الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا

                                                                                                                                                                                                ويتبع غير سبيل المؤمنين وهو السبيل الذي هم عليه من الدين الحنيفي القيم ، وهو دليل على أن الإجماع حجة لا تجوز مخالفتها ، كما لا تجوز مخالفة الكتاب والسنة ، لأن الله عز وعلا جمع بين اتباع سبيل غير المؤمنين ، وبين مشاقة الرسول في الشرط ، وجعل جزاءه الوعيد الشديد ، فكان اتباعهم واجبا كموالاة الرسول عليه الصلاة والسلام . قوله : نوله ما تولى : نجعله واليا لما تولى من الضلال ، بأن نخذله ونخلي بينه وبين ما اختاره ونصله جهنم وقرئ : "ونصله" ، بفتح النون ، من صلاه ، وقيل : هي في طعمة وارتداده وخروجه إلى مكة إن الله لا يغفر أن يشرك به تكرير للتأكيد ، وقيل : كرر لقصة طعمة ، وروي : أنه مات مشركا ، وقيل : جاء شيخ من العرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني شيخ منهمك في الذنوب ، إلا أني لم أشرك بالله شيئا منذ عرفته وآمنت به ، ولم أتخذ من دونه وليا ، ولم أوقع المعاصي جرأة على الله ولا مكابرة له ، وما توهمت طرفة عين أني أعجز الله هربا ، وإني لنادم تائب مستغفر ، فما ترى حالي عند الله؟ فنزلت ، وهذا الحديث ينصر قول من فسر "من يشاء" بالتائب من ذنبه ، [ ص: 150 ] إلا إناثا هي اللات والعزى ومناة ، وعن الحسن : لم يكن حي من أحياء العرب إلا ولهم صنم يعبدونه يسمونه أنثى بني فلان ، وقيل : كانوا يقولون في أصنامهم هن بنات الله ، وقيل : المراد الملائكة . لقولهم : الملائكة بنات الله ، وقرئ "أنثا" ، جمع أنيث أو أناث . و “ وثنا" ، "وأثنا" ، بالتخفيف والتثقيل جمع وثن ، كقولك أسد وأسد وأسد ، وقلب الواو ألفا نحو "أجوه" في وجوه ، وقرأت عائشة - رضي الله عنها - : "أوثانا" "وإن يدعون" : وإن يعبدون بعبادة الأصنام إلا شيطانا لأنه هو الذي أغراهم على عبادتها فأطاعوه فجعلت طاعتهم له عبادة ، و لعنه الله وقال لأتخذن صفتان بمعنى شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله وهذا القول الشنيع نصيبا مفروضا : مقطوعا واجبا فرضته لنفسي من قولهم : فرض له في العطاء ، وفرض الجند رزقه . قال الحسن : من كل ألف تسعمائة وتسعين إلى النار ولأمنينهم الأماني الباطلة من طول الأعمار ، وبلوغ الآمال ، ورحمة الله للمجرمين بغير توبة والخروج من النار بعد دخولها بالشفاعة ونحو ذلك ، وتبتيكهم الآذان فعلهم بالبحائر ، كانوا يشقون أذن الناقة إذا ولدت خمسة أبطن وجاء الخامس ذكرا ، وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها ، وتغييرهم خلق الله : فقء عين الحامي وإعفاؤه عن الركوب ، وقيل : الخصاء ، وهو في قول عامة العلماء مباح في البهائم ، وأما في بني آدم فمحظور ، وعند أبي حنيفة : يكره شراء الخصيان وإمساكهم واستخدامهم ، لأن الرغبة فيهم تدعو إلى خصائهم ، وقيل : فطرة الله التي هي دين الإسلام ، وقيل : للحسن : إن عكرمة يقول هو الخصاء ، فقال : كذب عكرمة ، هو دين الله ، وعن ابن مسعود : هو الوشم ، وعنه : "لعن الله الواشرات والمتنمصات والمستوشمات المغيرات خلق الله" وقيل : التخنث .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية