[ ص: 5394 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفتح
سميت به لدلالتها على فتح البلاد والحجج والمعجزات والحقائق، وقد ترتب على كل واحد منها المغفرة وإتمام النعمة والهداية والنصر العزيز. وكل هذه أمور جليلة -إفادة المهايمي-.
وآيها تسع وعشرون، وهي مدنية. نزلت مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من
الحديبية سنة ست من الهجرة، عدة له بالفتح. قال
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس: لما رجعنا من
الحديبية، وقد حيل بيننا وبين نسكنا، فنحن بين الحزن والكآبة، فنزلت. واختلف في المكان الذي نزلت فيه، فوقع عند
محمد بن سعد (
بضجنان ) وهي بفتح المعجمة وسكون الجيم ونون خفيفة. وعند
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في -الإكليل-
بكراع الغميم . وعن
أبي معشر (
بالجحفة ).
قال
الحافظ ابن حجر: والأماكن الثلاثة متقاربة.
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=hadith&LINKID=654456أن النبي صلى الله عليه وسلم قال -وهو في بعض أسفاره- nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر: لقد أنزلت علي الليلة سورة، لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس.
وأخرج أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=5078عبد الله بن مغفل قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=700480قرأ النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة سورة الفتح، فرجع فيها [ ص: 5395 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى:
[1]
nindex.php?page=treesubj&link=29677_30887_29019nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إنا فتحنا لك فتحا مبينا .
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال الرازي: في الفتح وجوه:
أحدها - فتح
مكة، وهو ظاهر.
وثانيها -فتح
الروم وغيرها.
وثالثها -المراد من الفتح، صلح
الحديبية.
ورابعها -فتح الإسلام بالحجة والبرهان، والسيف والسنان.
وخامسها -المراد منه الحكم، كقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=26ثم يفتح بيننا بالحق انتهى.
ولا يخفى أن الوجوه المذكورة كلها، مما يصدق عليها الفتح الرباني، وجميعها مما تحقق مصداقه. إلا أن سبب نزول الآية، الذي حفظ الثقات زمنه، يبين المراد من الفتح بيانا لا خلاف معه، وهو أنه الوجه الثالث المذكور.
قال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : نزلت هذه السورة الكريمة لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من
الحديبية ، في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة، حين صده المشركون عن الوصول إلى
المسجد الحرام، ليقضي عمرته فيه، وحالوا بينه وبين ذلك، ثم مالوا إلى المصالحة والمهادنة، وأن يرجع عامه هذا، ثم يأتي من قابل، فأجابهم إلى ذلك، على تكره من جماعة من الصحابة، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب، رضي الله عنهم كما سيأتي تفصيله في موضعه من تفسير هذه السورة إن شاء الله تعالى. فلما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه حيث أحصر ورجع، أنزل الله عز وجل
[ ص: 5396 ] هذه السورة، فيما كان من أمره وأمرهم، وجعل ذلك الصلح فتحا، باعتبار ما فيه من المصلحة، وما آل الأمر إليه، كما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه وغيره أنه قال: إنكم تعدون الفتح فتح
مكة، ونحن نعد الفتح
nindex.php?page=treesubj&link=30862صلح الحديبية. وعن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر رضي الله عنه قال: ما كنا نعد الفتح إلا يوم
الحديبية. روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء رضي الله عنه قال: تعدون أنتم الفتح فتح
مكة، وقد كان فتح
مكة فتحا، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان، يوم
الحديبية.
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=665556نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر مرجعه من الحديبية . قال النبي صلى الله عليه وسلم: « لقد أنزلت علي آية أحب إلي مما على الأرض » ، ثم قرأها عليهم النبي صلى الله عليه وسلم - أخرجاه في (الصحيحين) من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة به -.
