(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=28973_28902أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير )
[ ص: 145 ] هذا هو مثل الفريق الثاني من هذا الصنف من الناس ، الذي كان أفراده ولا يزالون فتنة للبشر ، ومرضا في الأمم وحجة على الدين ، لأنهم بغرورهم بتقاليدهم التي اكتفوا بها من دينهم الموروث ، يعبثون بعقولهم ، ويلهون بخيالاتهم ، ويجنون على مشاعرهم ومداركهم فيضعفونها ، ويصارعون الفطرة الإلهية فيصرعونها ، حتى يكون بعضهم كالجمادات (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=18صم بكم عمي ) كما تقدم في المثل الأول ، ويألف البعض الآخر الظلمة بطول التقليد ، ويكون أفراده في نور البرهان كالخفافيش في نور الشمس ولكنهم أمثل من الفريق الذي ضرب له المثل الأول ؛ لأن فيهم بقية من الرجاء ورمقا من الحياة ، يوجههم إلى الاقتباس من نور الهداية كلما أضاءت لهم بروقها ، والمشي في الجادة كلما استبانوا طريقها ، ولكن تحول دون ذلك ظلمات التقاليد العارضة ، وتقف في السبيل عقبات البدع المعارضة ، وقد يعدهم لاستماع قوارع الآيات التي تنذرهم بما حرفوا ، وصوادع الحجج التي تبين لهم كيف انحرفوا ، ولا يصدهم عنها إلا أنها تزعجهم إلى ترك ما صنفوا وألفوا ، وهجر ما أحبوا وألفوا ، وعدم المبالاة بسنة الآباء ، وقلة الاحتفال بعظمة الرؤساء ، فهم يتراوحون بين الخوف والرجاء ، مذبذبين بين أهل الجحود وأهل اليقين (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=143لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ) ، ولا ينقطع منهم الأمل ، حتى ينقطع بهم الأجل .
ألا تراهم عندما يقرع أسماعهم من كتاب ربهم ما يبين فساد سيرتهم ، والتواء طريقتهم ، كقوله تعالى في النعي على أمثالهم ، وحكاية ما لم يرضه من أقوالهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=22بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ) ( 43 : 22 ) إلخ : وقوله في بيان ندمهم على التقليد ، عندما يحل بهم الوعيد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=67ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل ) ( 33 : 67 ) يأخذهم الزلزال ، ويتولاهم الاضطراب والقلق ، وتنشق لهم الظلمة عن فلق ، ويلمع في نفوسهم نور الهداية الفطرية فيمشون فيه خطوات ، ثم تحيط بهم الظلمات وينقطع بهم الطريق كما ألمعنا آنفا ، وأسباب غلبة الظلمات على النور : هي موافقة ما عليه الجمهور ، والإخلاد إلى الهوى ، وتفضيل عرض هذا الأدنى ، وانتظار المغفرة ولو بما تأولوه في معنى الشفاعة ، وتمني الربح من غير بضاعة (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=169يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه ) ( 7 : 169 ) بل هو عندهم مدروس بجدليات النحو والكلام ، ولكنه دارس الصوى والأعلام المنصوبة لهداية القلوب والأحلام ، ومقروء بالتجويد والأنغام ، ولكنه متروك الحكم والأحكام ، يقرءونه لكسب الحطام لا لمعرفة الحلال والحرام ، ولا يتلونه لإصلاح القلب واللسان بتزكية النفس وتغذية الإيمان ، ويكتبونه لشفاء الأبدان من الأسقام
[ ص: 146 ] لا لشفاء ما في الصدور من الأوهام والآثام ، ولو كان له أنصار يدعون إليه ، وهداة يعتصمون به ويعولون عليه ، لتبددت الظلمات أمام الأنوار ، ومحت آية الليل آية النهار .
تلك الإرشادات الإلهية بمنزلة المطر الذي ينزل من السماء ، والزلزال والاضطراب الذي أشرنا إليه بمنزلة الرعد ، واستبانة الصراط المستقيم الذي يلمع في أنفسهم من ذلك كالبرق ، والعادات والتقاليد والشهوات والخوف من ذم الجماهير عند العمل بما يخالفهم كالظلمات التي تصد عن سلوك الطريق بل تعميه على طالبه وتحجبه عنه ، ولذلك قال تعالى في تمثيل حال هذا الفريق : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أو كصيب من السماء ) أي قوم نزل بهم صيب ، ووصفه بأنه من السماء مع العلم بأن الصيب لا يكون إلا من السماء للإشعار بأنه أمر لا يملكون دفعه وليس ملاكه في أيديهم ، ومن المعهود عند بلغاء العرب التعبير عما يلم بالناس مما لا دافع له بأنه نزل من السماء . ولا جرم أن تلك السوانح التي تسنح في الأفكار ، والإلهامات الإلهية لأصحاب الفطرة الذكية التي يكون من أثرها ما أشار إليه المثل وتقدم التنبيه عليه ، هي أمر وهبي واقع ماله من دافع .
