الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      الجعابي

                                                                                      الحافظ البارع العلامة قاضي الموصل أبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن سلم التميمي البغدادي الجعابي .

                                                                                      مولده في صفر سنة أربع وثمانين ومائتين .

                                                                                      وسمع من محمد بن يحيى المروزي ، ويوسف بن يعقوب القاضي ، ويحيى بن محمد الحنائي ، وأبي خليفة الفضل بن الحباب ، ومحمد بن حبان بن الأزهر ، ومحمد بن الحسن بن سماعة ، وعبد الله بن محمد البلخي ، وجعفر بن محمد الفريابي ، وعبد الله بن ناجية ، وأبي بكر الباغندي ، وقاسم المطرز ، وطبقتهم . وتخرج بالحافظ ابن عقدة ، وبرع في الحفظ ، وبلغ فيه المنتهى .

                                                                                      حدث عنه : أبو الحسن الدارقطني ، وأبو حفص بن شاهين ، وابن رزقويه ، وابن منده ، والحاكم ، ومحمد بن الحسين بن الفضل القطان ، والقاضي أبو عمر الهاشمي البصري ، وخلق آخرهم موتا أبو نعيم الحافظ ، أخذ عنه لما قدم عليهم أصبهان .

                                                                                      [ ص: 89 ] قال أبو علي النيسابوري : ما رأيت في المشايخ أحفظ من عبدان ، ولا رأيت في أصحابنا أحفظ من أبي بكر بن الجعابي ، وذاك أني حسبته من البغداديين الذين يحفظون شيخا واحدا ، أو ترجمة واحدة ، أو بابا واحدا ، فقال لي أبو إسحاق بن حمزة يوما : يا أبا علي لا تغلط ابن الجعابي يحفظ حديثا كثيرا . قال : فخرجنا يوما من عند ابن صاعد ، فقلت : يا أبا بكر ، أيش أسند سفيان عن منصور ؟ فمر في الترجمة فما زلت أجره من حديث مصر إلى حديث الشام إلى العراق إلى أفراد الخراسانيين ، وهو يجيب ، إلى أن قلت : فأيش روى الأعمش ، عن أبي صالح عن أبي هريرة ، وأبي سعيد بالشركة ؟ فذكر بضعة عشر حديثا ، فحيرني حفظه .

                                                                                      قال ابن الفضل القطان : سمعت ابن الجعابي يقول : دخلت الرقة ، وكان لي ثم قمطران كتب فجاء غلامي مغموما وقد ضاعت الكتب ، فقلت : يا بني لا تغتم ، فإن فيها مائتي ألف حديث لا يشكل علي حديث منها لا إسناده ولا متنه .

                                                                                      قال أبو علي التنوخي : ما شاهدنا أحدا أحفظ من أبي بكر بن الجعابي ، وسمعت من يقول : إنه يحفظ مائتي ألف حديث ، ويجيب في مثلها ، إلا أنه كان يفضل الحفاظ بأنه كان يسوق المتون بألفاظها ، وأكثر الحفاظ يتسمحون في ذلك ، وكان إماما في معرفة العلل والرجال وتواريخهم ، وما يطعن على الواحد منهم . لم يبق في زمانه من يتقدمه .

                                                                                      أنبأني المسلم بن محمد ، أخبرنا أبو اليمن الكندي ، أخبرنا [ ص: 90 ] الشيباني ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، حدثني الحسن بن محمد الأشقر ، سمعت أبا عمر القاسم بن جعفر الهاشمي ، سمعت ابن الجعابي يقول : أحفظ أربعمائة ألف حديث ، وأذاكر بستمائة ألف حديث .

                                                                                      قال أبو القاسم التنوخي : تقلد ابن الجعابي قضاء الموصل فلم يحمد في ولايته .

                                                                                      ونقل الخطيب عن أشياخه أن ابن الجعابي كان يشرب في مجلس ابن العميد .

                                                                                      وقال أبو عبد الرحمن السلمي : سألت الدارقطني عن ابن الجعابي ، فقال : خلط ، وذكر مذهبه في التشيع ، وكذا نقل أبو عبد الله الحاكم ، عن الدارقطني قال : وحدثني ثقة أنه خلى ابن الجعابي نائما وكتب على رجله ، قال : فكنت أراه ثلاثة أيام لم يمسه الماء .

                                                                                      قال الأزهري : إن ابن الجعابي لما مات أوصى بأن تحرق كتبه ، فأحرقت ، فكان فيها كتب للناس . فحدثني أبو الحسين أنه كان له عنده مائة وخمسون جزءا فذهبت في جملة ما أحرق .

                                                                                      وقال مسعود السجزي : حدثنا الحاكم ، سمعت الدارقطني يقول : أخبرت بعلة الجعابي ، فقمت إليه ، فرأيته يحرق كتبه ، فأقمت [ ص: 91 ] عنده حتى ما بقي منه سينه ، ومات من ليلته .

                                                                                      أبو ذر الحافظ : سمعت أحمد بن عبدان الحافظ يقول : وقع إلي جزء من حديث الجعابي ، فحفظت منه خمسة أحاديث ، فأجابني فيها ، ثم قال : من أين لك هذا ؟ قلت : من جزئك ، قال : إن شئت ألق علي المتن وأجيبك في إسناده ، أو ألق علي الإسناد وأجيبك في المتن .

                                                                                      قال الخطيب : سمعت ابن رزقويه يقول : كان ابن الجعابي يمتلئ مجلسه ، وتمتلئ السكة التي يملي فيها والطريق ، ويحضر الدارقطني ، وابن المظفر ، ويملي من حفظه .

                                                                                      قال أبو علي الحافظ : قلت لابن الجعابي : قد وصلت إلى الدينور فلا أتيت نيسابور ؟ قال : هممت به ثم قلت : أذهب إلى قوم عجم لا أفهم عنهم ولا يفهمون عني ؟ ! .

                                                                                      قال الحاكم : قلت للدارقطني : يبلغني عن الجعابي أنه تغير عما عهدناه ، قال : وأي تغير ؟ قلت : بالله هل اتهمته ؟ قال : إي والله ، ثم ذكر أشياء ، فقلت : وضح لك أنه خلط في الحديث ؟ قال : إي والله ، قلت : هل اتهمته حتى خفت المذهب ؟ قال : ترك الصلاة والدين .

                                                                                      وقال محمد بن عبيد الله المسبحي : كان ابن الجعابي المحدث قد صحب قوما من المتكلمين ، فسقط عند كثير من أصحاب [ ص: 92 ] الحديث . وصل إلى مصر ، ودخل إلى الإخشيذ ، ثم مضى إلى دمشق ، فوقفوا على مذهبه ، فشردوه ، فخرج هاربا .

                                                                                      قال ابن شاهين : دخلت أنا ، وابن المظفر ، والدارقطني على ابن الجعابي وهو مريض ، فقلت له : من أنا ؟ قال : سبحان الله ألستم فلانا وفلانا ؟ وسمانا ، فدعونا وخرجنا ، فمشينا خطوات ، فسمعنا الصائح بموته ، ورأينا كتبه تل رماد .

                                                                                      قال الأزهري : كانت سكينة نائحة الرافضة تنوح في جنازته . وقال أبو نعيم : قدم الجعابي أصبهان ، وحدث بها في سنة تسع وأربعين وثلاثمائة .

                                                                                      أخبرنا إسحاق بن طارق ، أخبرنا ابن خليل ، أخبرنا أبو المكارم التيمي ، أخبرنا أبو علي الحداد ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا محمد بن عمر بن سلم ، حدثنا محمد بن النعمان ، حدثنا هدبة ، حدثنا حزم بن أبي حزم ، سمعت الحسن يقول : " بئس الرفيق الدينار والدرهم ، لا ينفعانك حتى يفارقاك " .

                                                                                      قلت : مات في رجب سنة خمس وخمسين وثلاثمائة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية