الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون

                                                                                                                                                                                                                                      ذلك إشارة إلى ما سلف من الأمور البديعة، وما فيه من معنى البعد للتنبيه على علو شأن المشار إليه و بعد منزلته في الفضل، وهو مبتدأ خبره قوله تعالى: من أنباء الغيب أي: من الأنباء المتعلقة بالغيب، [ ص: 36 ] والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب. وقوله تعالى: نوحيه إليك جملة مستقلة مبينة للأولى. و قيل: الخبر هو الجملة الثانية، و من أنباء الغيب إما متعلق بـ "نوحيه" أو حال من ضميره، أي: نوحي من أنباء الغيب أو نوحيه حال كونه من جملة أنباء الغيب، وصيغة الاستقبال للإيذان بأن الوحي لم ينقطع بعد. وما كنت لديهم أي: عند الذين اختلفوا وتنازعوا في تربية مريم، و هو تقرير و تحقيق لكونه وحيا على طريقة التهكم بمنكريه كما في قوله تعالى: وما كنت بجانب الغربي الآية. وما كنت ثاويا في أهل مدين الآية. فإن طريق معرفة أمثال هاتيك الحوادث والواقعات إما المشاهدة، وإما السماع، وعدمه محقق عندهم فبقي احتمال المعاينة المستحيلة ضرورة فنفيت تهكما بهم. إذ يلقون أقلامهم ظرف للاستقرار العامل في لديهم وأقلامهم أقداحهم التي اقترعوا بها. وقيل: اقترعوا بأقلامهم التي كانوا يكتبون بها التوراة تبركا. أيهم يكفل مريم متعلق بمحذوف دل عليه "يلقون أقلامهم" أي: يلقونها ينظرون أو ليعلموا أيهم يكفلها. وما كنت لديهم إذ يختصمون أي: في شأنها تنافسا في كفالتها حسبما ذكر فيما سبق و تكرير ما كنت لديهم مع تحقق المقصود بعطف "إذ يختصمون" على "إذ يلقون" كما في قوله عز وجل: نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى للدلالة على أن كل واحد من :عدم حضوره عليه الصلاة والسلام عند إلقاء الأقلام وعدم حضوره عند الاختصام مستقل بالشهادة على نبوته عليه الصلاة والسلام، لا سيما إذا أريد باختصامهم تنازعهم قبل الاقتراع، فإن تغيير الترتيب في الذكر مؤكد له.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية