الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب

يجوز أن تكون الجملة مقول قول محذوف يدل عليه قوله : لتنذر أم القرى الآية ، فتكون كلاما مستأنفا لأن الإنذار يقتضي كلاما منذرا به ، ويجوز أن تكون متصلة بجملة وما اختلفتم فيه من شيء تكملة للكلام الموجه من الله ويكون في قوله ربي التفات من الخطاب إلى التكلم ، والتقدير : ذلكم الله ربكم ، وتكون جملتا عليه توكلت وإليه أنيب معترضتين .

والإشارة لتمييز المشار إليه وهو المفهوم من فحكمه إلى الله . وهذا التمييز لإبطال التباس ماهية الإلهية والربوبية على المشركين إذ سموا الأصنام آلهة وأربابا .

وأوثر اسم الإشارة الذي يستعمل للبعيد لقصد التعظيم بالبعد الاعتباري اللازم للسمو وشرف القدر ، أي ذلكم الله العظيم . ويتوصل من ذلك إلى تعظيم حكمه ، فالمعنى : الله العظيم في حكمه هو ربي الذي توكلت عليه فهو كافيني منكم .

التوكل : تفعل من الوكل ، وهو التفويض في العمل ، وتقدم عند قوله تعالى ، فإذا عزمت فتوكل على الله في سورة آل عمران .

[ ص: 43 ] والإنابة : الرجوع ، والمراد بها هنا الكناية عن ترك الاعتماد على الغير لأن الرجوع إلى الشيء يستلزم عدم وجود المطلوب عند غيره ، وتقدمت الإنابة عند قوله تعالى : إن إبراهيم لحليم أواه منيب في سورة هود .

وجيء في فعل ( توكلت ) بصيغة الماضي وفي فعل ( أنيب ) بصيغة المضارع للإشارة إلى أن توكله على الله كان سابقا من قبل أن يظهر له تنكر قومه له ، فقد صادف تنكرهم منه عبدا متوكلا على ربه ، وإذا كان توكله قد سبق تنكر قومه فاستمراره بعد أن كشروا له عن أنياب العدوان محقق .

وأما فعل ( أنيب ) فجيء فيه بصيغة المضارع للإشارة إلى تجدد الإنابة وطلب المغفرة . ويعلم تحققها في الماضي بمقارنتها لجملة عليه توكلت لأن المتوكل منيب ، ويجوز أن يكون ذلك من الاحتباك . والتقدير : عليه توكلت وأتوكل وإليه أنبت وأنيب .

وتقديم المتعلقين في عليه توكلت وإليه أنيب لإفادة الاختصاص ، أي لا أتوكل إلا عليه ولا أنيب إلا إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية