الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا )

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أن الضمير في قوله " بعضهم " عائد إلى : ( يأجوج ومأجوج ) وقوله : ( يومئذ ) فيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن يوم السد [ ص: 147 ] ماج بعضهم في بعض خلفه لما منعوا من الخروج .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن عند الخروج يموج بعضهم في بعض ، قيل إنهم حين يخرجون من وراء السد يموجون مزدحمين في البلاد ؛ يأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابه ثم يأكلون الشجر ، ويأكلون لحوم الناس ، ولا يقدرون أن يأتوا مكة والمدينة وبيت المقدس ثم يبعث الله عليهم حيوانات فتدخل آذانهم فيموتون .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الثالث : أن المراد من قوله : ( يومئذ ) يوم القيامة ، وكل ذلك محتمل إلا أن الأقرب أن المراد الوقت الذي جعل الله ذلك السد دكا فعنده ماج بعضهم في بعض ، وبعده نفخ في الصور ، وصار ذلك من آيات القيامة ، والكلام في الصور قد تقدم ، وسيجيء من بعد ، وأما عرض جهنم وإبرازه حتى يصير مكشوفا بأهواله فذلك يجري مجرى عقاب الكفار لما يتداخلهم من الغم العظيم ، وبين تعالى أنه يكشفه للكافرين الذين عموا وصموا ، أما العمى فهو المراد من قوله : ( كانت أعينهم في غطاء عن ذكري ) والمراد منه شدة انصرافهم عن قبول الحق ، وأما الصمم فهو المراد من قوله : ( وكانوا لا يستطيعون سمعا ) يعني أن حالتهم أعظم من الصمم ؛ لأن الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به وهؤلاء زالت عنهم تلك الاستطاعة واحتج الأصحاب بقوله : ( وكانوا لا يستطيعون سمعا ) على أن الاستطاعة مع الفعل وذلك لأنهم لما لم يسمعوا لم يستطيعوا ، قال القاضي : المراد منه نفرتهم عن سماع ذلك الكلام واستثقالهم إياه كقول الرجل : لا أستطيع النظر إلى فلان .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية