(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا )
اعلم أن في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال المفسرون : إن القوم لما سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المسائل الثلاثة ، قال عليه السلام : أجيبكم عنها غدا ، ولم يقل : إن شاء الله ، فاحتبس الوحي خمسة عشر يوما ، وفي رواية أخرى أربعين يوما ، ثم نزلت هذه الآية ، اعترض القاضي على هذا الكلام من وجهين :
الأول : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان عالما بأنه إذا أخبر عن أنه سيفعل الفعل الفلاني غدا فربما جاءته الوفاة قبل الغد ، وربما عاقه عائق آخر عن الإقدام على ذلك الفعل غدا ، وإذا كان كل هذه الأمور محتملا ، فلو لم يقل : إن شاء الله ربما خرج الكلام مخالفا لما عليه الوجود ، وذلك يوجب التنفير عنه ، وعن كلامه عليه السلام ، أما إذا قال : إن شاء الله كان محترزا عن هذا المحذور ، وإذا كان كذلك كان من البعيد أن يعد بشيء ولم يقل فيه إن شاء الله .
الثاني : أن هذه الآية مشتملة على فوائد كثيرة وأحكام جمة ، فيبعد قصرها على هذا السبب .
ويمكن أن يجاب عن الأول : أنه لا نزاع أن الأولى أن يقول : إن شاء الله إلا أنه ربما اتفق له أنه نسي هذا الكلام لسبب من الأسباب فكان ذلك من باب ترك الأولى والأفضل .
وأن يجاب عن الثاني : أن اشتماله على الفوائد الكثيرة لا يمنع من أن يكون سبب نزوله واحدا منها .
[ ص: 93 ] المسألة الثانية : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إلا أن يشاء الله ) ليس فيه بيان أنه شاء الله ماذا ، وفيه قولان :
الأول : التقدير : (
nindex.php?page=treesubj&link=28989_32456nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إلا أن يشاء الله ) أن يأذن لك في ذلك القول ، والمعنى : أنه ليس لك أن تخبر عن نفسك أنك تفعل الفعل الفلاني إلا إذا أذن الله لك في ذلك الإخبار .
القول الثاني : أن يكون التقدير : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا ) إلا أن تقول : ( إن شاء الله ) والسبب في أنه لا بد من ذكر هذا القول هو أن الإنسان إذا قال : سأفعل الفعل الفلاني غدا ، لم يبعد أن يموت قبل مجيء الغد ، ولم يبعد أيضا لو بقي حيا أن يعوقه عن ذلك الفعل شيء من العوائق ، فإذا كان لم يقل : إن شاء الله صار كاذبا في ذلك الوعد ، والكذب منفرد وذلك لا يليق بالأنبياء عليهم السلام ، فلهذا السبب أوجب عليه أن يقول : ( إن شاء الله ) حتى أن بتقدير أن يتعذر عليه الوفاء بذلك الموعود لم يصر كاذبا فلم يحصل التنفير .
المسألة الثالثة : اعلم أن مذهب
المعتزلة أن الله تعالى يريد الإيمان والطاعة من العبد ، والعبد يريد الكفر والمعصية لنفسه ، فيقع مراد العبد ولا يقع مراد الله ، فتكون إرادة العبد غالبة
nindex.php?page=treesubj&link=29723وإرادة الله تعالى مغلوبة ، وأما عندنا فكل ما أراد الله تعالى فهو واقع فهو تعالى يريد الكفر من الكافر ويريد الإيمان من المؤمن ، وعلى هذا التقرير فإرادة الله تعالى غالبة ، وإرادة العبد مغلوبة ، إذا عرفت هذا فنقول : إذا قال العبد : لأفعلن كذا غدا إلا أن يشاء الله ، والله إنما يدفع عنه الكذب إذا كانت إرادة الله غالبة على إرادة العبد ، فإن على هذا القول : يكون التقدير : أن العبد قال : أنا أفعل الفعل الفلاني إلا إذا كانت إرادة الله بخلافه ، فأنا على هذا التقدير لا أفعل ؛ لأن إرادة الله غالبة على إرادتي فعند قيام المانع الغالب لا أقوى على الفعل ، أما بتقدير أن تكون إرادة الله تعالى مغلوبة ، فإنها لا تصلح عذرا في هذا الباب ؛ لأن المغلوب لا يمنع الغالب إذا ثبت هذا فنقول : أجمعت الأمة على أنه
nindex.php?page=treesubj&link=16394_16541إذا قال : والله لأفعلن كذا ، ثم قال : إن شاء الله دافعا للحنث ، فلا يكون دافعا للحنث إلا إذا كانت إرادة الله غالبة ، فلما حصل دفع الحنث بالإجماع وجب القطع بكون إرادة الله تعالى غالبة ، وأنه لا يحصل في الوجود إلا ما أراده الله ، وأصحابنا أكدوا هذا الكلام في صورة معينة ، وهو أن الرجل إذا كان له على إنسان دين وكان ذلك المديون قادرا على أداء الدين ، فقال : والله لأقضين هذا الدين غدا ، ثم قال : إن شاء الله ، فإذا جاء الغد ولم يقض هذا الدين لم يحنث ، وعلى قول
المعتزلة : أنه تعالى يريد منه قضاء الدين ، وعلى هذا التقدير فقوله : ( إن شاء الله ) تعليق لذلك الحكم على شرط واقع فوجب أن يحنث ، ولما أجمعوا على أن لا يحنث علمنا أن ذلك إنما كان ؛ لأن الله تعالى ما شاء ذلك الفعل مع أن ذلك الفعل قد أمر الله به ورغب فيه وزجر عن الإخلال به ، وثبت أنه تعالى قد ينهى عن الشيء ويريده ، وقد يأمر بالشيء ولا يريده وهو المطلوب ، فإن قيل : هب أن الأمر كما ذكرتم إلا أن كثيرا من الفقهاء قالوا : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=11783قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله لم يقع الطلاق ، فما السبب فيه ؟
قلنا : السبب هو أنه لما علق وقوع الطلاق على مشيئة الله لم يقع ، إلا إذا عرفنا وقوع الطلاق ولا نعرف وقوع الطلاق إلا إذا عرفنا أولا حصول هذه المشيئة ، لكن مشيئة الله تعالى غيب فلا سبيل إلى العلم بحصولها إلا إذا علمنا أن متعلق المشيئة قد وقع وحصل ، وهو الطلاق ، فعلى هذا الطريق لا نعرف حصول المشيئة إلا إذا عرفنا وقوع الطلاق ، ولا نعرف وقوع الطلاق إلا إذا عرفنا وقوع المشيئة ، فيتوقف العلم بكل واحد منها على العلم بالآخرة ، وهو دور والدور باطل ، فلهذا السبب قالوا : الطلاق غير واقع .
المسألة الرابعة : احتج القائلون بأن المعدوم شيء بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إلا أن يشاء الله ) قالوا : الشيء الذي سيفعله الفاعل غدا سماه الله تعالى في الحال بأنه شيء لقوله :
[ ص: 94 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23ولا تقولن لشيء ) ومعلوم أن الشيء الذي سيفعله الفاعل غدا ، فهو معدوم في الحال ، فوجب تسمية المعدوم بأنه شيء .
والجواب : أن هذا الاستدلال لا يفيد إلا أن المعدوم مسمى بكونه شيئا ، وعندنا أن السبب فيه أن الذي سيصير شيئا يجوز تسميته بكونه شيئا في الحال ، كما أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أتى أمر الله ) ( النحل : 1 ) والمراد سيأتي أمر الله ، أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24nindex.php?page=treesubj&link=16396_28989واذكر ربك إذا نسيت ) ففيه وجهان :
الأول : أنه كلام متعلق بما قبله ، والتقدير : أنه إذا نسي أن يقول : إن شاء الله ، فليذكره إذا تذكره ، وعند هذا اختلفوا ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : لو لم يحصل التذكر إلا بعد مدة طويلة ، ثم ذكر إن شاء الله كفى في دفع الحنث ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير بعد سنة أو شهر أو أسبوع أو يوم ، وعن
طاوس : أنه يقدر على الاستثناء في مجلسه ، وعن
عطاء يستثني على مقدار حلب الناقة الغزيرة ، وعند عامة الفقهاء : أنه لا أثر له في الأحكام ما لم يكن موصولا ، واحتج
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24واذكر ربك إذا نسيت ) لأن الظاهر أن المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24واذكر ربك إذا نسيت ) هو الذي تقدم ذكره في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إلا أن يشاء الله ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24واذكر ربك ) غير مختص بوقت معين ، بل هو يتناول كل الأوقات ، فوجب أن يجب عليه هذا الذكر في أي وقت حصل هذا التذكر ، وكل من قال : وجب هذا الذكر ، قال : إنه إنما وجب لدفع الحنث ، وذلك يفيد المطلوب .
واعلم أن استدلال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس -رضي الله عنهما- ظاهر في أن الاستثناء لا يجب أن يكون متصلا ، أما الفقهاء فقالوا : إنا لو جوزنا ذلك لزم أن لا يستقر شيء من العقود والأيمان ، يحكى أنه بلغ
المنصور أن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة -رحمه الله- خالف
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في الاستثناء المنفصل فاستحضره لينكر عليه ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رحمه الله : هذا يرجع عليك ، فإنك تأخذ البيعة بالأيمان ، أتفرض أن يخرجوا من عندك فيستثنوا فيخرجوا عليك ؟ فاستحسن
المنصور كلامه ورضي به .
واعلم أن حاصل هذا الكلام يرجع إلى تخصيص النص بالقياس وفيه ما فيه . وأيضا فلو قال : إن شاء الله على سبيل الخفية بلسانه بحيث لا يسمعه أحد فهو معتبر ، ودافع للحنث بالإجماع ، مع أن المحذور الذي ذكرتم حاصل فيه ، فثبت أن الذي عولوا عليه ليس بقوي ، والأولى أن يحتجوا في وجوب كون الاستثناء متصلا بأن الآيات الكثيرة دلت على وجوب الوفاء بالعقد والعهد ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أوفوا بالعقود ) ( المائدة : 1 ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34وأوفوا بالعهد ) ( الإسراء : 34 ) فالآتي بالعهد يجب عليه الوفاء بمقتضاه لأجل هذه الآيات خالفنا هذا الدليل فيما إذا كان متصلا ؛ لأن الاستثناء مع المستثنى منه كالكلام الواحد بدليل أن لفظ الاستثناء وحده لا يفيد شيئا ، فهو جار مجرى نصف اللفظة الواحدة ، فجملة الكلام كالكلمة الواحدة المفيدة ، وعلى هذا التقدير فعند ذكر الاستثناء عرفنا أنه لم يلزم شيء بخلاف ما إذا كان الاستثناء متصلا ، فإنه حصل الالتزام التام بالكلام فوجب عليه الوفاء بذلك الملتزم .
والقول الثاني : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24واذكر ربك إذا نسيت ) لا تعلق له بما قبله ، بل هو كلام مستأنف ، وعلى هذا القول : ففيه وجوه :
أحدها : واذكر ربك
nindex.php?page=treesubj&link=33142_20011بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت كلمة الاستثناء ، والمراد منه الترغيب في الاهتمام بذكر هذه الكلمة .
وثانيها : واذكر ربك إذا اعتراك النسيان ليذكرك المنسي .
وثالثها : حمله بعضهم على أداء الصلاة المنسية عند ذكرها ، وهذا القول بما فيه من الوجوه الثلاثة بعيد ؛ لأن تعلق هذا الكلام بما قبله يفيد إتمام الكلام في هذه القضية ، وجعله كلاما مستأنفا يوجب صيرورة الكلام مبتدأ منقطعا ، وذلك لا يجوز
(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا )
اعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : إِنَّ الْقَوْمَ لَمَّا سَأَلُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : أُجِيبُكُمْ عَنْهَا غَدًا ، وَلَمْ يَقُلْ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَاحْتَبَسَ الْوَحْيُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، اعْتَرَضَ الْقَاضِي عَلَى هَذَا الْكَلَامِ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ إِذَا أَخْبَرَ عَنْ أَنَّهُ سَيَفْعَلُ الْفِعْلَ الْفُلَانِيَّ غَدًا فَرُبَّمَا جَاءَتْهُ الْوَفَاةُ قَبْلَ الْغَدِ ، وَرُبَّمَا عَاقَهُ عَائِقٌ آخَرُ عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ غَدًا ، وَإِذَا كَانَ كُلُّ هَذِهِ الْأُمُورِ مُحْتَمَلًا ، فَلَوْ لَمْ يَقِلْ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ رُبَّمَا خَرَجَ الْكَلَامُ مُخَالِفًا لِمَا عَلَيْهِ الْوُجُودُ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّنْفِيرَ عَنْهُ ، وَعَنْ كَلَامِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، أَمَّا إِذَا قَالَ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَانَ مُحْتَرِزًا عَنْ هَذَا الْمَحْذُورِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مِنَ الْبَعِيدِ أَنْ يَعِدَ بِشَيْءٍ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
الثَّانِي : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى فَوَائِدَ كَثِيرَةٍ وَأَحْكَامٍ جَمَّةٍ ، فَيَبْعُدُ قَصْرُهَا عَلَى هَذَا السَّبَبِ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنِ الْأَوَّلِ : أَنَّهُ لَا نِزَاعَ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا اتَّفَقَ لَهُ أَنَّهُ نَسِيَ هَذَا الْكَلَامَ لِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْأَوْلَى وَالْأَفْضَلِ .
وَأَنْ يُجَابَ عَنِ الثَّانِي : أَنَّ اشْتِمَالَهُ عَلَى الْفَوَائِدِ الْكَثِيرَةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ نُزُولِهِ وَاحِدًا مِنْهَا .
[ ص: 93 ] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُ شَاءَ اللَّهُ مَاذَا ، وَفِيهِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : التَّقْدِيرُ : (
nindex.php?page=treesubj&link=28989_32456nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) أَنْ يَأْذَنَ لَكَ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ لَيْسَ لَكَ أَنْ تُخْبِرَ عَنْ نَفْسِكَ أَنَّكَ تَفْعَلُ الْفِعْلَ الْفُلَانِيَّ إِلَّا إِذَا أَذِنَ اللَّهُ لَكَ فِي ذَلِكَ الْإِخْبَارِ .
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا ) إِلَّا أَنْ تَقُولَ : ( إِنْ شَاءَ اللَّهُ ) وَالسَّبَبُ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ هَذَا الْقَوْلِ هُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا قَالَ : سَأَفْعَلُ الْفِعْلَ الْفُلَانِيَّ غَدًا ، لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ ، وَلَمْ يَبْعُدْ أَيْضًا لَوْ بَقِيَ حَيًّا أَنْ يَعُوقَهُ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ شَيْءٌ مِنَ الْعَوَائِقِ ، فَإِذَا كَانَ لَمْ يَقُلْ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَارَ كَاذِبًا فِي ذَلِكَ الْوَعْدِ ، وَالْكَذِبُ مُنْفَرِدٌ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ أَوْجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ : ( إِنْ شَاءَ اللَّهُ ) حَتَّى أَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ الْمَوْعُودِ لَمْ يَصِرْ كَاذِبًا فَلَمْ يَحْصُلِ التَّنْفِيرُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ
الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرِيدُ الْإِيمَانَ وَالطَّاعَةَ مِنَ الْعَبْدِ ، وَالْعَبْدُ يُرِيدُ الْكُفْرَ وَالْمَعْصِيَةَ لِنَفْسِهِ ، فَيَقَعُ مُرَادُ الْعَبْدِ وَلَا يَقَعُ مُرَادُ اللَّهِ ، فَتَكُونُ إِرَادَةُ الْعَبْدِ غَالِبَةً
nindex.php?page=treesubj&link=29723وَإِرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى مَغْلُوبَةً ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَكُلُّ مَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ وَاقِعٌ فَهُوَ تَعَالَى يُرِيدُ الْكُفْرَ مِنَ الْكَافِرِ وَيُرِيدُ الْإِيمَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ فَإِرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى غَالِبَةٌ ، وَإِرَادَةُ الْعَبْدِ مَغْلُوبَةٌ ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : إِذَا قَالَ الْعَبْدُ : لَأَفْعَلَنَّ كَذَا غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ، وَاللَّهُ إِنَّمَا يَدْفَعُ عَنْهُ الْكَذِبَ إِذَا كَانَتْ إِرَادَةُ اللَّهِ غَالِبَةً عَلَى إِرَادَةِ الْعَبْدِ ، فَإِنَّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ : يَكُونُ التَّقْدِيرُ : أَنَّ الْعَبْدَ قَالَ : أَنَا أَفْعَلُ الْفِعْلَ الْفُلَانِيَّ إِلَّا إِذَا كَانَتْ إِرَادَةُ اللَّهِ بِخِلَافِهِ ، فَأَنَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا أَفْعَلُ ؛ لِأَنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ غَالِبَةٌ عَلَى إِرَادَتِي فَعِنْدَ قِيَامِ الْمَانِعِ الْغَالِبِ لَا أَقْوَى عَلَى الْفِعْلِ ، أَمَّا بِتَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ إِرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى مَغْلُوبَةً ، فَإِنَّهَا لَا تُصْلَحُ عُذْرًا فِي هَذَا الْبَابِ ؛ لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ لَا يَمْنَعُ الْغَالِبَ إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=16394_16541إِذَا قَالَ : وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا ، ثُمَّ قَالَ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ دَافِعًا لِلْحِنْثِ ، فَلَا يَكُونُ دَافِعًا لِلْحِنْثِ إِلَّا إِذَا كَانَتْ إِرَادَةُ اللَّهِ غَالِبَةً ، فَلَمَّا حَصَلَ دَفْعُ الْحِنْثِ بِالْإِجْمَاعِ وَجَبَ الْقَطْعُ بِكَوْنِ إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى غَالِبَةً ، وَأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ فِي الْوُجُودِ إِلَّا مَا أَرَادَهُ اللَّهُ ، وَأَصْحَابُنَا أَكَّدُوا هَذَا الْكَلَامَ فِي صُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ ، وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ لَهُ عَلَى إِنْسَانٍ دَيْنٌ وَكَانَ ذَلِكَ الْمَدْيُونُ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لَأَقْضِيَنَّ هَذَا الدَّيْنَ غَدًا ، ثُمَّ قَالَ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَإِذَا جَاءَ الْغَدُ وَلَمْ يَقْضِ هَذَا الدَّيْنَ لَمْ يَحْنَثْ ، وَعَلَى قَوْلِ
الْمُعْتَزِلَةِ : أَنَّهُ تَعَالَى يُرِيدُ مِنْهُ قَضَاءَ الدَّيْنِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَقَوْلُهُ : ( إِنْ شَاءَ اللَّهُ ) تَعْلِيقٌ لِذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى شَرْطٍ وَاقِعٍ فَوَجَبَ أَنْ يَحْنَثَ ، وَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا يَحْنَثَ عَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا شَاءَ ذَلِكَ الْفِعْلَ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَغَّبَ فِيهِ وَزَجَرَ عَنِ الْإِخْلَالِ بِهِ ، وَثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ يَنْهَى عَنِ الشَّيْءِ وَيُرِيدُهُ ، وَقَدْ يَأْمُرُ بِالشَّيْءِ وَلَا يُرِيدُهُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ ، فَإِنْ قِيلَ : هَبْ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا ذَكَرْتُمْ إِلَّا أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْفُقَهَاءِ قَالُوا : إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=11783قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ ، فَمَا السَّبَبُ فِيهِ ؟
قُلْنَا : السَّبَبُ هُوَ أَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ لَمْ يَقَعْ ، إِلَّا إِذَا عَرَفْنَا وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَلَا نَعْرِفُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ إِلَّا إِذَا عَرَفْنَا أَوَّلًا حُصُولَ هَذِهِ الْمَشِيئَةِ ، لَكِنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْبٌ فَلَا سَبِيلَ إِلَى الْعِلْمِ بِحُصُولِهَا إِلَّا إِذَا عَلِمْنَا أَنَّ مُتَعَلَّقَ الْمَشِيئَةِ قَدْ وَقَعَ وَحَصَلَ ، وَهُوَ الطَّلَاقُ ، فَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ لَا نَعْرِفُ حُصُولَ الْمَشِيئَةِ إِلَّا إِذَا عَرَفْنَا وُقُوعَ الطَّلَاقِ ، وَلَا نَعْرِفُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ إِلَّا إِذَا عَرَفْنَا وُقُوعَ الْمَشِيئَةِ ، فَيَتَوَقَّفُ الْعِلْمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى الْعِلْمِ بِالْآخِرَةِ ، وَهُوَ دَوْرٌ وَالدَّوْرُ بَاطِلٌ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ قَالُوا : الطَّلَاقُ غَيْرُ وَاقِعٍ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَيْءٌ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) قَالُوا : الشَّيْءُ الَّذِي سَيَفْعَلُهُ الْفَاعِلُ غَدًا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَالِ بِأَنَّهُ شَيْءٌ لِقَوْلِهِ :
[ ص: 94 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي سَيَفْعَلُهُ الْفَاعِلُ غَدًا ، فَهُوَ مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ ، فَوَجَبَ تَسْمِيَةُ الْمَعْدُومِ بِأَنَّهُ شَيْءٌ .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ لَا يُفِيدُ إِلَّا أَنَّ الْمَعْدُومَ مُسَمًّى بِكَوْنِهِ شَيْئًا ، وَعِنْدَنَا أَنَّ السَّبَبَ فِيهِ أَنَّ الَّذِي سَيَصِيرُ شَيْئًا يَجُوزُ تَسْمِيَتُهُ بِكَوْنِهِ شَيْئًا فِي الْحَالِ ، كَمَا أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أَتَى أَمْرُ اللَّهِ ) ( النَّحْلِ : 1 ) وَالْمُرَادُ سَيَأْتِي أَمْرُ اللَّهِ ، أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24nindex.php?page=treesubj&link=16396_28989وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) فَفِيهِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ كَلَامٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهُ ، وَالتَّقْدِيرُ : أَنَّهُ إِذَا نَسِيَ أَنْ يَقُولَ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَلْيَذْكُرْهُ إِذَا تَذَكَّرَهُ ، وَعِنْدَ هَذَا اخْتَلَفُوا ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : لَوْ لَمْ يَحْصُلِ التَّذَكُّرُ إِلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَفَى فِي دَفْعِ الْحِنْثِ ، وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بَعْدَ سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ أُسْبُوعٍ أَوْ يَوْمٍ ، وَعَنْ
طَاوُسٍ : أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ فِي مَجْلِسِهِ ، وَعَنْ
عَطَاءٍ يَسْتَثْنِي عَلَى مِقْدَارِ حَلْبِ النَّاقَةِ الْغَزِيرَةِ ، وَعِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ : أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْأَحْكَامِ مَا لَمْ يَكُنْ مَوْصُولًا ، وَاحْتَجَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) هُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24وَاذْكُرْ رَبَّكَ ) غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ ، بَلْ هُوَ يَتَنَاوَلُ كُلَّ الْأَوْقَاتِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ هَذَا الذِّكْرُ فِي أَيِّ وَقْتٍ حَصَلَ هَذَا التَّذَكُّرُ ، وَكُلُّ مَنْ قَالَ : وَجَبَ هَذَا الذِّكْرُ ، قَالَ : إِنَّهُ إِنَّمَا وَجَبَ لِدَفْعِ الْحِنْثِ ، وَذَلِكَ يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ اسْتِدْلَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا ، أَمَّا الْفُقَهَاءُ فَقَالُوا : إِنَّا لَوْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ شَيْءٌ مِنَ الْعُقُودِ وَالْأَيْمَانِ ، يُحْكَى أَنَّهُ بَلَغَ
الْمَنْصُورَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبَا حَنِيفَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- خَالَفَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ فَاسْتَحْضَرَهُ لِيُنْكِرَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : هَذَا يَرْجِعُ عَلَيْكَ ، فَإِنَّكَ تَأْخُذُ الْبَيْعَةَ بِالْأَيْمَانِ ، أَتَفْرِضُ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ عِنْدِكَ فَيَسْتَثْنُوا فَيَخْرُجُوا عَلَيْكَ ؟ فَاسْتَحْسَنَ
الْمَنْصُورُ كَلَامَهُ وَرَضِيَ بِهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ هَذَا الْكَلَامِ يَرْجِعُ إِلَى تَخْصِيصِ النَّصِّ بِالْقِيَاسِ وَفِيهِ مَا فِيهِ . وَأَيْضًا فَلَوْ قَالَ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ بِلِسَانِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ ، وَدَافِعٌ لِلْحِنْثِ بِالْإِجْمَاعِ ، مَعَ أَنَّ الْمَحْذُورَ الَّذِي ذَكَرْتُمْ حَاصِلٌ فِيهِ ، فَثَبَتَ أَنَّ الَّذِي عَوَّلُوا عَلَيْهِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَحْتَجُّوا فِي وُجُوبِ كَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مُتَّصِلًا بِأَنَّ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةَ دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ وَالْعَهْدِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ( الْمَائِدَةِ : 1 ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ) ( الْإِسْرَاءِ : 34 ) فَالْآتِي بِالْعَهْدِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَاهُ لِأَجْلِ هَذِهِ الْآيَاتِ خَالَفْنَا هَذَا الدَّلِيلَ فِيمَا إِذَا كَانَ مُتَّصِلًا ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَعَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَالْكَلَامِ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ أَنَّ لَفْظَ الِاسْتِثْنَاءِ وَحْدَهُ لَا يُفِيدُ شَيْئًا ، فَهُوَ جَارٍ مَجْرَى نِصْفِ اللَّفْظَةِ الْوَاحِدَةِ ، فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ الْمُفِيدَةِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَعِنْدَ ذِكْرِ الِاسْتِثْنَاءِ عَرَفْنَا أَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا ، فَإِنَّهُ حَصَلَ الِالْتِزَامُ التَّامُّ بِالْكَلَامِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ الْمُلْتَزَمِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ ، بَلْ هُوَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ : فَفِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : وَاذْكُرْ رَبَّكَ
nindex.php?page=treesubj&link=33142_20011بِالتَّسْبِيحِ وَالِاسْتِغْفَارِ إِذَا نَسِيتَ كَلِمَةَ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّرْغِيبُ فِي الِاهْتِمَامِ بِذِكْرِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ .
وَثَانِيهَا : وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا اعْتَرَاكَ النِّسْيَانُ لِيُذَكِّرَكَ الْمَنْسِيَّ .
وَثَالِثُهَا : حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ الْمَنْسِيَّةِ عِنْدَ ذِكْرِهَا ، وَهَذَا الْقَوْلُ بِمَا فِيهِ مِنَ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ بِعِيدٌ ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ هَذَا الْكَلَامِ بِمَا قَبْلَهُ يُفِيدُ إِتْمَامَ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ ، وَجَعْلُهُ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا يُوجِبُ صَيْرُورَةَ الْكَلَامِ مُبْتَدَأً مُنْقَطِعًا ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