الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4039 [ 2084 ] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس، فدخل أبو بكر الصديق، وهي تحته يومئذ، فرآهم، فكره ذلك، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لم أر إلا خيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد برأها من ذلك، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة، إلا معه رجل أو اثنان.

                                                                                              رواه أحمد (2 \ 186) ومسلم (2173) (22).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و(قوله: إن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس ) كان هذا الدخول في غيبة أبي بكر - رضي الله عنه - لكنه كان في الحضر لا في السفر، وكان على وجه ما يعرف من أهل الصلاح والخير، مع ما كانوا عليه قبل الإسلام مما تقتضيه مكارم الأخلاق من نفي التهمة والريب، كما قدمناه. ولعل هذا كان قبل نزول الحجاب، وقبل أن يتقدم لهم في ذلك بأمر ولا نهي، غير أن أبا بكر - رضي الله عنه - أنكر ذلك بمقتضى الغيرة الجبلية والدينية، كما وقع لعمر رضي الله عنه في الحجاب.

                                                                                              ولما ذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ما يعلمه من حال الداخلين والمدخول لها، قال: (لم أر إلا خيرا) يعني: على الفريقين، فإنه علم أعيان الجميع; لأنهم كانوا من مسلمي بني هاشم ، ثم خص أسماء بالشهادة لها فقال: ( إن الله قد برأها من ذلك ) أي: مما وقع في نفس أبي بكر ، فكان ذلك فضيلة عظيمة من أعظم فضائلها، ومنقبة من أشرف مناقبها، ومع ذلك فلم يكتف [ ص: 503 ] بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جمع الناس، وصعد المنبر، فنهاهم عن ذلك، وعلمهم ما يجوز منه فقال: (لا يدخلن رجل على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان) سدا لذريعة الخلوة، ودفعا لما يؤدي إلى التهمة.

                                                                                              وإنما اقتصر على ذكر الرجل والرجلين لصلاحية أولئك القوم; لأن التهمة كانت ترتفع بذلك القدر. فأما اليوم: فلا يكتفى بذلك القدر، بل بالجماعة الكثيرة لعموم المفاسد، وخبث المقاصد، ورحم الله مالكا لقد بالغ في هذا الباب حتى منع فيه ما يجر إلى بعيد التهم والارتياب; حتى منع خلوة المرأة بابن زوجها، والسفر معه، وإن كانت محرمة عليه; لأنه ليس كل أحد يمتنع بالمانع الشرعي إذا لم يقارنه مانع عادي، فإنه من المعلوم الذي لا شك فيه أن موقع امتناع الرجل من النظر بالشهوة لامرأة أبيه ليس كموقعه منه لأمه وأخته؛ هذا قد استحكمت عليه النفرة العادية، وذلك قد أنست به النفس الشهوانية، فلا بد مع المانع الشرعي في هذا من مراعاة الذرائع الحالية.




                                                                                              الخدمات العلمية