الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله : ( ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين ) قرئ ننجي وننجي وينجى على ما لم يسم فاعله ، قال القاضي : الآية دالة على قولنا في الوعيد ؛ لأن الله تعالى بين أن الكل يردونها ثم بين صفة من ينجو وهم المتقون والفاسق لا يكون متقيا ، ثم بين تعالى أن من عدا المتقين يذرهم فيها جثيا فثبت أن الفاسق يبقى في النار أبدا . قال ابن عباس : المتقي هو الذي اتقى الشرك بقول لا إله إلا الله ، واعلم أن الذي قاله ابن عباس هو الحق الذي يشهد الدليل بصحته ؛ وذلك لأن من آمن بالله وبرسله صح أن يقال : إنه متق عن الشرك ومن صدق عليه أنه متق عن الشرك صدق عليه أنه متق ؛ لأن المتقي جزء من المتقي عن الشرك ومن صدق عليه المركب صدق عليه المفرد ، فثبت أن صاحب الكبيرة متق ، وإذا ثبت ذلك وجب أن يخرج من النار ؛ لعموم قوله : ( ثم ننجي الذين اتقوا ) فصارت هذه الآية التي توهموها دليلا من أقوى الدلائل على فساد قولهم . قال القاضي : وتدل الآية أيضا ، على فساد قول من يقول : إن من المكلفين من لا يكون في الجنة ولا في النار ، قلنا : هذا ضعيف ؛ لأن الآية تدل على أنه تعالى ينجي الذين اتقوا وليس فيها ما يدل على أنه ينجيهم إلى الجنة ، ثم هب أنها تدل على ذلك ، ولكن الآية تدل على أن المتقين يكونون في الجنة والظالمين يبقون في النار ، فيبقى ههنا قسم ثالث خارج عن القسمين : وهو الذي استوت طاعته ومعصيته فتسقط كل واحدة منهما بالأخرى ، فيبقى لا مطيعا ولا عاصيا ، فهذا القسم إن بطل فإنما يبطل بشيء سوى هذه الآية فلا تكون هذه الآية دالة على الحصر الذي ادعاه . ومن المعتزلة من تمسك في الوعيد بقوله : [ ص: 210 ] ( ونذر الظالمين فيها جثيا ) ولفظ الظالمين لفظ جمع دخل عليه حرف التعريف ؛ فيفيد العموم ، والكلام على التمسك بصيغ العموم قد تقدم مرارا كثيرة في هذا الكتاب . أما قوله : ( جثيا ) قال صاحب " الكشاف " قوله : ( ونذر الظالمين فيها جثيا ) دليل على أن المراد بالورود الجثو حواليها وأن المؤمنين يفارقون الكفرة إلى الجنة بعد نجاتهم ويبقى الكفرة في مكانهم جاثين .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية