الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا

                                                                                                                                                                                                لن يستنكف المسيح : لن يأنف ولن يذهب بنفسه عزة ، من نكفت الدمع ، إذا [ ص: 183 ] نحيته عن خدك بأصابعك ولا الملائكة المقربون : ولا من هو أعلى منه قدرا وأعظم منه [ ص: 184 ] خطرا وهم الملائكة الكروبيون الذين حول العرش ، كـجبريل وميكائيل وإسرافيل" ، ومن في طبقتهم . فإن قلت : من أين دل قوله : ولا الملائكة المقربون على أن المعنى : ولا [ ص: 185 ] من فوقه؟ قلت : من حيث أن علم المعاني لا يقتضي غير ذلك ، وذلك أن الكلام إنما سيق لرد مذهب النصارى وغلوهم في رفع المسيح عن منزلة العبودية ، فوجب أن يقال لهم : لن يترفع عيسى عن العبودية ، ولا من هو أرفع منه درجة ، كأنه قيل : لن يستنكف الملائكة المقربون من العبودية ، فكيف بالمسيح؟ ويدل عليه دلالة ظاهرة بينة ، تخصيص المقربين لكونهم أرفع الملائكة درجة وأعلاهم منزلة ، ومثاله قول القائل [من الطويل] :


                                                                                                                                                                                                وما مثله ممن يجاود حاتم ولا البحر ذو الأمواج يلتج زاخره



                                                                                                                                                                                                لا شبهة في أنه قصد بالبحر ذي الأمواج : ما هو فوق حاتم في الجود ، ومن كان له ذوق فليذق مع هذه الآية قوله : ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى [البقرة : 120] حتى يعترف بالفرق البين ، وقرأ علي - رضي الله عنه - : "عبيدا لله" ، على التصغير ، وروي : أن وفد نجران قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لم تعيب صاحبنا؟ قال : "ومن صاحبكم؟" قالوا : عيسى . قال : "وأي شيء أقول؟" قالوا : تقول : إنه عبد الله ورسوله . قال : "إنه ليس بعار أن يكون عبدا لله" . قالوا : بلى ، فنزلت : أي : لا يستنكف عيسى من ذلك فلا تستنكفوا له منه ، فلو كان موضع استنكاف لكان هو أولى بأن يستنكف لأن العار ألصق به . فإن قلت : علام عطف قوله : ولا الملائكة ؟ قلت : لا يخلو إما أن يعطف على المسيح ، أو على اسم "يكون" أو على المستتر في "عبدا" لما فيه من معنى الوصف ، لدلالته على معنى العبادة ، كقولك : مررت برجل عبد أبوه ، فالعطف على المسيح هو الظاهر لأداء غيره إلى ما فيه بعض انحراف عن الغرض ، وهو أن المسيح لا يأنف أن يكون هو ولا من فوقه موصوفين بالعبودية ، أو أن يعبد الله هو ومن فوقه . فإن قلت : قد جعلت الملائكة وهم جماعة عبدا لله في هذا العطف ، فما وجهه؟ قلت : فيه وجهان : أحدهما : أن يراد : ولا كل واحد من الملائكة أو ولا الملائكة المقربون أن يكونوا عبادا لله ، فحذف ذلك لدلالة " عبد الله " [ ص: 186 ] عليه إيجازا ، وأما إذا عطفتهم على الضمير في "عبدا" فقد طاح هذا السؤال . قرئ "فسيحشرهم" بضم الشين وكسرها وبالنون .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية