الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى وما لهم به من علم .

اعتراض واستطراد لمناسبة ذكر الملائكة وتبعا لما ذكر آنفا من جعل المشركين اللات والعزى ومناة بنات لله بقوله أفرأيتم اللات والعزى إلى قوله ألكم الذكر وله الأنثى ثني إليهم عنان الرد والإبطال لزعمهم أن الملائكة بنات الله جمعا بين رد باطلين متشابهين ، وكان مقتضى الظاهر أن يعبر عن المردود عليهم بضمير الغيبة تبعا لقوله إن يتبعون إلا الظن ، فعدل عن الإضمار إلى الإظهار بالموصولية لما تؤذن به الصلة من التوبيخ لهم والتحقير لعقائدهم إذ كفروا [ ص: 115 ] بالآخرة وقد تواتر على ألسنة الرسل وعند أهل الأديان المجاورين لهم من اليهود والنصارى والصابئة ، فالموصولية هنا مستعملة في التحقير والتهكم نظير حكاية الله عنهم وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون إلا أن التهكم المحكي هنالك تهكم المبطل بالمحق ؛ لأنهم لا يعتقدون وقوع الصلة ، وأما التهكم هنا فهو تهكم المحق بالمبطل ؛ لأن مضمون الصلة ثابت لهم .

والتسمية مطلقة هنا على التوصيف ؛ لأن الاسم قد يطلق على اللفظ الدال على المعنى وقد يطلق على المدلول المسمى ذاتا كان أو معنى كقول لبيد :

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما

أي : السلام عليكما . وقوله تعالى سبح اسم ربك الأعلى وقوله تعالى عينا فيها تسمى سلسبيلا ، أي : توصف بهذا الوصف في حسن مآبها ، وقوله تعالى هل تعلم له سميا أي : ليس لله مثيل وقد مر بيانه مستوفى عند تفسير بسم الله الرحمن الرحيم في أول الفاتحة .

والمعنى : أنهم يزعمون الملائكة إناثا وذلك توصيف . قال تعالى وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ، وكانوا يقولون : الملائكة بنات الله من سروات الجن قال تعالى وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون وقال وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا .

والتعريف في الأنثى تعريف الجنس الذي هو في معنى المتعدد والذي دعا إلى هذا النظم مراعاة الفواصل ليقع لفظ الأنثى فاصلة كما وقع لفظ الأولى ولفظ يرضى ولفظ شيئا .

وجملة وما لهم به من علم حال من ضمير يسمون ، أي : يثبتون للملائكة صفات الأنثى في حال انتفاء علم منهم بذلك وإنما هو تخيل وتوهم إذ العلم لا يكون إلا عن دليل لهم فنفي العلم مراد به نفيه ونفي الدليل على طريقة الكناية .

التالي السابق


الخدمات العلمية