الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير .

بعد أن ذكر حالهم في اختلاء بعضهم ببعض ذكر حال نياتهم الخبيثة عند الحضور في مجلس النبيء - صلى الله عليه وسلم - فإنهم يتتبعون سوء نياتهم من كلمات يتبادر منها للسامعين أنها صالحة ، فكانوا إذا دخلوا على النبيء - صلى الله عليه وسلم - يخفتون لفظ " السلام عليكم " لأنه شعار الإسلام ولما فيه من معنى جمع السلامة يعدلون عن ذلك ويقولون : أنعم صباحا ، وهي تحية العرب في الجاهلية لأنهم لا يحبون أن يتركوا عوائد الجاهلية . نقله ابن عطية عن ابن عباس .

فمعنى بما لم يحيك به الله ، بغير لفظ السلام ، فإن الله حياه بذلك بخصوصه في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما . وحياه به في عموم الأنبياء بقوله قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . وتحية الله هي التحية الكاملة .

وليس المراد من هذه الآية ما ورد في حديث : أن اليهود كانوا إذا حيوا النبيء - صلى الله عليه وسلم - قالوا : السام عليك ، وأن النبيء - صلى الله عليه وسلم - كان يرد عليهم بقوله وعليكم . فإن ذلك وارد في قوم معروف أنهم من اليهود . وما ذكر أول هذه الآية لا يليق حمله على أحوال اليهود كما علمت آنفا ، ولو حمل ضمير جاءوك على اليهود لزم عليه تشتيت الضمائر .

أما هذه الآية ففي أحوال المنافقين ، وهذا مثل ما كان بعضهم يقول للنبيء - صلى الله عليه وسلم - راعنا تعلموها من اليهود وهم يريدون التوجيه بالرعونة ، فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم ولم يرد منه نهي اليهود .

ومعنى يقولون في أنفسهم يقول بعضهم لبعض على نحو قوله تعالى [ ص: 32 ] فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم . وقوله ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ، أي ظن بعضهم ببعض خيرا ، أي يقول بعضهم لبعض .

ويجوز أن يكون المراد بـ " أنفسهم " مجامعهم كقوله تعالى وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ، أي قل لهم خاليا بهم سترا عليهم من الافتضاح . وتقدم في سورة النساء ، ولولا للتحضيض ، أي هلا يعذبنا الله بسبب كلامنا الذي نتناجى به من ذم النبيء - صلى الله عليه وسلم - ونحو ذلك ، أي يقولون ما معناه لو كان محمد نبيئا لعذبنا الله بما نقوله من السوء فيه ومن الذم ، وهو ما لخصه الله من قولهم بكلمة لولا يعذبنا الله فإن لولا للتحضيض مستعملة كناية عن جحد نبوة النبيء - صلى الله عليه وسلم - أي لو كان نبيئا لغضب الله علينا فلعذبنا الآن بسبب قولنا له .

وهذا خاطر من خواطر أهل الضلالة المتأصلة فيهم ، وهي توهمهم أن شأن الله تعالى كشأن البشر في إسراع الانتقام والاهتزاز مما لا يرضاه ومن المعاندة . وفي الحديث لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله ، يدعون له ندا وهو يرزقهم على أنهم لجحودهم بالبعث والجزاء يحسبون أن عقاب الله تعالى يظهر في الدنيا . وهذا من الغرور قال تعالى وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين ، ولذلك قال تعالى ردا على كلامهم حسبهم جهنم أي كافيهم من العذاب جهنم فإنه عذاب .

وأصل " يصلونها " يصلون بها ، فضمن معنى يذوقونها أو يحسونها وقد تكرر هذا الاستعمال في القرآن .

وقوله فبئس المصير تفريع على الوعيد بشأن ذم جهنم .

التالي السابق


الخدمات العلمية