الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 1281 ] 1796 - وعن أنس أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين : بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين ، والتي أمر الله بها رسوله ، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ، ومن سئل فوقها فلا يعط في أربع وعشرين من الإبل ، فما دونها من الغنم من كل خمس شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى ، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى ، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى الستين ففيها حقة طروقة الجمل ، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة ، فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون ، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل ، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي خمسين حقة ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها ، فإذا بلغت خمسا ففيها شاة ، ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل فيه الحقة ، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له ، أو عشرين درهما ، ومن بلغت عنده صدقة الحقة ، وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ، ويعطيه المصدق عشرين درهما ، أو شاتين ، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون فإنها تقبل منه بنت لبون ويعطى شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته بنت لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويعطيه المصدق عشرين درهما ، أو شاتين ، ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده بنت مخاض فإنها تقبل منه بنت مخاض ، ويعطى معها عشرين درهما ، أو شاتين ، ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه ، ويعطيه المصدق عشرين درهما ، أو شاتين ، فإن لم تكن عنده بنت مخاض على وجهها وعنده بنت لبون فإنه يقبل منه ، وليس معه شيء ، وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة ، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان ، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث شياه ، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة ، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة ، إلا أن يشاء ربها ، ولا تخرج في الصدقة هرمة ، ولا ذات عوار ، ولا تيس ، إلا ما شاء المصدق ، ولا يجمع بين متفرق ، ولا يفرق بين مجتمع ، خشية الصدقة ، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية وفي الرقة ربع العشر ، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها . رواه البخاري .

التالي السابق


1796 - ( وعن أنس أن أبا بكر كتب له ) أي لأنس ( هذا الكتاب ) أي المكتوب الآتي ( لما وجهه ) أي حين أرسله أبو بكر ( إلى البحرين ) موضع معروف قريب البصرة ، سمي به لأنه بين بحرين ( بسم الله الرحمن الرحيم ) بدل من الكتاب ، بمعنى اسم المفعول ، وهو واضح لأن المراد كتب له هذه النقوش التي هي بسم الله إلخ ( هذه ) أي المعاني الذهنية الدالة عليها النقوش اللفظية الآتية ( فريضة الصدقة ) بالإضافة أي مفروضة الصدقة ( والتي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين ) أي فرضها عليهم بأمره - تعالى ، وقال الطيبي : فرض أي بين وفصل . اهـ ، وفيه إيماء إلى ما قال بعض المحققين إن الزكاة فرضت جملة بمكة ، وفصلت بالمدينة ، جمعا بين الأدلة ، إذ بعض الآيات المكية يدل على وجوب الزكاة ( والتي ) عطف على التي ، عطف تفسير ، أي الصدقة التي ( أمر الله بها ) أي بتلك الصدقة ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) وفيه إرشاد إلى أن المستفاد من الأول لم ينشأ عن الاجتهاد بل عن أمر الله له بعينه ، ولا يدع أن يكون المأمور الإجمالي بالنص ، وتفصيل الأمور بالاجتهاد كما في الصلاة والحج وغيرهما ، على ما هو الظاهر والمتبادر من قوله لتبين للناس ما نزل إليهم وكان الطيبي لاحظ هذا المعنى وفسر قوله " فرض " بقوله بين وفصل ، وغفل ابن حجر عن هذه النكتة فخلط بين التفسيرين ، حيث قال : أي أوجبها وبينها وفصلها ، ثم تقدير الكلام على كل تقدير وتحرير وتقرير ، فإذا كانت الصدقة واجبة بأمر الله ومبينة بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( فمن سئلها ) على بناء المفعول أي طلبها ( من المسلمين على وجهها ) حال من المفعول الثاني في سئلها أي كائنة على الوجه المشروع بلا تعد ( فليعطها ) لدليل قوله ( ومن سئلها فوقها ) أي فوق حقها ، قال الطيبي : أي أزيد من واجبها كمية أو كيفية ، وتكون المسألة إجماعية إجمالا ، لا اجتهادية ، فإنها حينئذ يقدم الساعي ( فلا يعط ) أي شيئا من الزيادة ، أو لا يعطي شيئا إلى الساعي ، بل إلى الفقراء لأنه بذلك يصير خائنا فتسقط طاعته ، وهذا يدل على أن المصدق إذا أراد أن يظلم المزكي فله أن يأباه ، ولا يتحرى رضاه ، ودل حديث جرير وهو قوله : " أرضوا مصدقيكم ، وإن ظلمتم " ، على خلاف ذلك ، وأجاب الطيبي بأن أولئك المصدقين من الصحابة ، وهم لم يكونوا ظالمين ، وكأن نسبة الظلم إليهم على زعم المزكي أو جريان على سبيل المبالغة ، وهذا عام فلا منافاة بينهما . اهـ ، وقد يجاب بأن الأول محمول على الاستحباب ، وهذا محمول على الرخصة ، والجواز أو الأول إذا كان يخشى التهمة والفتنة ، وهذا عند عدمهما ، في شرح السنة فيه دليل على إباحة الدفع عن ماله إذا طولب بغير حقه ، وفيه دليل على جواز إخراج صدقة الأموال الظاهرة بنفسه دون الإمام وفيه دليل على أن الإمام والحاكم إذا ظهر فسقهما بطل حكمهما . اهـ ، وفي الأخير نظر إذ لا دلالة فيه أكثر مما إذا طلب منه أكثر مما عليه لا يعطي الزائد بل يعطي الواجب ، وهذا مريح في بقاء ولايتهما ، وإن فسقا بطلب غير الواجب ( في أربع وعشرين ) قال الطيبي : استئناف بيان لقوله هذه فريضة الصدقة ، وكأنه أشار بهذه إلى ما في الذهن ثم أتى به بيانا له ، قال ابن الملك : في أربع خبر مبتدأ محذوف ، أي ليعط أي الواجب أو المفروض أو المعطى في أربع وعشرين ( من الإبل ) تمييز ، قال ابن الهمام : بدأ بها لأنها كانت أموالهم أو أنفسها ( فما دونها من الغنم ) بيان للأم في الواجب لأنه بمعنى الذي ( من كل خمس شاة ) أي الواجب من الغنم في أربع وعشرين إبلا من كل خمس إبل شاة ، وقال الطيبي : ( من ) الأولى ظرف مستقر لأنه بيان لشاة توكيدا ، كما في قوله : خمس ذود من الإبل ، والثانية لغو ابتدائية متصلة بالفعل المحذوف ، أي ليعط في أربع وعشرين شاة ، كائنة من الغنم ، لأجل كل خمس من الإبل ، وقيل : من الغنم خبر لمبتدأ محذوف ، أي الصدقة في أربع وعشرين من الإبل من الغنم ، وقوله : من كل خمس شاة مبتدأ ، وخبر بيان للجملة المتقدمة ، وقال العسقلاني في شرح البخاري : قوله من الغنم كذا للأكثر ، ووقع في رواية ابن السكن بإسقاط ( من ) ، وصوبها بعضهم ، وقال عياض : من أثبتها فمعناه زكاتها ، أي الإبل من الغنم و " من " للبيان لا للتبعيض ، ومن حذفها فالغنم مبتدأ ، والخبر مضمر في قوله في أربع وعشرين ، وإنما [ ص: 1282 ] قدم الخبر لأن الغرض بيان المقادير التي تجب فيها الزكاة وإنما تجب بعد وجوب النصاب ، فحسن التقديم ، كذا ذكره السيد جمال الدين ( فإذا بلغت ) أي الإبل أو الأربع والعشرون ( خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض ) قيل : هي التي تمت لها سنة ، سميت بذلك لأن أمها تكون حاملا ، والمخاض الحوامل من النوق ، ولا واحد لها من لفظها ، بل واحدتها خلفة ، وإنما أضيفت إلى المخاض ، والواحدة لا تكون بنت نوق لأن أمها تكون في نوق حوامل تجاورهن تضع حملها معهن ، كذا حققه الطيبي ، وأما ما ذكره ابن الملك من أن أمها صارت مخاضا أي حاملا بأخرى فليس بسديد ، اللهم إلا أن يقال المخاض وجع الولادة ، فيكون التقدير : ذات مخاض ، وإنما قال ( أنثى ) توكيدا كما قال - تعالى - نفخة واحدة ولئلا يتوهم أن البنت هاهنا ، والابن في ابن لبون كالبنت والابن في بنت طبق ، وابن آوى يشترك فيهما الذكر والأنثى ، كذا ذكره الطيبي ، وحاصله أن وصف البنت بالأنثى لئلا يتوهم أن المراد منه الجنس الشامل للذكر والأنثى ، كالولد إذ في غير الآدمي قد يطلق البنت والابن ويراد بهما الجنس ، كما في ابن عرس وبنت طبق ، وهي سلحفاة تبيض تسعا وتسعين بيضة ، على ما في القاموس ، ثم هذا الحكم مما أجمع عليه ، وأما ما روي عن علي أن فيها خمس شياه ، وفي ست وعشرين بنت مخاض فلم يصح كالخبر المروي في ذلك ( فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى ) وهي ما لها سنتان ، وقال الطيبي : أي التي دخلت في الثالثة سميت بها لأن أمها تكون ذات لبن ترضع به أخرى غالبا ( فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة ) بكسر الحاء وتشديد القاف ، أي ما لها ثلاث سنين ( طروقة الجمل ) بفتح الطاء فعولة بمعنى مفعولة ، أي مركوبة للفحل ، والمراد أن الفحل يعلو مثلها في سنها ، وفي النهاية : هي التي دخلت في الرابعة وسميت بذلك لأنها استحقت أن تركب وتحمل ، ويطرقها الجمل ، قيل : فيه دلالة على أنه لا شيء في الأوقاص ، وهي ما بين الفريضتين ( فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة ) بفتح الجيم والذال المعجمة ، ما لها أربع سنين ، وإنما سميت بذلك لأنها سقطت أسنانها والجذع السقوط ، وقيل : لتكامل أسنانها ، وقال التوربشتي : يقال للإبل في السنة الخامسة أجذع وجذع اسم له في زمن ليس سن ينبت ، ولا يسقط ، والأنثى جذعة ( فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيه بنتا لبون ) في الحديث دليل على أن لا شيء في الأوقاص ( فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل ) قال ابن همام : تقدير النصاب والواجب أمر توفيقي ثم قال : واعلم أن الواجب في الإبل هو الإناث أو قيمتها ، بخلاف البقر والغنم فيهما الذكورة والأنوثة ( فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة ) قال القاضي : دل الحديث على استقراء الحساب بعد ما جاوز العدد المذكور ، يعني أنه إذا زاد الإبل على مائة وعشرين لم تستأنف الفريضة ، وهو مذهب أكثر أهل العلم ، وقال النخعي والثوري وأبو حنيفة : تستأنف فإذا زادت على المائة والعشرين خمس لزم حقتان وشاة ، وهكذا إلى بنت مخاض ، وبنت لبون على الترتيب السابق ، واحتجوا بما روي عن عاصم بن ضمرة عن علي - رضي الله عنه - في حديث الصدقة ، فإذا زادت الإبل على عشر ومائة ترد الفرائض إلى أولها ، وبما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - كتب كتابا لعمرو بن حزم في الصدقات والديات وغيرها ، وذكر فيه أن الإبل إذا زادت على عشرين ومائة استؤنفت الفريضة ، وقد ذكر ابن الهمام في شرح الهداية كتب الصدقات من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها كتاب الصديق ، ومنها كتاب عمر بن الخطاب ، أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه ، ومنها كتاب عمرو بن حزم أخرجه النسائي في الديات ، وأبو داود في مراسليه ، وقد بسط ابن الهمام الكلام على ما يتعلق بالمقام فراجعه ، إن كنت تريد تمام المرام .

ثم قال : وفي شرح الكنز قد وردت أحاديث كلها تنص على وجوب الشاة بعد المائة والعشرين ، ذكرها في الغاية . اهـ ، وبه يندفع ما قاله ابن حجر من أن الرواية بذلك لا تقاوم حديث البخاري ، فإنا نقول : الحديث إذا [ ص: 1283 ] تعددت طرقه وصح وله مسند منها يرجع على البخاري : لا سيما وقد تعلق اجتهاد المجتهد قبل أن يخلق الله البخاري ، ولا عبرة بالضعف الناشئ بعد المجتهد على تقدير وقوعه ( ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيه صدقة إلا أن يشاء ربها ) أي مالكها وصاحبها أن يتطوع بها ، فهو مبالغة في نفي الوجوب ، والاستثناء منقطع ، وقيل متصل إطلاقا للصدقة على الواجب والمندوب ، تأكيدا لما قبله كما فهم مما سبق ( فإذا بلغت خمسا ففيه شاة ، ومن بلغت عنده من الإبل ) يتعين أن " من " زائدة على مذهب الأخفش ، داخلة على الفاعل أي ومن بلغت إبله ( صدقة الجذعة ) بالنصب ، والإضافة ، قال الطيبي : أي بلغت الإبل نصابا يجب فيه الجذعة . اهـ ، وفي نسخة برفع صدقة بتنوينها ونصب الجذعة وفي نسخة بالإضافة ( وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها ) أي القصة أو الحقة أو ضمير مبهم ( تقبل منه الحقة ) تفسير ( ويجعل ) ضميره راجع إلى من ( معها ) أي مع الحقة للمستحقين ( شاتين إن استيسرتا له ) قال ابن حجر : ذكرين أو أنثيين ، أو أنثى وذكر من الضأن ما لها سنة ، ومن المعز ما لها سنتان ( أو عشرين درهما ) جبرا وعشر ضعيف ، قال الطيبي : فيه دليل على جواز النزول والصعود من السن الواجب عند فقده إلى سن آخر يليه ، وعلى أن جبر كل مرتبة بشاتين أو عشرين درهما ، وعلى أن المعطي مخير بين الدراهم والشاتين ( ومن بلغت عنده صدقة الحقة ) بأن كانت ستا وأربعين ( وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ) بدل من الضمير الذي هو اسم إن أو فاعل تقبل فالضمير للقصة ( ويعطيه المصدق ) أي العامل أو المستحق إن قبض لنفسه ( عشرين درهما أو شاتين ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده ، إلا بنت لبون فإنها تقبل منه بنت لبون ) إعرابه كما سبق ، وفي أصل ابن الحجر فإنها أي بنت اللبون تقبل منه . اهـ ، وهو مخالف لما في الأصول من ذكر بنت لبون بعد قوله تقبل منه ( ويعطى ) أي المالك ( شاتين أو عشرين درهما ) قال الطيبي - رحمه الله - : فيه دليل على أن الخيرة في الصعود والنزول من السن الواجب إلى المالك . اهـ ، وعلل بأنهما شرعا تخفيفا له ، ففوض الأمر إلى اختياره ( ومن بلغت صدقته بنت لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست ) أي بنت اللبون ( عنده وعنده بنت مخاض فإنها تقبل منه مخاض ويعطى ) أي الصاحب ( معها ) أي مع بنت المخاض ، ومعها حال مما يعده لأنه صفة له تقدمت عليه ( عشرين درهما ) قال الطيبي : أي عشرين درهما ، كائنة مع بنت المخاض ، فلما قدم صار حالا ( أو شاتين ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست ) أي بنت مخاض ( عنده وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين فإن لم تكن ) بالتأنيث والتذكير ( عنده بنت مخاض على وجهها ) بأن فقدها حسا أو شرعا ، قال ابن الملك : يحتمل معناه ثلاثة أوجه إما أن لا يكون عنده بنت مخاض أصلا ، أو لا تكون صحيحة بل مريضة فهي كالمعدومة ، أو لا تكون عنده بنت مخاض متوسطة ، بل له بنت مخاض على غاية الجودة ( وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه ) أي بدلا من بنت مخاض ، قهرا على الساعي ( وليس معه شيء ) أي لا يلزمه مع [ ص: 1284 ] ابن لبون شيء آخر من الجبران ، قال ابن الملك : تبعا للطيبي - رحمه الله - : وهذا يدل على أن فضيلة الأنوثة تجبر بفضل السن ( وفي صدقة الغنم ) قال ابن الهمام : سميت به لأنه ليس له آلة الدفاع ، فكانت غنيمة لكل طالب ، ثم الضأن والماعز سواء في الحكم خبر مقدم ( في سائمتها ) بدل بإعادة الجار ، أو حال أي لا في معلوفتها ، والسائمة هي التي ترعى في أكثر السنة ، قال ابن الهمام : والسائمة التي ترعى ولا تعلف في الأهل ، وفي الفقه : هي تلك مع قيد كون ذلك لقصد الدر والنسل ، حولا ، أو أكثر ، فلو أسيمت أي الإبل للحمل والركوب لم تكن السائمة المستلزمة شرعا لحكم وجوب الزكاة ، بل لا زكاة فيها ، ولو أسامها للتجارة كان فيها زكاة التجارة ، لا زكاة السائمة . اهـ ، وفي شرح السنة فيه دليل على أن الزكاة إنما تجب في الغنم إذا كانت سائمة ، فأما المعلوفة فلا زكاة فيها ، ولذلك لا تجب الزكاة في عوامل البقر والإبل ، عند عامة أهل العلم ، وإن كانت سائمة ، وأوجبها مالك في عوامل البقر ونواضح الإبل . اهـ ، قال ابن حجر : في حديث أبي داود الذي صححه الحاكم وحسنه الترمذي : النص على السوم في الإبل أيضا ، وفي الخبر الصحيح ليس في البقر العوامل صدقة ( إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة ) مبتدأ ( فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيه ثلاث شياه فإذا زادت على ثلاثمائة ) أي وبلغت أربعمائة ذكره الطيبي ، وقال ابن الملك : وقيل إذا زادت واحدة ففيها أربع . اه ، وفي شرح السنة معناه أن تزيد مائة أخرى فتصير أربعمائة فيجب أربع شياه ، وهو قول عامة أهل العلم ، وقال الحسن بن صالح : إذا زادت على ثلاثمائة واحدة ففيها أربع شياه . اهـ ، وبه قال النخعي ( ففي كل مائة شاة فإذا كانت سائمة الرجل ) وكذا المرأة ( ناقصة من أربعين شاة ) تمييز ( واحدة ) بالنصب إما على نزع الخافض أي بواحدة ، أو مفعول " ناقصة " ، أو عطف بيان لها ، وبالرفع على تقدير : وهي واحدة من أربعين شاة ( فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها ) أي تطوعا ( ولا تخرج ) على بناء المجهول ( في الصدقة ) أي الزكاة ( هرمة ) بكسر الراء ، أي التي أضر بها كبر السن ، وقال ابن الملك : كالمريضة ( ولا ذات عوار ) بفتح العين وبضم أي صاحبة عيب ونقص ، كذا في النهاية ، وقال ابن حجر : فهو من عطف العام إذ العيب يشمل المرض والهرم ، وغيرهما ، ومن فسرهما بالنقص والعيب أراد التأكيد ; إذ النقص والعيب متحدان . اهـ ، والصحيح أن العيب أعم من النقص ، مع أن الهرم ليس معيبا في اللغة ، ولو كان معيبا في الشرع ، وقال ابن الملك : هذا إذا كان كل ماله أو بعضه سليما ، فإن كان كله معيبا فإنه يأخذ واحدا من وسطه ( ولا تيس ) أي فحل الغنم ، قال الشراح : أي إذا كانت كل الماشية أو بعضها