الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وهلاك المبيع يمنع ) أي صحتها لما قدمنا أن من شرطها بقاء المبيع لأنها رفع العقد ، وهو محله قيد بالمبيع لأن هلاك الثمن لا يمنعها لكونه ليس بمحل لكونه يثبت بالعقد فكان حكما ، وهو يعقبه فلا يكون محلا لأن المحل شرط ، وهو سابق فتنافيا ، ولذا [ ص: 115 ] بطل البيع بهلاك المبيع قبل القبض دون الثمن ( قوله وهلاك بعضه بقدره ) أي هلاك بعض المبيع يمنعها بقدر الهالك لأن الجزء معتبر بالكل ، وفي بيع المقايضة إذا هلك أحدهما صحت في الباقي منهما ، وعلى المشتري قيمة الهالك إن كان قيميا ، ومثله إذا كان مثليا فيسلمه إلى صاحبه ، ويسترد العين إلا إذا هلكا بخلاف البدلين في الصرف إذا هلكا لعدم التعيين ، ولذا لا يلزمهما إلا رد المثل بعدها ، وفي السراج الوهاج اشترى عبدا بنقرة فضة أو بمصوغ مما يتعين فتقابضا ثم هلك العبد في يد المشتري ثم تقايلا ، والفضة قائمة في يد البائع صحت ، وعلى البائع رد الفضة بعينها ، ويسترد من المشتري قيمة العبد ، وفي البزازية تقايلا فأبق العبد من يد المشتري ، وعجز عن تسليمه تبطل الإقالة ا هـ .

                                                                                        وأشار إلى أن المبيع إذا هلك بعد الإقالة بطلت ، وعاد البيع قيد بالهلاك لأنه لو باع صابونا رطبا ثم تقايلا بعدما جف فنقص ، وزنه لا يجب على المشتري شيء لأن كل المبيع باق كذا في فتح القدير .

                                                                                        وأشار بعدم اشتراط بقاء جميع المبيع على حاله إلى أنه لو اشترى أرضا مع الزرع ، وحصده المشتري ثم تقايلا صحت في الأرض بحصتها من الثمن بخلاف ما إذا أدرك الزرع في يده ثم تقايلا فإنها لا تجوز لأن العقد إنما ورد على القصيل دون الحنطة كذا في القنية ، وإلى أن الاعتبار لما دخل في البيع مقصودا فلو اشترى أرضا فيها أشجار فقطعها ثم تقايلا صحت الإقالة بجميع الثمن ، ولا شيء للبائع من قيمة الأشجار ، وتسلم الأشجار للمشتري هذا إذا علم البائع بقطعها فإن لم يعلم به وقتها خير إن شاء أخذها بجميع الثمن ، وإن شاء ترك ، وإن اشترى عبدا فقطعت يده ، وأخذ أرشها ثم تقايلا صحت الإقالة ، ولزمه بجميع الثمن ، ولا شيء للبائع من أرش اليد إذا علم وقت الإقالة أنه قطعت يده ، وأخذ أرشها ، وإن لم يعلم يخير بين الأخذ بجميع الثمن وبين الترك كذا في القنية ، ورقم برقم آخر أن الأشجار لا تسلم للمشتري ، وللبائع أخذ قيمتها منه لأنها موجودة وقت البيع بخلاف الأرش فإنه لم يدخل في البيع أصلا لا قصدا ، ولا ضمنا . ا هـ .

                                                                                        ثم اعلم أنه لا يرد على اشتراط قيام المبيع لصحة الإقالة إقالة السلم قبل قبض المسلم فيه لأنها صحيحة سواء كان رأس المال عينا أو دينا ، وسواء كان قائما في يد المسلم إليه أو هالكا لأن المسلم [ ص: 116 ] إليه ، وإن كان دينا حقيقة فله حكم العين حتى لا يجوز الاستبدال به قبل قبضه ، وإذا صحت فإن كان رأس المال عينا قائمة ردت ، وإن كانت هالكة رد المثل إن كان مثليا ، والقيمة إن كان قيميا ، وإن كان دينا رد مثله قائما أو هالكا لعدم التعيين ، وكذا إقالته بعد قبض المسلم إليه ، وإن كان قائما ، ويرد رب السلم عين المقبوض لكونه متعينا كذا في البائع ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قول المصنف ، وهلاك المبيع يمنع ) قال الرملي أقول : وكذا إهلاكه بعد الإقالة ، وقبل التسليم يبطلها قال في البزازية هلاك المبيع بعد الإقالة قبل التسليم مبطل ، وفي مجمع الفتاوى ، ولو تقايلا ثم هلك المبيع قبل التسليم بطلت الإقالة في مجمع الرواية شرح القدوري .

                                                                                        قال في شرح الطحاوي أو هلك المبيع بعد الإقالة قبل التسليم إلى البائع بطلت الإقالة ، ومثله في كثير من الكتب ، ووجهه مأخوذ من قولهم لا تتم إلا بالقبض قال في الخلاصة ، ولو جاء المشتري إلى البائع ، وقال إنه قام علي بثمن غال فرد عليه البائع ما قبض من الثمن ، ولكن لم يقبض ما باع لا تتم الإقالة والشرط الإعطاء من الجانبين . ا هـ .

                                                                                        ولتمامها حكم إنشائها فكما لا يجوز إنشاؤها بعد هلاك المبيع فكذا هلاكه يبطلها ، وقدم هذا الشارح في قوله هي فسخ أنه إذا تعذر جعلها فسخا بأن ولدت المبيعة بعد القبض أو هلك المبيع فإنها تبطل ، ويبقى البيع على حاله ، والله تعالى أعلم . ا هـ .

                                                                                        قلت : ، وما ذكره عن الخلاصة مبني على غير الصحيح فقد ذكر المسألة في البزازية ثم قال فمن قال البيع ينعقد بالتعاطي من أحد الجانبين جعله إقالة ، وهو الصحيح ، ومن شرط القبض من الجانبين لا يكون إقالة . ا هـ .

                                                                                        ( قوله وهو محله ) أي والمبيع محل العقد ( قوله قيد بالمبيع ) كأن نسخته ليس فيها التصريح بحكم الثمن ، وإلا فالذي رأيته في المتن ، وعليه كتب في النهر التصريح به قبل قوله ، وهلاك المبيع يمنع حيث قال وهلاك الثمن لا يمنع الإقالة [ ص: 115 ]

                                                                                        ( قوله وفي بيع المقايضة إلخ ) بالياء المثناة التحتية بأن تبايعا عبدا بجارية فهلك العبد في يد بائع الجارية ثم أقالا البيع في الجارية وجب رد قيمة العبد ، ولا تبطل بهلاك أحدهما بعد وجودهما لأن كل واحد منهما مبيع فكان المبيع قائما ، وتمامه في العناية ( قوله إلا إذا هلكا ) أي فتبطل الإقالة ، وقوله بخلاف البدلين إلخ أي فإن هلاكهما جميعا غير مانع مع أن لكل واحد منهما حكم المبيع والثمن كما في المقايضة لأنهما لما لم يتعينا لم تتعلق الإقالة بأعيانهما لو كانا قائمين بل رد المقبوض ورد مثله سيان فصار هلاكهما كقيامهما ، وفي المقايضة تعلق بأعيانهما قائمين فمتى هلكا لم يبق شيء من المعقود عليه ترد الإقالة عليه كذا في العناية ( قوله إذا هلك بعد الإقالة ) أي قبل التسليم إلى البائع كما مر .

                                                                                        ( قوله وإلى أن الاعتبار لما دخل في البيع مقصودا ) قال الرملي يؤخذ منه جواب حادثة الفتوى اشترى حمارا موكفا ، وقبضه فهلك إكافه عنده ثم تقايلا لا يضمن ، وكذا إذا استهلكه ، وإذا كان باقيا يرده لأنها من المبيع ، وإن دخلت تبعا ، ومثله الشجر إذا دخل تبعا ، وهذا على غير الرقم الآخر ، وأما على الرقم الآخر فكل شيء موجود وقت البيع للبائع أخذ قيمته دخل ضمنا أو قصدا ، وكل شيء لم يدخل أصلا لا قصدا ، ولا ضمنا ليس للبائع أخذه ، وأقول : ينبغي ترجيح هذا لما فيه من دفع الضرر عنه تأمل ، وفي الخلاصة رجل باع من آخر كرما فسلمه إليه فأكل المشتري نزله سنة ثم تقايلا لا يصح ، وكذا إذا هلكت الزيادة المتصلة أو المنفصلة أو استهلكها الأجنبي ا هـ .

                                                                                        أقول : ينبغي تقييد المسألة بما إذا كانت هذه الزيادة حدثت بعد القبض لأنها لو كانت قبل القبض ينبغي أن لا تمنع الإقالة كما لا تمنع الرد بالعيب تأمل ، وأقول : وإنما تمنع المنفصلة إذا كانت متولدة من المبيع أما إذا لم تكن متولدة منه ككسب وغلة لا تمنع الفسخ بسائر أسباب الفسخ ، وقد ذكر ذلك في الخامس والعشرين من جامع الفصولين فراجعه مع ما كتبناه عليه يظهر لك ذلك ، وفي التتارخانية ، وإن ازدادت الجارية ثم تقايلا فإن كان قبل القبض صحت الإقالة سواء كانت الزيادة متصلة أو منفصلة فهو صريح فيما تفقهناه ، والله تعالى هو الموفق ، وفي المجتبى الزيادة المتصلة لا تمنع الإقالة قبل القبض ، وبعده المنفصلة له تمنع بعده لا قبله . ا هـ .

                                                                                        وفي التتارخانية من كتاب البيوع في الفصل الحادي عشر في الاختلاف الواقع بين البائع والمشتري بعد أن رمز للمحيط ، وإن كانت الزيادة بدل المنفعة فإنهما يتحالفان بالإجماع فإذا تحالفا كان الكسب للمشتري عندهم جميعا كما لو حصل الفسخ بالرد بالعيب بعد القبض أو بإقالة بعد القبض فإنه يبقى الكسب للمشتري عندهم جميعا . ا هـ .

                                                                                        ( قوله لأن المسلم [ ص: 116 ] إليه ) كذا في الفسخ ، والصواب المسلم فيه ، وكذا قوله الآتي بعد قبض المسلم إليه .




                                                                                        الخدمات العلمية