الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
164 - وعن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أيحسب أحدكم متكئا على أريكته يظن أن الله لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن ؟ ! ألا وإني والله قد أمرت ووعظت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر ، وإن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن ، ولا ضرب نسائهم ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم "

رواه أبو داود ، وفي إسناده : أشعث بن شعبة المصيصي ، قد تكلم فيه .

التالي السابق


164 - ( وعن العرباض ) : بكسر العين وهو من أصحاب الصفة البكائين المشتاقين إلى الله تعالى يقول في دعائه : كبرت سني ووهن عظمي فاقبضني إليك ( ابن سارية ) : يكنىأبا نجيح بفتح النون وكسر الجيم وبالحاء المهملة ، سكن الشام ومات بها سنة خمس وسبعين ، روى عنه أبو أمامة وجماعة من التابعين ، ومروياته أحد وثلاثون حديثا ( قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) ، أي : خطيبا أو خطب ( فقال : ( أيحسب ) : بكسر السين وفتحها أي أيظن ( أحدكم ) : حال كونه ( متكئا على أريكته يظن ) : قالالأشرف : بدل من يحسب بدل الفعل من الفعل أي للبيان والتفسير ، وقال الطيبي : ويجوز أن يكون التكرار للتأكيد كما في قوله تعالى : لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا إلى قوله : فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب . ( إن الله لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن ؟ ! ) ، أي : العظيم الشأن الكثير البيان ( ألا ) : للتنبيه ( وإني ) : الواو للحال ( والله قد أمرت ووعظت ونهيت ) : فيه ثلاث تأكيدات . قال الطيبي : الواو هنا بمنزلة الواو في " وإنما " في الحديث السابق لأن الهمزة للإنكار ، أي : همزة أيحسب ، ووهم ابن حجر حيث قال : فالهمزة في أيحسب للإنكار ، وكذا في ألا ، وحرف التنبيه مقحم . . . . إلخ . مع مناقضته لقوله السابق من أن ألا للتنبيه مركبة من همزة الاستفهام ، ولا النافية تفيد تحقق ما بعدها ، ومن ثم صدرت بما يصدر به جواب القسم ومثلها ( أما ) اهـ .

[ ص: 250 ] ووقع في ( أما ) فيما تقدم كما وقع هنا في ( ألا ) ، نعم أصل هذه الهمزة للإنكار لأنها إذا دخلت على النفي أفادت التحقيق على ما صرح به صاحب القاموس لكنها غير قابلة للانفصال فتأمل ، فإنه مزلة للرجال ، والمعنى أيحسب أحدكم أن الله تعالى حصر المحرمات في القرآن ، والحال أني قد حرمت ، فأقحم حرف التنبيه المتضمن للإنكار بين الحال وعاملها ، كما أقحم حرف الإنكار بين المبتدأ والخبر في قوله تعالى : أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار جاءت الهمزة مؤكدة معادة بين المبتدأ المتضمن للشرط وبين الخبر ، ذكره الزجاج ( عن أشياء ) : متعلق بالنهي فحسب ومتعلق الأمر والموعظة محذوف أي بأشياء ( إنها ) ، أي : الأشياء المأمورة والمنهية على لساني بالوحي الخفي . قال تعالى : وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ( لمثل القرآن ) : في المقدار ( أو أكثر ) ، أي : بل أكثر ، قال المظهر : أو في قوله : أو أكثر ليس للشك بل إنه عليه الصلاة والسلام لا يزال يزداد علما طورا بعد طور ، إلهاما من قبل الله ، ومكاشفة لحظة فلحظة فكوشف له أن ما أوتي من الأحكام غير القرآن مثله ، ثم كوشف له بالزيادة متصلا به ذكره الأبهري ، وفيه تأمل . وقد يستشكل هذا بقوله تعالى : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء بناء على بقائه على عمومه أي فيما يحتاج إليه في الدين ، يجاب بأن نسبة هذا إليه - صلى الله عليه وسلم - إنما هو لكونه الذي استنبطه واستخرجه من القرآن ، ولذا قال الشافعي : كل ما حكم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو مما فهمه من القرآن ، ثم أخرج ما يؤيده وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - " إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه " . وقال : جميع ما تقوله الأئمة شرح للسنة ، وجميع السنة شرح للقرآن . وقال : ما نزل بأحد من الدين نازلة إلا وهي في كتاب الله تعالى . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود : إذا حدثتكم بحديث أنبأتكم بتصديقه من كتاب الله . وعن ابن جبير : ما بلغني حديث على وجهه إلا وجدت مصداقه في كتاب الله تعالى ( إن الله لم يحل لكم ) : من الإحلال ( أن تدخلوا بيوت ) : بكسر الباء وضمها ( أهل الكتاب ) : يعني أهل الذمة الذين قبلوا الجزية ( إلا بإذن ) : كذا في أصل السيد جمال الدين وليس فيه غيره ، وفي بعض النسخ المصححة " إلا بإذنهم " أي إلا أن يأذنوا لكم بالطوع والرغبة كما لا يحل لكم أن تدخلوا بيوت المسلمين بغير إذنهم ( ولا ضرب نسائهم ) : يريد الضرب المعروف بالخشب يعني لا يجوز أن تضربوا نساءهم وتأخذوا طعاما أو غيره منهن بالقهر ، وقيل : الضرب كناية عن الجماع يعني لا تظنوا أن نساءهم محللات لكم كنساء أهل الحرب ( ولا أكل ثمارهم ) ، أي : بالقهر من بساتينهم فضلا عن بقية أموالهم ( إذا أعطوكم الذي عليهم ) ، أي : من الجزية ، والحاصل عدم التعرض لهم بإيذائهم في المسكن والأهل والمال إذا أعطوا الجزية ، وإذا أبوا عنها انتقضت ذمتهم وحل دمهم ومالهم ونساؤهم ، وصاروا كأهل الحرب في قول صحيح . كذا ذكره ابن الملك . قال الطيبي : وإنما وضع قوله الذي عليهم موضع الجزية ليؤذن بفخامة العلة ، وبأن عدم التعرض معلل بأداء ما عليهم ، ولو صرح بها لم يفخم اهـ . والأظهر أن الذي عليهم أعم من الجزية فإن من جملة ما عليهم أن لا يحدثوا بيعة ولا كنيسة في دارنا وأن يتميزوا في زيهم ومركبهم وسرجهم وسلاحهم فلا يركبوا خيلا ولا يلبسوا ما يخص أهل العلم والزهد والشرف ويركبوا على سرج كالإكاف وغيرها مما هو مقرر في كتب الفقه ، فلا وجه [ ص: 251 ] لتخصيص الذي عليهم بالجزية فقط كما لا يخفى غايته أنه وضع " أعطوا " موضع " فعلوا " تغليبا لجانب الجزية فإنها معظم ما عليهم ( رواه ) : كذا في أصل المشكاة بعد قوله " رواه " وسببه تقدم في الخطبة فألحقه ميرك شاه في هذا المحل . وقال : رواه أبو داود وفي إسناده : أشعث بن شعبة المصيصي ، تكلم فيه اهـ . وهو بكسر الميم وتشديد المهملة الأولى نسبة إلى بلد بالشام .




الخدمات العلمية