الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أومن ينشؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين

عطف إنكار على إنكار ، والواو عاطفة الجملة على الجملة وهي مؤخرة عن همزة الاستفهام لأن للاستفهام الصدر ؛ وأصل الترتيب : وأمن ينشأ . وجملة الاستفهام معطوفة على الإنكار المقدر بعد ( أم ) في قوله : أم اتخذ مما يخلق بنات ، ولذلك يكون من ينشأ في الحلية في محل نصب بفعل محذوف دل عليه فعل ( اتخذ ) [ ص: 181 ] في قوله : أم اتخذ مما يخلق بنات . والتقدير : أاتخذ من ينشأ في الحلية إلخ . ولك أن تجعل ( من ينشأ في الحلية ) بدلا من قوله : ( بنات ) بدلا مطابقا وأبرز العامل في البدل لتأكيد معنى الإنكار لا سيما وهو قد حذف من المبدل منه .

وإذ كان الإنكار إنما يتسلط على حكم الخبر كان موجب الإنكار الثاني مغايرا لموجب الإنكار الأول وإن كان الموصوف بما للوصفين اللذين تعلق بهما الإنكار موصوفا واحدا وهو الأنثى .

ونشء الشيء في حالة أن يكون ابتداء وجوده مقارنا لتلك الحالة فتكون للشيء بمنزلة الظرف . ولذلك اجتلب حرف ( في ) الدالة على الظرفية وإنما هي مستعارة لمعنى المصاحبة والملابسة فمعنى ( من ينشأ في الحلية ) من تجعل له الحلية من أول أوقات كونه ولا تفارقه ، فإن البنت تتخذ لها الحلية من أول عمرها وتستصحب في سائر أطوارها ، وحسبك أنها شقت طرفا أذنيها لتجعل لها فيهما الأقراط بخلاف الصبي فلا يحلى بمثل ذلك وما يستدام له .

والنشء في الحلية كناية عن الضعف عن مزاولة الصعاب بحسب الملازمة العرفية فيه . والمعنى : أن لا فائدة في اتخاذ الله بنات لا غناء لهن فلا يحصل له باتخاذها زيادة عزة ، بناء على متعارفهم ، فهذا احتجاج إقناعي خطابي .

والخصام ظاهره : المجادلة والمنازعة بالكلام والمحاجة ، فيكون المعنى : أن المرأة لا تبلغ المقدرة على إبانة حجتها . وعن قتادة : ما تكلمت امرأة ولها حجة إلا جعلتها على نفسها ، وعنه : من ينشأ في الحلية هن الجواري ، يسفههن بذلك ، وعلى هذا التفسير درج جميع المفسرين .

والمعنى عليه : أنهن غير قوادر على الانتصار بالقول فبالأولى لا يقدرن على ما هو أشد من ذلك في الحرب ، أي فلا جدوى لاتخاذهن أولادا .

ويجوز عندي أن يحمل الخصام على التقاتل والدفاع باليد فإن الخصم يطلق على المحارب ، قال تعالى : هذان خصمان اختصموا في ربهم فسر بأنهم نفر من المسلمين مع نفر من المشركين تقاتلوا يوم بدر .

[ ص: 182 ] فمعنى ( غير مبين ) غير محقق النصر . قال بعض العرب وقد بشر بولادة بنت : والله ما هي بنعم الولد ؛ بزها بكاء ونصرها سرقة .

والمقصود من هذا فضح معتقدهم الباطل وأنهم لا يحسنون إعمال الفكر في معتقداتهم وإلا لكانوا حين جعلوا لله بنوة أن لا يجعلوا له بنوة الإناث وهم يعدون الإناث مكروهات مستضعفات .

وتذكير ضمير ( وهو في الخصام ) مراعاة للفظ ( من ) الموصولة .

والحلية : اسم لما يتحلى به ، أي يتزين به ، قال تعالى : وتستخرجون منه حلية تلبسونها .

وقرأ الجمهور ( ينشأ ) بفتح الياء وسكون النون . وقرأه حفص وحمزة والكسائي ( ينشأ ) بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين ومعناه : يعوده على النشأة في الحلية ويربى .

التالي السابق


الخدمات العلمية