الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                    صفحة جزء
                    [ ص: 206 ] اعتقاد أبي جعفر محمد بن جرير الطبري

                    325 - أخبرنا عبيد الله بن محمد بن أحمد قراءة عليه ، قال : أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن كامل قال : قال أبو جعفر محمد بن جرير : " فأول ما نبدأ فيه القول من ذلك كلام الله - عز وجل - وتنزيله ؛ إذ كان من معاني توحيده . فالصواب من القول في ذلك عندنا أنه كلام الله - عز وجل - غير مخلوق كيف كتب ، وكيف تلي ، وفي أي موضع قرئ ، في السماء وجد أو في الأرض حيث حفظ ، في اللوح المحفوظ كان مكتوبا أو في ألواح صبيان الكتاتيب مرسوما ، في حجر نقش أو في ورق خط ، في القلب حفظ أو باللسان لفظ ، فمن قال غير ذلك أو ادعى أن قرآنا في الأرض أو في السماء سوى القرآن [ ص: 207 ] الذي نتلوه بألسنتنا ونكتبه في مصاحفنا ، أو اعتقد غير ذلك بقلبه أو أضمره في نفسه أو قال بلسانه داينا به ؛ فهو بالله كافر حلال الدم وبريء من الله ، والله بريء منه ؛ لقول الله - جل ثناؤه : ( بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ) ، وقال وقوله الحق : ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) ، فأخبرنا جل ثناؤه أنه في اللوح المحفوظ مكتوب ، وأنه من لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - مسموع ، وهو قرآن واحد من محمد مسموع ، وفي اللوح المحفوظ مكتوب ، وكذلك في الصدور محفوظ ، وبألسن الشيوخ والشبان متلو ، فمن روى عنا ، أو حكى عنا ، أو تقول علينا ، أو ادعى علينا أنا قلنا غير ذلك ، فعليه لعنة الله وغضبه ، ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ، وهتك ستره وفضحه على رءوس الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار .

                    وأما الصواب من القول لدينا في رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة وهو ديننا الذي ندين الله به وأدركنا عليه أهل السنة والجماعة ، فهو أن أهل الجنة يرونه على ما صحت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

                    والصواب لدينا في القول فيما اختلف فيه من أفعال العباد [ ص: 208 ] وحسناتهم وسيئاتهم أن جميع ذلك من عند الله ، والله مقدره ومدبره ، لا يكون شيء إلا بإرادته ، ولا يحدث شيء إلا بمشيئته ، له الخلق والأمر .

                    والصواب لدينا من القول أن الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، وبه الخبر عن جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه مضى أهل الدين والفضل .

                    والقول في ألفاظ العباد بالقرآن فلا أثر فيه أعلمه عن صحابي مضى ، ولا عن تابعي قفى إلا عمن في قوله الشفاء والغنا - رحمة الله عليه ورضوانه - وفي اتباعه الرشد والهدى ، ومن يقوم لدينا مقام الأئمة الأولى أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل .

                    فإن أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول : اللفظية جهمية لقول الله - عز وجل : ( حتى يسمع كلام الله ) ممن يسمع ؟

                    وأما القول في الاسم أهو المسمى أو غير المسمى فإنه من الحماقات الحادثة التي لا أثر فيها فيتبع ، ولا قول من إمام فيستمع ، والخوض فيه شين ، والصمت عنه زين ، وحسب امرئ من العلم به والقول فيه أن ينتهي إلى قول الصادق - عز وجل - وهو قوله : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) وقوله : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) . [ ص: 209 ] ويعلم أن ربه هو الذي على ( العرش استوى له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ) . فمن تجاوز ذلك فقد خاب وخسر . فليبلغ الشاهد منكم أيها الناس من بعد منا فنأى ، أو قرب فدنا :

                    أن الدين الذي ندين به في الأشياء التي ذكرناها ما بيناه لكم على ما وصفناه ، فمن روى خلاف ذلك أو أضاف إلينا سواه أو نحلنا في ذلك قولا غيره فهو كاذب ، فهو مفتر معتد متخرص ، يبوء بإثم الله وسخطه ، وعليه غضب الله ولعنته في الدارين ، وحق على الله أن يورده المورد الذي وعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرباءه ، وأن يحله المحل الذي أخبر نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله يحله أمثاله .

                    التالي السابق


                    الخدمات العلمية