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد عن
مجمع بن جارية الأنصاري رضي الله عنه -وكان أحد القراء الذين قرأوا القرآن- قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=890027شهدنا الحديبية، فلما انصرفنا عنها، إذا الناس، ينفرون الأباعر. فقال الناس بعضهم لبعض: ما للناس؟ قالوا: أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجنا مع الناس نرجف، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته عند كراع الغميم، فاجتمع الناس عليه، فقرأ عليهم: nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إنا فتحنا لك فتحا مبينا
قال، فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي رسول الله! أو فتح هو؟ قال صلى الله عليه وسلم: أي والذي نفس محمد بيده! إنه لفتح. ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود في الجهاد.
ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : فالمراد بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إنا فتحنا لك فتحا مبينا -أي: بينا ظاهرا- هو صلح
الحديبية، فإنه حصل بسببه خير جزيل، وأمن الناس، واجتمع بعضهم ببعض، وتكلم المؤمن مع الكافر، وانتشر العلم النافع والإيمان. انتهى.
[ ص: 5397 ] وقال الإمام
ابن القيم في (زاد المعاد) في الكلام على ما في غزوة
الحديبية من الفقه واللطائف، ما مثاله: كان صلح الحديبية مقدمة وتوطئة بين يدي هذا الفتح العظيم، أمن الناس به، وكلم بعضهم بعضا، وناظره في الإسلام، وتمكن من اختفى من المسلمين
بمكة من إظهار دينه، والدعوة إليه، والمناظرة عليه، ودخل بسببه بشر كثير في الإسلام؛ ولهذا سماه الله فتحا في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إنا فتحنا لك فتحا مبينا نزلت في
الحديبية ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : يا رسول الله! أو فتح هو؟ قال: نعم. وأعاد سبحانه ذكر كون ذلك فتحا قريبا. وهذا شأنه سبحانه أن يقدم بين يدي الأمور العظيمة مقدمات تكون كالمدخل إليها، المنبئة لها وعليها، كما قدم بين يدي قصة
المسيح ، وخلقه من غير أب، قصة
زكريا ، وخلق الولد له، مع كونه كبيرا، لا يولد لمثله. وكما قدم بين يدي نسخ القبلة، قصة البيت، وبنائه، وتعظيمه، والتنويه به، وذكر بانيه، وتعظيمه ومدحه. ووطأ قبل ذلك كله بذكر النسخ، وحكمته المقتضية له، وقدرته الشاملة له. وهكذا ما قدم بين يدي مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من قصة الفيل، وبشارات الكهان به، وغير ذلك. وكذلك الرؤيا الصالحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كانت مقدمة بين يدي الوحي في اليقظة. وكذلك الهجرة، كانت مقدمة بين يدي الأمر بالجهاد. ومن تأمل أسرار الشرع والقدر، رأى من ذلك ما تبهر حكمته أولي الألباب. انتهى. وقوله تعالى:
[ ص: 5394 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الْفَتْحِ
سُمِّيَتْ بِهِ لِدَلَالَتِهَا عَلَى فَتْحِ الْبِلَادِ وَالْحُجَجِ وَالْمُعْجِزَاتِ وَالْحَقَائِقِ، وَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا الْمَغْفِرَةُ وَإِتْمَامُ النِّعْمَةِ وَالْهِدَايَةُ وَالنَّصْرُ الْعَزِيزُ. وَكُلُّ هَذِهِ أُمُورٌ جَلِيلَةٌ -إِفَادَةُ الْمَهَايِمِيِّ-.
وَآيُهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ. نَزَلَتْ مَرْجِعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ
الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ، عِدَةً لَهُ بِالْفَتْحِ. قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسٌ: لَمَّا رَجَعْنَا مِنَ
الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ نُسُكِنَا، فَنَحْنُ بَيْنَ الْحُزْنِ وَالْكَآبَةِ، فَنَزَلَتْ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، فَوَقَعَ عِنْدَ
مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ (
بِضَجْنَانَ ) وَهِيَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَنُونٍ خَفِيفَةٍ. وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14070الْحَاكِمِ فِي -الْإِكْلِيلِ-
بِكُرَاعِ الْغَمِيمِ . وَعَنْ
أَبِي مَعْشَرٍ (
بِالْجُحْفَةِ ).
