(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=54ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=55وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=56وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=54ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=55وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=56وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا )
اعلم أن أولئك الكفرة لما افتخروا على فقراء المسلمين بكثرة أموالهم وأتباعهم وبين تعالى بالوجوه الكثيرة أن قولهم فاسد وشبهتهم باطلة ، وذكر فيه المثلين المتقدمين ، قال بعده : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=54ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل ) وهو إشارة إلى ما سبق ، والتصريف يقتضي التكرير ، والأمر كذلك ؛ لأنه تعالى أجاب عن شبهتهم التي ذكروها من وجوه كثيرة ، ومع تلك الجوابات الشافية والأمثلة المطابقة ؛ فهؤلاء الكفار لا يتركون المجادلة الباطلة ، فقال :
nindex.php?page=treesubj&link=32408وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ؛ أي أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدل ، وانتصاب قوله : (جدلا) على التمييز ، قال بعض المحققين : والآية دالة على أن الأنبياء عليهم السلام جادلوهم في الدين حتى صاروا هم مجادلين ؛ لأن المجادلة لا تحصل إلا من الطرفين ، وذلك يدل على أن القول بالتقليد باطل ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=55وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم ) وفيه بحثان :
[ ص: 120 ] البحث الأول : قالت
المعتزلة : الآية دالة على أنه لم يوجد ما يمنع من الإقدام على الإيمان ، وذلك يدل على فساد قول من يقول : إنه حصل المانع . قال أصحابنا : العلم بأنه لا يؤمن مضاد لوجود الإيمان ، فإذا كان ذلك العلم قائما كان المانع قائما ، وأيضا حصول الداعي إلى الكفر قائم وإلا لما وجب لأن الفعل الاختياري بدون الداعي محال ، ووجود الداعي إلى الكفر مانع من حصول الإيمان ، وإذا ثبت هذا ظهر أن المراد مقدار الموانع المحسوسة .
البحث الثاني : المعنى أنه لما جاءهم الهدى ، وهو الدليل الدال على صحة الإسلام ، وثبت أنه لا مانع لهم من الإيمان ولا من الاستغفار والتوبة والتخلية حاصلة ، والأعذار زائلة ، فلم لم يقدموا على الإيمان ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=55إلا أن تأتيهم سنة الأولين ) وهو عذاب الاستئصال (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=55أو يأتيهم العذاب قبلا ) قرأ
حمزة وعاصم والكسائي قبلا بضم القاف والباء جميعا ، وهو جمع قبيل بمعنى ضروب من العذاب تتواصل مع كونهم أحياء ، وقيل : مقابلة وعيانا ، والباقون قبلا بكسر القاف وفتح الباء أي عيانا أيضا ، وروى صاحب الكشاف : قبلا بفتحتين أي مستقبلا ، والمعنى أنهم لا يقدمون على الإيمان إلا عند نزول عذاب الاستئصال فيهلكوا ، أو أن يتواصل أنواع العذاب والبلاء حال بقائهم في الحياة الدنيا ، واعلم أنهم لا يقدمون على الإيمان إلا على هذين الشرطين ؛ لأن العاقل لا يرضى بحصول هذين الأمرين إلا أن حالهم شبيه بحال من وقف العمل على هذين الشرطين ، ثم بين تعالى أنه إنما أرسل الرسل مبشرين بالثواب على الطاعة ومنذرين بالعقاب على المعصية لكي يؤمنوا طوعا وبين مع هذه الأحوال أنه يوجد من الكفار المجادلة بالباطل لغرض دحض الحق ، وهذا يدل على أن الأنبياء كانوا يجادلونهم لما بينا أن المجادلة إنما تحصل من الجانبين ، وبين تعالى أيضا أنهم اتخذوا آيات الله وهي القرآن وإنذارات الأنبياء هزوا ، وكل ذلك يدل على استيلاء الجهل والقسوة ، قال النحويون : (ما) في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=56وما أنذروا ) يجوز أن تكون موصولة ويكون العائد من الصلة محذوفا ، ويجوز أن تكون مصدرية بمعنى إنذارهم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=54وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=55وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=56وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=54وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=55وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=56وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا )
اعْلَمْ أَنَّ أُولَئِكَ الْكَفَرَةَ لَمَّا افْتَخَرُوا عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِكَثْرَةِ أَمْوَالِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ وَبَيَّنَ تَعَالَى بِالْوُجُوهِ الْكَثِيرَةِ أَنَّ قَوْلَهُمْ فَاسِدٌ وَشُبْهَتَهُمْ بَاطِلَةٌ ، وَذَكَرَ فِيهِ الْمَثَلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ ، قَالَ بَعْدَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=54وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ) وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا سَبَقَ ، وَالتَّصْرِيفُ يَقْتَضِي التَّكْرِيرَ ، وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَجَابَ عَنْ شُبْهَتِهِمُ الَّتِي ذَكَرُوهَا مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ، وَمَعَ تِلْكَ الْجَوَابَاتِ الشَّافِيَةِ وَالْأَمْثِلَةِ الْمُطَابِقَةِ ؛ فَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ لَا يَتْرُكُونَ الْمُجَادَلَةَ الْبَاطِلَةَ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=32408وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ؛ أَيْ أَكْثَرَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَتَأَتَّى مِنْهَا الْجَدَلُ ، وَانْتِصَابُ قَوْلِهِ : (جَدَلًا) عَلَى التَّمْيِيزِ ، قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ : وَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ جَادَلُوهُمْ فِي الدِّينِ حَتَّى صَارُوا هُمْ مُجَادِلِينَ ؛ لِأَنَّ الْمُجَادَلَةَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا مِنَ الطَّرَفَيْنِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّقْلِيدِ بَاطِلٌ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=55وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ ) وَفِيهِ بَحْثَانِ :
[ ص: 120 ] الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى الْإِيمَانِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُ حَصَلَ الْمَانِعُ . قَالَ أَصْحَابُنَا : الْعِلْمُ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ مُضَادٌّ لِوُجُودِ الْإِيمَانِ ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْعِلْمُ قَائِمًا كَانَ الْمَانِعُ قَائِمًا ، وَأَيْضًا حُصُولُ الدَّاعِي إِلَى الْكُفْرِ قَائِمٌ وَإِلَّا لَمَا وَجَبَ لِأَنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ بِدُونِ الدَّاعِي مُحَالٌ ، وَوُجُودُ الدَّاعِي إِلَى الْكُفْرِ مَانِعٌ مِنْ حُصُولِ الْإِيمَانِ ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِقْدَارُ الْمَوَانِعِ الْمَحْسُوسَةِ .
الْبَحْثُ الثَّانِي : الْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا جَاءَهُمُ الْهُدَى ، وَهُوَ الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى صِحَّةِ الْإِسْلَامِ ، وَثَبَتَ أَنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَلَا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ وَالتَّخْلِيَةُ حَاصِلَةٌ ، وَالْأَعْذَارُ زَائِلَةٌ ، فَلِمَ لَمْ يُقْدِمُوا عَلَى الْإِيمَانِ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=55إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ) وَهُوَ عَذَابُ الِاسْتِئْصَالِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=55أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا ) قَرَأَ
حَمْزَةُ وَعَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ قُبُلًا بِضَمِّ الْقَافِ وَالْبَاءِ جَمِيعًا ، وَهُوَ جَمْعُ قَبِيلٍ بِمَعْنَى ضُرُوبٍ مِنَ الْعَذَابِ تَتَوَاصَلُ مَعَ كَوْنِهِمْ أَحْيَاءً ، وَقِيلَ : مُقَابَلَةً وَعِيَانًا ، وَالْبَاقُونَ قِبَلًا بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ عِيَانًا أَيْضًا ، وَرَوَى صَاحِبُ الْكَشَّافِ : قَبَلًا بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مُسْتَقْبَلًا ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَا يُقْدِمُونَ عَلَى الْإِيمَانِ إِلَّا عِنْدَ نُزُولِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ فَيَهْلِكُوا ، أَوْ أَنْ يَتَوَاصَلَ أَنْوَاعُ الْعَذَابِ وَالْبَلَاءِ حَالَ بَقَائِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ لَا يُقْدِمُونَ عَلَى الْإِيمَانِ إِلَّا عَلَى هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَرْضَى بِحُصُولِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ إِلَّا أَنَّ حَالَهُمْ شَبِيهٌ بِحَالِ مَنْ وَقَفَ الْعَمَلَ عَلَى هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ بِالثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةِ وَمُنْذِرِينَ بِالْعِقَابِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لِكَيْ يُؤْمِنُوا طَوْعًا وَبَيَّنَ مَعَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَنَّهُ يُوجَدُ مِنَ الْكُفَّارِ الْمُجَادَلَةُ بِالْبَاطِلِ لِغَرَضِ دَحْضِ الْحَقِّ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانُوا يُجَادِلُونَهُمْ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُجَادَلَةَ إِنَّمَا تَحْصُلُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ ، وَبَيَّنَ تَعَالَى أَيْضًا أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا آيَاتِ اللَّهِ وَهِيَ الْقُرْآنُ وَإِنْذَارَاتِ الْأَنْبِيَاءِ هُزُوًا ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اسْتِيلَاءِ الْجَهْلِ وَالْقَسْوَةِ ، قَالَ النَّحْوِيُّونَ : (مَا) فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=56وَمَا أُنْذِرُوا ) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً وَيَكُونَ الْعَائِدُ مِنَ الصِّلَةِ مَحْذُوفًا ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً بِمَعْنَى إِنْذَارِهِمْ .