قال تعالى في وصف الصيب : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19فيه ظلمات ورعد وبرق ) الظلمات : هي ظلمة الليل وظلمة السحب وظلمة الصيب نفسه ، والرعد : هو الصوت المعروف الذي يسمع في السحاب عند اجتماعه أحيانا ، والبرق : هو الضوء الذي يلمع في السحاب في الغالب ، وقد يلمع من الأفق حيث لا سحاب ، وقال مفسرنا الجلال السيوطي : إن الرعد ملك أو صوته ، والبرق سوطه يسوق به السحاب ، كأن الملك جسم مادي ؛ لأن الصوت المسموع بالآذان من خصائص الأجسام ، وكأن السحاب حمار بليد لا يسير إلا إذا زجر بالصراخ الشديد والضرب المتتابع ، وما ذكرناه هو الذي كان يفهمه العرب من اللفظين ، وهو الذي يفهمه الناس اليوم ، ولا يجوز صرف الألفاظ عن معانيها الحقيقية إلا بدليل صحيح ، ولا سيما إذا صرفت عن معان من عالم الشهادة الذي يعرفه الواضعون والمتكلمون إلى معان من عالم الغيب لا يعلمها إلا الله تعالى ومن أعلمهم الله تعالى إياها بالوحي ، ولكن أكثر المفسرين ولعوا بحشو تفاسيرهم بالموضوعات التي نص المحدثون على كذبها ، كما ولعوا بحشوها بالقصص والإسرائيليات التي تلقفوها من أفواه
اليهود وألصقوها بالقرآن لتكون بيانا له وتفسيرا ، وجعلوا ذلك ملحقا بالوحي ، والحق الذي لا مرية فيه : أنه لا يجوز إلحاق شيء بالوحي غير ما تدل عليه ألفاظه وأساليبه ، إلا ما ثبت بالوحي عن المعصوم الذي جاء به ثبوتا لا يخالطه الريب .
أقول : هذا ما قاله الأستاذ في الرعد والبرق ردا على الجلال فيما تبع فيه ما روي في التفسير المأثور عن بعض الصحابة والتابعين ولا يصح منه شيء ، وأمثلة ما رواه
الترمذي بسند ضعيف من سؤال
اليهود النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد رأينا
السيوطي لم يذكر من هذه
[ ص: 147 ] الروايات شيئا في تفسير الآية من كتابه ( الدر المنثور ) المخصص لنقل المأثور ، وكذلك
ابن كثير ، وكأن هذا عده من الإسرائيليات مع عدم صحة الرواية فيه ، وفسرهما
البغوي بمفهومهما
اللغوي ، فقال في الرعد : هو الصوت الذي يسمع من السحاب وفي البرق : هو النار التي تخرج منه ، ثم قال : قال
علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وأكثر المفسرين : الرعد اسم ملك يسوق السحاب . والبرق : لمعان سوط من نور يزجر به الملك السحاب .
وقيل : الصوت زجر السحاب ، وقيل : تسبيح الملك ، وقيل : الرعد نطق الملك والبرق ضحكه ، وقال
مجاهد : الرعد اسم الملك ويقال لصوته أيضا رعد ، والبرق اسم ملك يسوق السحاب ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب : الرعد ملك يزجي السحب فإذا تبددت ضمها ، فإذا اشتد غضبه طارت من فيه النار فهي الصواعق ، وقيل : الرعد انخراق الريح بين السحاب ، والأول أصح . ا هـ . ولم يذكر الحديث المرفوع ؛ لأنه أضعف عنده مما ذكره فيما يظهر .
أقول : ولا شك عندي في أن هذه الأقوال كلها مما كان يذيعه مثل
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار nindex.php?page=showalam&ids=17285ووهب بن منبه بين المسلمين من الصحابة والتابعين ، ولو صح في حديث مرفوع بسماع صحيح لا يحتمل أن يكون من الإسرائيليات لما وقع فيه مثل هذا الخلاف ، ولأمكن حمله على أن المراد به والإشارة إلى أن هذه المظاهر الكونية تقع بفعل ملك موكل بالسحاب ، ولكن لا حاجة إلى ذلك مع عدم صحة شيء في المسألة ،
nindex.php?page=treesubj&link=28734والملائكة من عالم الغيب ، وهم لا يراهم الناس إلا إذا تمثلوا لنبي أو ولي على سبيل المعجزة أو الإرهاص ، كتمثل الروح للسيدة
مريم - عليها السلام - ، ورؤية الصحابة
لجبريل في حضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - بصورة رجل يسأل عن الإيمان والإسلام والإحسان ، والبرق من عالم الشهادة لا من عالم الغيب .
وقول
البغوي : وقيل : الرعد انخراق الريح بين السحاب ، يريد به قول
فلاسفة اليونان الذي اغتر به بعض المسلمين ، قال
البيضاوي : والرعد صوت يسمع من السحاب .
والمشهور أن سببه اضطراب أجرام السحاب واصطكاكها إذا حدتها الريح من الارتعاد . ا هـ .
وهو قول باطل . والسحاب : بخار لا يحدث اضطرابه صوتا .
وقال تعالى في أصحاب الصيب :
nindex.php?page=treesubj&link=28973 ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت ) الصاعقة هي ما كان يعرفه العرب ويعرفه كل واحد ، وهي ما ينزل في أثناء المطر والبرق والرعد فيصعق ما ينزل به ، بأن يهلك أو يلحقه ضرر ، وما تفسيرنا للبرق والرعد والصاعقة مع كونها معروفة لكل الناس إلا لأن المفسرين صرفوا أفهامهم عن المعروف إلى غيره ، كما حكي عن (
أرسطو ) حكيم قدماء اليونان أن تلاميذه سألوه عن تعريف الحركة ، فقام ومشى ، وما أنطقهم بالسؤال عنها على بداهتها إلا أنهم اعتادوا أن يسمعوا من
الفلاسفة أقوالا في الأمور الجلية تجعلها غامضة خفية .
[ ص: 148 ] أما حقيقة البرق والرعد والصاعقة وأسباب حدوثها فليس من مباحث القرآن ؛ لأنه من علم الطبيعة - أي الخليقة - وحوادث الجو التي في استطاعة الناس معرفتها باجتهادهم ولا تتوقف على الوحي ، وإنما تذكر الظواهر الطبيعية في القرآن لأجل الاعتبار والاستدلال ، وصرف العقل إلى البحث الذي يقوى به الفهم والدين ، والعلم بالكون ينمى ويضعف في الناس ويختلف باختلاف الزمان . فقد كان الناس يعتقدون في بعض الأزمنة أن الصواعق تحدث من أجسام مادية ، لما كان يشمونه في محل نزولها من رائحة الكبريت وغيره ، ورجعوا عن هذا الاعتقاد في زمن آخر ملاحظين أن تلك الرائحة لا تكون دائما في محل الصاعقة ، وقد ظهر في هذا الزمان أن في الكون سيالا يسمونه الكهرباء ، من آثاره ما ترون من التلغراف والتليفون والترامواي ، وهذه الأضواء الساطعة في البيوت والأسواق ، من غير شموع ولا زيت ولا ذبال ، وإنما تكون باتصال سلكين دقيقين كالخيوط التي تخاط بها الثياب ، أحدهما : يحمل أو يوصل السيال الكهربائي الذي يسمونه الموجب ، والآخر : يوصل السيال المسمى بالسالب ، وباتصال السلكين يتولد النور من تلاقي السيالين ، وبانقطاعهما أو الفصل بينهما ينفصل السيالان ، فينقطع الضوء من المصابيح والحركة من الآلات ، والكهربائية موجودة في كل شيء ، والبرق في السحاب يتولد من اتصال نوعيها : الموجب ، والسالب بقدرة الله تعالى ، كما يتولد في الأرض بعمل الإنسان ، وقد استنزل بعض علماء الكهربائية قبس الصاعقة من السحاب إلى الأرض ، والصاعقة من أثر الكهربائية ، وهي تفريغ السحاب طائفة منها في مكان لجاذب في الأرض يجذبه ، وكثيرا ما حصل الصعق لعمال التلغراف ، لما بين السحاب والأسلاك من الجاذبية ، ومعرفة الناس بالسبب الحقيقي للصواعق هداهم إلى حفظ الأبنية الشاهقة منها باتخاذ القضيب المعروف الذي يسمى قضيب الصاعقة ، فلا تنزل الصواعق على بناء رفع فوقه هذا القضيب ، ولا مجال في تفسير القرآن للتطويل في أمثال هذه المسائل الطبيعية ؛ لأنها تطلب من فنونها الخاصة بها ، فلنعد إلى بيان المثل .