قَالَ
الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْأَمَاكِنُ الثَّلَاثَةُ مُتَقَارِبَةٌ.
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ nindex.php?page=hadith&LINKID=654456أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ -وَهُوَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ- nindex.php?page=showalam&ids=2لِعُمَرَ: لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ، لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ.
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=5078عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=700480قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ سُورَةَ الْفَتْحِ، فَرَجَّعَ فِيهَا [ ص: 5395 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
[1]
nindex.php?page=treesubj&link=29677_30887_29019nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا .
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا قَالَ الرَّازِيُّ: فِي الْفَتْحِ وُجُوهٌ:
أَحَدُهَا - فَتْحُ
مَكَّةَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَثَانِيهَا -فَتْحُ
الرُّومِ وَغَيْرِهَا.
وَثَالِثُهَا -الْمُرَادُ مِنَ الْفَتْحِ، صُلْحُ
الْحُدَيْبِيَةِ.
وَرَابِعُهَا -فَتْحُ الْإِسْلَامِ بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ، وَالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ.
وَخَامِسُهَا -الْمُرَادُ مِنْهُ الْحُكْمُ، كَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=26ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ انْتَهَى.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْوُجُوهَ الْمَذْكُورَةَ كُلَّهَا، مِمَّا يُصَدَّقُ عَلَيْهَا الْفَتْحُ الرَّبَّانِيُّ، وَجَمِيعُهَا مِمَّا تَحَقَّقَ مِصْدَاقُهُ. إِلَّا أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ، الَّذِي حَفِظَ الثِّقَاتُ زَمَنَهُ، يُبَيِّنُ الْمُرَادَ مِنَ الْفَتْحِ بَيَانًا لَا خِلَافَ مَعَهُ، وَهُوَ أَنَّهُ الْوَجْهُ الثَّالِثُ الْمَذْكُورُ.
قَالَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ : نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ الْكَرِيمَةُ لِمَا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ
الْحُدَيْبِيَةِ ، فِي ذِي الْقِعْدَةِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ، حِينَ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لِيَقْضِيَ عُمْرَتَهُ فِيهِ، وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَالُوا إِلَى الْمُصَالَحَةِ وَالْمُهَادَنَةِ، وَأَنْ يَرْجِعَ عَامَهُ هَذَا، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ قَابِلٍ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، عَلَى تَكَرُّهٍ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَلَمَّا نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدْيَهُ حَيْثُ أُحْصِرَ وَرَجَعَ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
[ ص: 5396 ] هَذِهِ السُّورَةَ، فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِهِمْ، وَجَعَلَ ذَلِكَ الصُّلْحَ فَتْحًا، بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ، وَمَا آلَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ، كَمَا رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّكُمْ تَعُدُّونَ الْفَتْحَ فَتْحَ
مَكَّةَ، وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ
nindex.php?page=treesubj&link=30862صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةِ. وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَا كُنَّا نَعُدُّ الْفَتْحَ إِلَّا يَوْمَ
الْحُدَيْبِيَةِ. رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=48الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الْفَتْحَ فَتْحَ
مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ فَتْحُ
مَكَّةَ فَتْحًا، وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، يَوْمَ
الْحُدَيْبِيَةِ.
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=665556نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ . قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عَلَى الْأَرْضِ » ، ثُمَّ قَرَأَهَا عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْرَجَاهُ فِي (الصَّحِيحَيْنِ) مِنْ رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةَ بِهِ -.
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ
مَجْمَعِ بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -وَكَانَ أَحَدَ الْقُرَّاءِ الَّذِينَ قَرَأُوا الْقُرْآنَ- قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=890027شَهِدْنَا الْحُدَيْبِيَةَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا عَنْهَا، إِذَا النَّاسُ، يَنْفِرُونَ الْأَبَاعِرَ. فَقَالَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا لِلنَّاسِ؟ قَالُوا: أُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجْنَا مَعَ النَّاسِ نَرْجُفُ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ عِنْدَ كَرَاعِ الْغَمِيمِ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ: nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا
قَالَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ! أَوَ فَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! إِنَّهُ لَفَتْحٌ. وَرَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبُو دَاوُدَ فِي الْجِهَادِ.
