الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1967 - وعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الجنة تزخرف لرمضان من رأس

الحول إلى حول قابل " قال : " فإذا كان أول يوم من رمضان هبت ريح تحت العرش من ورق الجنة على الحور العين فيقلن : يا رب اجعل لنا من عبادك أزواجا تقر بهم أعيننا وتقر أعينهم بنا
" روى البيهقي الأحاديث الثلاثة في شعب الإيمان .

التالي السابق


1967 - ( وعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الجنة تزخرف " ) أي تزين بالذهب ونحوه " لرمضان " أي لأجل قدومه " من رأس الحول إلى حول قابل " أي يبتدأ التزيين من أول السنة منتهيا إلى سنة آتية أول الحول غرة المحرم ، وحاصله أن الجنة في جميع السنة من أولها إلى آخرها مزينة لأجل رمضان ، وما يترتب عليه من كثرة الغفران ورفع درجات الجنان ، ما قبله وما بعده من الزمان ، ولا يبعد أن يجعل رأس الحول مما بعد رمضان ، ولعله اصطلاح أهل الجنان ويناسبه كونه يوم عيد وسرور ، ووقت زينة وحبور ، ثم رأيت ابن حجر قال : لعل المراد هنا بالحول بأن تبتدئ الملائكة في تزينها أول شوال وتستمر إلى أول رمضان ، فتفتح أبوابها حينئذ ليطلع الملائكة على ما لا يطلعون عليه قبل ، إعلاما لهم بعظم شرف رمضان وشرف هذه الأمة ، ومجازاتهم على صومهم بمثل هذا النعيم المقيم الظاهر الباهر اهـ والأظهر أن ابتداء الزينة من أول رمضان كما يدل عليه حديث : فتحت أبواب الجنة إلخ ، لأن الزينة المتعارفة تكون في أوائل أمر الفرح ، وقد تكون بعد الفرح ، والمناسب هنا الأول ، ولا يبعد أن يراد باللام في قوله [ ص: 1371 ] رمضان وقته ، ومن بيانية ، ويؤيده ما ورد من أنه ترفع أعمال السنة في شعبان ، ثم ما به التمييز بين رمضان وغيره بأمور زائدة على الزينة في خصوصه من فتح أبواب الجنة وغلق أبواب النيران ، وأمثالهما مما لا يعلمه إلا الله ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم ( قال ) أي النبي - صلى الله عليه وسلم ، وإنما أعاد قال لئلا يتوهم أنه مقول ابن عمر فتدبر " فإذا كان أول يوم من رمضان هبت ريح تحت العرش " أي هبت ريح من تحت العرش فنثرت رائحة عطرة طيبة ، قال ابن حجر : تحت العرش أي في الجنة لأن سقف الجنة عرش الرحمن ، كما في الحديث ، وفيه أنه لا يلزم من كونه سقفا بمعنى أعلاها ، وأنه ليس فاصل بينه وبينها أن يكون هبوب الريح في الجنة ، بل الظاهر أن الريح تنزل من تحت العرش مبتدأ باعتبار ظهورها في الجنة " من ورق الجنة " أي من ورق شجرها مبتدأ " على الحور العين " أي منتثرة على رأسهن ، ولعلها أثر خلوف فم الصائم الذي هو عند الله أطيب من المسك " فيقلن : يا رب اجعل لنا من عبادك " أي الصالحين الصائمين القائمين " أزواجا تقر " بفتح القاف وتشديد الراء أي تتلذذ " بهم " أي بطلعتهم وصحبتهم " أعيننا " أي أبصارنا أو ذواتنا " وتقر أعينهم بنا " قال الطيبي : هو من القر بمعنى البر ، وحقيقة قولك قر الله عينيه جعل دمع عينيه باردا ، وهو كناية عن السرور ، فإن دمعته باردة أو من القرار فيكون كناية عن الفوز بالبغية ، فإن من فاز بها قر نفسه ، ولا يستشرف عينه إلى مطلوبه لحصوله ( روى البيهقي الأحاديث الثلاثة في شعب الإيمان ) قال ميرك : لحديث ابن عمر شاهد من حديث ابن مسعود الغفاري أخرجه ابن خريمة في صحيحه ، والبيهقي من طريقه ، وأبو الشيخ في كتاب الثواب ، ولفظه : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم وأهل رمضان ، فقال : " لو يعلم العباد ما رمضان لتمنت أمتي أن تكون السنة كلها رمضان " ، فقال رجل من خزاعة : يا نبي الله حدثنا ، فقال : " إن الجنة لتزين لرمضان من رأس الحول إلى الحول ، فإذا كان أول يوم من رمضان هبت ريح من تحت العرش فصفقت ورق أشجار الجنة ، فينظر الحور العين إلى ذلك فيقلن : يا رب اجعل لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجا ، تقر أعيننا بهم وأعينهم بنا " ، قال : " فما من عبد يصوم يوما من رمضان إلا زوج زوجة من الحور العين ، في خيمة من درة " كما نعت الله - عز وجل - حور مقصورات في الخيام قال ابن خزيمة : في القلب من جرير بن أيوب - يعني أحد رواته - شيء . قال المنذري وجرير بن أيوب البجلي اهـ والله أعلم ، أقول : وللحديث شاهد آخر من حديث ابن عباس أخرجه أبو الشيخ في كتاب الثواب ، والبيهقي أيضا ، قال المنذري : وليس في إسناده ممن أجمع على ضعفه ، فاختلاف طرق الحديث يدل على أن له أصلا .




الخدمات العلمية