الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                364 371 - من حديث: عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم، وركب أبو طلحة، وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر، وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم، ثم حسر الإزار عن فخذه، حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم.

                                التالي السابق


                                وذكر بقية الحديث في فتح خيبر، وقصة صفية ، وعتقها، وتزويجها، والدخول عليها ووليمتها، وسيأتي ذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.

                                ومراد البخاري بهذا: الاستدلال به على أن الفخذ ليست عورة، وذلك من وجهين: [ ص: 195 ] أحدهما: أن ركبة أنس مست فخذ النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر ذلك، وهذا يدل على أن الفخذ لا ينكر مسها، ولو كانت عورة لم يجز ذلك.

                                والثاني: حسر الإزار عن فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى نظر أنس إلى بياض فخذ النبي صلى الله عليه وسلم، وسواء كان ذلك عن قصد من النبي صلى الله عليه وسلم وتعمد له - على رواية من رواه: " حسر الإزار " - بنصب الراء - أو كان من شدة الجري عن غير قصد وتعمد - على رواية من رواه: " حسر الإزار " بضم الراء - فإن النبي صلى الله عليه وسلم استدام ذلك، ولم يرد الإزار عليه ; فإنه لو فعل لنقله أنس .

                                وأيضا، فقد تقدم حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم من بعد ما شد عليه إزاره حين كان ينقل حجارة الكعبة لم تر له عورة بعدها.

                                وروي عن عائشة أنها قالت: ما رأيت ذلك منه صلى الله عليه وسلم.

                                وقد خرجه الإمام أحمد .

                                ولو كان الفخذ عورة لصان الله نبيه عن أن يطلع عليه أحد.

                                وفي " صحيح مسلم " عن عائشة ، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه - أو ساقيه - فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال، فتحدث، ثم استأذن عمر - وذكرت الحديث.

                                وهذه الرواية ليس فيها جزم بكشف الفخذ، بل وقع التردد من الراوي: هل كشف فخذيه أو ساقيه؟ فلا يستدل بذلك.

                                ووقع الحديث في " مسند الإمام أحمد " وغيره، وفيه: " أنه كان كاشفا عن فخذه "، من غير شك، وفي ألفاظ الحديث اضطراب.

                                واختلف العلماء في الفخذ: هل هي عورة أم لا؟

                                [ ص: 196 ] فقال أكثرهم: هي عورة، روي ذلك عن عطاء ، وهو قول مالك ، والثوري ، وأبي حنيفة ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد في المشهور عنه.

                                وقالت طائفة: ليست الفخذ عورة، وهو قول ابن أبي ذئب ، وداود ، وابن جرير والطبري ، وأبي سعيد الإصطخري من الشافعية، وحكاه بعضهم رواية عن مالك ، وهو رواية عن أحمد رجحها طائفة من متأخري أصحابه، وحكاه بعضهم عن عطاء ، وفي صحته نظر.

                                وحكي عن طائفة: أن الفخذ في المساجد عورة، وفي الحمام ونحوه مما جرت العادة بكشفها فيه ليست عورة، وحكي عن عطاء والأوزاعي ، ورجحه ابن قتيبة .

                                وهذا كله في حكم النظر إليها.

                                فأما الصلاة: فمن متأخري أصحابنا من أنكر أن يكون في صحة الصلاة مع كشفها عن أحمد خلاف، قال: لأن أحمد لا يصحح الصلاة مع كشف المنكبين، فالفخذ أولى.

                                قال: ولا ينبغي أن يكون في هذا خلاف ; فإن الصلاة مأمور فيها بأخذ الزينة، فلا يكتفى فيها بستر العورة.

                                والمنصوص عن أحمد يخالف هذا:

                                قال مهنا : سألت أحمد عن رجل صلى في ثوب ليس بصفيق؟ قال: إن بدت عورته يعيد، وإن كان الفخذ فلا. قلت لأحمد : وما العورة؟ قال: الفرج والدبر.

                                وقد حكى المهلب بن أبي صفرة المالكي في " شرح البخاري ": الإجماع على أن من صلى مكشوف الفخذ لا يعيد صلاته. وهو خطأ.



                                الخدمات العلمية