ثُمَّ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ : فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا -أَيْ: بَيِّنًا ظَاهِرًا- هُوَ صُلْحُ
الْحُدَيْبِيَةِ، فَإِنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِهِ خَيْرٌ جَزِيلٌ، وَأَمِنَ النَّاسُ، وَاجْتَمَعَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَتَكَلَّمَ الْمُؤْمِنُ مَعَ الْكَافِرِ، وَانْتَشَرَ الْعِلْمُ النَّافِعُ وَالْإِيمَانُ. انْتَهَى.
[ ص: 5397 ] وَقَالَ الْإِمَامُ
ابْنُ الْقَيِّمِ فِي (زَادِ الْمَعَادِ) فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا فِي غَزْوَةِ
الْحُدَيْبِيَةِ مِنَ الْفِقْهِ وَاللَّطَائِفِ، مَا مِثَالُهُ: كَانَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ مُقَدِّمَةً وَتَوْطِئَةً بَيْنَ يَدَيْ هَذَا الْفَتْحِ الْعَظِيمِ، أَمِنَ النَّاسُ بِهِ، وَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَنَاظَرَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَتَمَكَّنَ مَنِ اخْتَفَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ
بِمَكَّةَ مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، وَالْمُنَاظَرَةِ عَلَيْهِ، وَدَخَلَ بِسَبَبِهِ بَشَرٌ كَثِيرٌ فِي الْإِسْلَامِ؛ وَلِهَذَا سَمَّاهُ اللَّهُ فَتْحًا فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا نَزَلَتْ فِي
الْحُدَيْبِيَةِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَوَ فَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَأَعَادَ سُبْحَانَهُ ذِكْرَ كَوْنِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا. وَهَذَا شَأْنُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُقَدِّمَ بَيْنَ يَدَيِ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ مُقَدِّمَاتٌ تَكُونُ كَالْمَدْخَلِ إِلَيْهَا، الْمُنْبِئَةِ لَهَا وَعَلَيْهَا، كَمَا قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ قِصَّةِ
الْمَسِيحِ ، وَخَلْقِهِ مِنْ غَيْرِ أَبٍ، قِصَّةَ
زَكَرِيَّا ، وَخَلْقَ الْوَلَدِ لَهُ، مَعَ كَوْنِهِ كَبِيرًا، لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ. وَكَمَا قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ نَسْخِ الْقِبْلَةِ، قِصَّةَ الْبَيْتِ، وَبِنَائِهِ، وَتَعْظِيمِهِ، وَالتَّنْوِيهِ بِهِ، وَذِكْرِ بَانِيهِ، وَتَعْظِيمِهِ وَمَدْحِهِ. وَوَطَّأَ قَبْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِذِكْرِ النَّسْخِ، وَحِكْمَتِهِ الْمُقْتَضِيَةِ لَهُ، وَقُدْرَتِهِ الشَّامِلَةِ لَهُ. وَهَكَذَا مَا قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِصَّةِ الْفِيلِ، وَبِشَارَاتِ الْكُهَّانِ بِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مُقَدِّمَةً بَيْنَ يَدَيِ الْوَحْيِ فِي الْيَقَظَةِ. وَكَذَلِكَ الْهِجْرَةُ، كَانَتْ مُقَدِّمَةً بَيْنَ يَدَيِ الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ. وَمَنْ تَأَمَّلَ أَسْرَارَ الشَّرْعِ وَالْقَدَرِ، رَأَى مِنْ ذَلِكَ مَا تَبْهَرُ حِكْمَتُهُ أُولِي الْأَلْبَابِ. انْتَهَى. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: