ وَإِنْ كَانَ عَنْ مَشُورَتِهِمْ غَنِيًّا وَهَذَا قَوْلُ
سُفْيَانَ .
وَالتَّاسِعُ أَنْ يَأْخُذَ جَيْشَهُ بِمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ حُقُوقِهِ وَأَمَرَ بِهِ مِنْ حُدُودِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَهُمْ تَجَوُّزٌ فِي دِينٍ وَلَا تَحَيُّفٌ فِي حَقٍّ ، فَإِنَّ مَنْ جَاهَدَ عَنْ الدِّينِ كَانَ أَحَقَّ النَّاسِ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِهِ وَالْفَصْلِ بَيْنَ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ .
وَقَدْ رَوَى
حَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11795أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
انْهَوْا جُيُوشَكُمْ عَنْ الْفَسَادِ ، فَإِنَّهُ مَا فَسَدَ جَيْشٌ قَطُّ إلَّا قَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ وَانْهَوْا جُيُوشَكُمْ عَنْ الْغُلُولِ فَإِنَّهُ مَا غَلَّ جَيْشٌ قَطُّ إلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الرَّجْلَةَ وَانْهَوْا جُيُوشَكُمْ عَنْ الزِّنَا ، فَإِنَّهُ مَا زَنَى جَيْشٌ قَطُّ إلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْمَوْتَانِ } .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=4أَبُو الدَّرْدَاءِ : أَيُّهَا النَّاسُ اعْمَلُوا صَالِحًا قَبْلَ الْغَزْوَةِ فَإِنَّمَا تُقَاتِلُونَ بِأَعْمَالِكُمْ .
وَالْعَاشِرُ : أَنْ لَا يُمَكِّنَ أَحَدًا مِنْ جَيْشِهِ أَنْ يَتَشَاغَلَ بِتِجَارَةٍ أَوْ زِرَاعَةٍ لِصَرْفِهِ الِاهْتِمَامَ بِهَا عَنْ مُصَابَرَةِ الْعَدُوِّ وَصِدْقِ الْجِهَادِ ، رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
بُعِثْتُ مَرْغَمَةً وَمَرْحَمَةً وَلَمْ أُبْعَثْ تَاجِرًا وَلَا زَارِعًا ، وَإِنَّ شَرَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ التُّجَّارُ وَالزُّرَّاعُ إلَّا مَنْ شَحَّ عَلَى دِينِهِ } وَغَزَا نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ : " لَا يَغْزُوَنَّ مَعِي رَجُلٌ بَنَى بِنَاءً لَمْ يُكْمِلْهُ ، وَلَا رَجُلٌ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَا رَجُلٌ زَرَعَ زَرْعًا لَمْ يَحْصُدْهُ " .