إناثا لا يؤخذ الذكر إلا في موضعين ورد بهما السنة ، الأول أخذ التسع من ثلاثين من البقر والثاني أخذ ابن اللبون من خمس وعشرين من الإبل مكان بنت المخاض عند عدمها فأما إذا كان ماشيته كلها ذكورا فيؤخذ الذكر وقيل : لا يؤخذ التيس لأن المالك يقصد منه الفحولة فيتضرر بإخراجه ، وقال بعضهم : لنتنه وفساد لحمه فهو مرغوب عنه ، وقال القاضي : لأن الواجب هي الأنثى ( إلا ما شاء المصدق ) بتخفيف الصاد وتشديد الدال ، وروى أبو عبيد بفتح الدال ، وهو المالك ، وجمهور المحدثين بكسرها ، وهو العامل ، فعلى الأول يختص الاستثناء بقوله : ولا تيس ، إذ ليس للمالك أن يخرج ذات عور في صدقته ، وعلى الثاني معناه : أن العامل يأخذ ما شاء مما يراه أصلح وأنفع للمستحقين ، فإنه وكيلهم ، ويحتمل تخصيص ذلك بما إذا كانت المواشي كلها معيبة ، هذا كلام الشراح ، قال الطيبي : هذا إذا كان الاستثناء متصلا ، ويحتمل أن يكون منقطعا ، والمعنى لا يخرج المزكي الناقص والمعيب ، لكن يخرج ما شاء المصدق من السليم والكامل ، وقال ابن حجر : وقيل بتشديدها أي المالك ، بأن تمحضت ماشيته كلها معيبة ، أو ذكورا ، فالاستثناء متصل راجع للكل أيضا ، وعجيب ممن حمله على المالك وجعله راجعا إلى التيس فقط . اهـ ، وهو غير [ ص: 1285 ] متجه عند التحقيق ، وبالله التوفيق ( ولا يجمع ) نفي مجهول ( بين متفرق ولا يفرق ) بالتشديد ويخفف ( بين مجتمع خشية الصدقة ) نصب على العلة راجعة إليهما ، أي مخافة تقليلها ، وتكثيرها ، قال الطيبي : أو خشية فوت الصدقة وتقليلها ، قال بعضهم : والحاصل أن التقدير خشية وجوب الصدقة أو كثرتها إن رجع للمالك وخشية سقوط الصدقة أو قلتها إن رجع إلى الساعي ، قال بعض علمائنا : النهي للساعي عن جمع المتفرقة مثل أن يجمع أربعين شاة لرجلين لأخذ الصدقة ، وتفريق المجتمعة مثل أن يفرق مائة وعشرين لرجل أربعين أربعين ، ليأخذ ثلاث شياه ، وهذا قول أبي حنيفة ، والنهي للمالك أن يجمع أربعينه مثلا إلى أربعين لغيره لتقليل الصدقة ، وأن يفرق عشرين له مخلوطا بعشرين لغيره لسقوطها ، وهذا قول الشافعي ، وفي شرح السنة : هذا نهي للمالك ، والساعي جميعا ، نهى رب المال عن الجمع ، والتفريق قصدا إلى تكثير الصدقة ، قال الطيبي : ويأتي هذا في صور أربع أشار إليها القاضي بقوله : الظاهر أنه نهي للمالك عن الجمع والتفريق قصدا إلى سقوط الزكاة ، أو تقليلها ; كما إذا كان له أربعون شاة فيخلطها بأربعين لغيره ليعود واجبه من شاة إلى نصفها ، وكما إذا كان له عشرون شاة مخلوطة بمثلها ففرقها لئلا يكون نصابا ، فلا يجب شيء وهو قول أكثر أهل العلم ، وقد نهي الساعي أن يفرق المواشي على المالك فيزيد الواجب ، كما إذا كان له مائة وعشرون شاة وواجبها شاة ففرقها الساعي أربعين أربعين ليأخذ ثلاث شياه ، وأن يجمع بين متفرق لتجب فيه الزكاة أو تزيد كما إذا كان لرجلين أربعون شاة متفرقة فجمعها الساعي ليأخذ شاة أو كان لكل واحد منهما مائة وعشرون فجمع بينهما ليصير الواجب ثلاث شياه وهو قول من لم يعتبر الخلطة ، ولم يجعل لها تأثيرا كالثوري وأبي حنيفة ، قال الطيبي - رحمه الله - : وظاهر قوله ( وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ) يعضد الوجه الأول اهـ ، وهو مدفوع إذ يتصور في المشاركة أيضا ، وقوله بالسوية أي بالعدالة بمقتضى الحصة ، فيشمل أنواع المشاركة ، ولا يحتاج إلى ما قاله ابن حجر - رحمه الله - من أنه خرج مخرج الغالب أن الشركة تكون مناصفة ، قال ابن الملك : مثل أن كان بينهما خمس إبل فأخذ الساعي وهي في يد أحدهما شاة فإنه يرجع على شريكه بقيمة حصته على السوية ، وفيه دلالة على أن الساعي إذا ظلم وأخذ منه زيادة على فرضه فإنه لا يرجع على شريكه ، وقال بعض الشراح من علمائنا : قوله ما كان إلخ أي الواجب الذي أخذ الساعي من الخليطين فإنهما يتراجعان ، أما الرجوع على مذهب أبي حنيفة وهو القائل بأن لا تأثير للخلطة في حكم الصدقة ، والمعتبر هو الملك خلافا للشافعي ، فمثل أن يأخذ الساعي شاتين من جملة مائة وعشرين شائعة بين رجلين أثلاثا قبل قسمتهما الأغنام فالمأخوذ من صاحب الثلثين شاة وثلث ، وواجبه في الثمانين شاة ، والمأخوذ من صاحب الثلث ثلثا شاة ، وواجبه في أربعين شاة ، فصاحب الثلثين يرجع بالسوية على صاحبه بثلث شاة ، حتى ترجع حصة من ثمانين شاة إلى تسع وسبعين ، وحصة صاحبه من أربعين إلى تسع وثلاثين ، وأما على مذهب الشافعي فمثل أن يكون لأحد الخليطين خلطة الجوار ثلاثون بقرا وللآخر أربعون ، وأخذ الساعي تبيعا من صاحب الثلثين ، ومسنة من صاحب الأربعين ، فيرجع الأول بأربعة أسباع تبيع على الثاني ، ويرجع الثاني بثلاثة أسباع المسنة على الأول ، ولو أخذ بالعكس رجعا بالعكس ، وإن أخذ من أحدهما رجع على صاحبه بحصته ، وفي خلط الشيوع يرجع إن لم يكن المأخوذ من جنس المال وإلا فلا ، انتهى كلامه .

قال ابن الهمام : وقد اشتمل كتاب الصديق وكتاب عمر على هذه الألفاظ ، وهي ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية ، ولا يجمع بين متفرق ، ولا يفرق بين مجتمع ، مخافة الصدقة ، ولا بأس ببيان المراد إذا كان مبنى بعض الخلاف ، وذلك إذ كان النصاب بين شركاء ، وصحت الخلطة بينهم ، باتحاد المسرح والمراح ، والراعي والفحل ، والمحلب ، تجب الزكاة فيه عنده أي عند الشافعي ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يجمع بين متفرق . . . " الحديث ، وفي عدم الوجوب تفريق المجتمع ، وعندنا لا يجب ، وإلا لوجبت على كل واحد فيما دون النصاب لنا هذا الحديث ، ففي الوجوب الجمع بين الأملاك المتفرقة إذ المراد الجمع والتفريق في الأملاك لا الأمكنة ، ألا يرى أن النصاب المفرق في أمكنة مع وحدة الملك يجب فيه ، ومن ملك ثمانين شاة ليس لساع أن يجعلها نصابين ، بأن يفرقها في مكانين ، فمعنى لا يفرق بين مجتمع أنه لا يفرق الساعي بين الثمانين مثلا ، أو المائة والعشرين ، ليجعلها نصابين ، وثلاثة ، ولا يجمع بين متفرق أي لا يجمع مثلا بين الأربعين المتفرقة بالملك بأن تكون مشتركة ليجعلها نصابا ، والحال أن لكل عشرين ، قال : وما كان بين خليطين إلخ قالوا : أراد به إذا كان بين رجلين إحدى وستون مثلا من الإبل ، لأحدهما ست وثلاثون ، وللآخر خمس وعشرون ، فأخذ المصدق منها بنت لبون ، وبنت مخاض ، فإن كان واحدا يرجع على شريكه بحصة ما أخذه الساعي من ملكه زكاة شريكه ، والله أعلم .

[ ص: 1286 ] وعلى هذا فالمراد من قوله مخافة الصدقة : مخافة الصدقة ثبوت فيما لا صدقة فيه ، أي لا يفعل ذلك التفريق والجمع كيلا تثبت الصدقة في ما لا صدقة فيه واجبة ، كما لو فرق بين الثمانين حيث تجب ثنتان ، والواجب فيها ليس إلا واحدة ، أو جمع بين العشرين لرجلين لتجب واحدة ، والواقع أن لا وجوب فيها ( وفي الرقة ) بكسر الراء وتخفيف القاف أي الدراهم المضروبة ، أصله ورق ، وهو الفضة ، حذف منه الواو ، وعوض عنها التاء ، كما في عدة ودية ( ربع العشر ) بضم الأول وسكون الثاني ، وضمهما فيهما يعني إذا كانت الفضة مائتي درهم فربع العشر خمسة دراهم ، ومر أن الاقتصار عليها للغالب ، قال الزركشي عن ابن عبد البر : لا يصح خبر الدينار أي المثقال أربعة وعشرون قيراطا ، قال : هذا وإن لم يصح ففي قول جماعة من العلماء به ، وإجماع الناس على معناه ما يغني عن الإسناد فيه ، قال ابن حجر : والمثقال اثنان وسبعون حبة من حب الشعير المعتدل خمسا حبة ، والدرهم خمسون حبة ، وخمسا حبة ، فالتفاوت بينه وبين المثقال ثلاثة أعشار المثقال اهـ ، والذي ذكره علماؤنا أن عشرة دراهم زنة سبعة مثاقيل ، والمثقال عشرون قيراطا ، والقيراط خمس شعيرات متوسطات ( فإن لم تكن ) أي الرقة التي عنده ( إلا تسعين ) أي درهما ( ومائة ) أي دراهم ، والمعنى إذا كانت الفضة ناقصة عن مائتي درهم ( فليس فيها شيء ) أي لا يجب إجماعا ( إلا أن يشاء ربها ) أي يريد أن يعطي مالكها على سبيل التبرع ، فإنه لا مانع له فيها في شرح السنة ، هذا يوهم أنها إذا زادت على ذلك شيئا قبل أن تتم مائتين كانت فيه الصدقة ، وليس الأمر كذلك ، وإنما ذكر تسعين لأنه آخر فصل من فصول المائة ، والحساب إذا جاوز المائة كان تركيبه بالفصول والعشرات ، والمئات والألوف ، فذكر التسعين ليدل على أن لا صدقة فيما نقص عن كمال المائتين ، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - : " ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة " ، قال الطيبي : أراد أن دلالة هذا الحديث على أقل ما نقص من النصاب إنما يتم بحديث " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " ، ويسمى هذا في الأصول النص المقيد بمفارقة نص آخر ، وينصره الحديث الآتي عن علي - رضي الله عنه - : وليس في تسعين ومائة شيء ، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم ، ونحوه قوله - تعالى - وحمله وفصاله ثلاثون شهرا فإنه يدل على أن أقل الحمل ستة أشهر ، لكن إذا ضم معه قوله - تعالى - والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ( رواه البخاري ) قال ميرك : مقطعا في عشرة مواضع ، وهو كتاب مستفيض مشهور ، رواه أبو داود والنسائي وأحمد والدارقطني ، وقال ابن الهمام : رواه البخاري في ثلاثة أبواب ، ورواه أبو داود في سننه حديثا واحدا ، وزاد فيه : وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ، وقد يوهم لفظ بعض الرواة فيه الانقطاع لكن الصحيح أنه صحيح ، قال البيهقي : وأخرج الدارقطني من حديث عائشة وابن عمر - رضي الله عنهما - كان يأخذ من كل عشرين دينارا نصف دينار ، ومن الأربعين دينارا دينارا .




الخدمات العلمية