استحضر حال قوم مشاة في فلاة من الأرض نزل عليهم بعد ما أقبل ظلام الليل صيب من السماء قصفت رعوده ، ولمعت بروقه ، وتصور كيف يهوون بأصابعهم إلى آذانهم كلما حدث قاصف من الرعد ليدفعوا شدة وقعه بسد منافذ السمع برءوس الأنامل ، وعبر عن الأنامل بالأصابع هذا التعبير المجازي اللطيف للإشعار بشدة عنايتهم بسد آذانهم ، ومبالغتهم في إدخال أناملهم في صماليخها ، كأن كل واحد منهم يحاول بما دهمه من الخوف أن يغرس إصبعه كلها في أذنه حتى لا يكون للصوت منفذ إلى سمعه ، لما يحذره على نفسه من الموت الزؤام ، ومعاجلة الحمام ، وهذا هو الجبن الخالع ، ومنتهى حدود الحماقة ؛ لأن سد الآذان ليس من أسباب الوقاية
[ ص: 149 ] من أخذ الصاعقة ونزول الموت ، والموت : فقد الحياة بمفارقة الروح للبدن ، وخلق الله له عبارة عن تقديره ، أو عن قبضه للروح وتوفيه للنفس .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19والله محيط بالكافرين ) يرشدنا في أثناء شرح المثل وتقريره إلى حال من ضرب فيهم المثل لئلا يذهلنا ما نتصوره من حال المشبه به عن حال المشبه المقصود بالذات ، وهو أن التصامم والهروب من سماع آيات الحق ، والحذر من صواعق براهينه الساطعة أن تذهب بتقاليدهم التي يرون حياتهم الملية مرتبطة بها لا يفيدهم شيئا ؛ لأن الله تعالى محيط بهم ، ومطلع على سرائرهم وعالم بما في ضمائرهم ، وقادر على أخذهم أينما كانوا ، وفي أي طريق سلكوا ، فلا يهربون من برهان إلا ويفاجئهم برهان آخر ، كالغريق يدفعه موج ويتلقاه موج حتى يقذف به إلى ساحل النجاة ، أو يدفعه إلى هاوية العدم ، ولهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19محيط بالكافرين ) ولم يقل : محيط بهم ، أقول : فوضع الاسم المظهر موضع المضمر للإيذان بأنهم إنما كانوا كذلك بكفرهم وأن ذلك يرد في أمثالهم . والمراد بالإحاطة هنا إحاطة القدرة . فمن لم يمته بأخذ الصاعقة أماته بغيرها ، تنوعت الأسباب والموت واحد . والمحيط بالشيء لا يمكن أن يفوته وينفلت من قبضته .
nindex.php?page=treesubj&link=28973 ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ) إذا لمع البرق بشدة مفاجئا من هو في ظلمة فإنه يؤثر في بصره تأثيرا يكاد يخطفه ، والخطف : هو الأخذ بسرعة ، ولكنه يتبين به جزءا من الطريق فيمشي فيه خطوات ثم يعتكر عليه الظلام وتستحوذ عليه المخاوف والأوهام فيقف في مكانه ، أو يعود البرق إلى لمعانه ، ويحاكي هذا من حال الممثل بهم أنه عند ما يدعوهم الداعي إلى أصل الدين ، ويوضح لهم سبب ما هم فيه من البلاء المبين ، ويتلو عليهم الآيات البينة ، ويقيم لهم الحجج القيمة على أنهم تنكبوا الصراط السوي وأصيبوا بالداء الدوي ، يظهر لهم الحق فيعزمون على اتباعه ، وتسير أفكارهم في نوره بعض خطوات ، ولكن لا يعتمون أن تعود إليهم عتمة التقليد وظلمة الشهوات ، وغبسة الأهواء والشبهات . فتقيد الفكر وإن لم تقف سيره وإنما تعود به إلى الحيرة - كما تقدم في أول الكلام ثم يتكرر النظر في تضاعيفها بطريق الالتفات والإلمام . وفيه : أنهم على سوء الحال وخطر المآل لم تنقطع منهم الآمال ، كما انقطعت من أصحاب المثل الأول الذين وصفوا بالصم البكم العمي ولذلك قال فيهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ) حتى لا ينجع فيهم وعظ واعظ ، ولا تفيدهم هداية هاد ، ولم يقل : إنه ذهب بنورهم كما ذهب بنور أولئك وسلبهم كل أنواع الهدى والرشاد فوقع اليأس من رجوعهم إلى الحق . وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20ولو شاء الله ) إلخ رجوع إلى بيان حال من ضرب فيهم المثل لا من تتمة المثل ، وقد كنى عنهم بالضمير هنا ؛ لأن المثل قد تم بعد ما ذكرهم في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19والله محيط بالكافرين ) بالوصف الذي اقتضى التمثيل ، هذا ما قاله شيخنا ، وهو أحد قولين للمفسرين ، ومنهم من جعله تتمة للمثل نفسه ، والمقصود من ضرب
[ ص: 150 ] فيهم المثل ، على أن كلا من المعنيين صحيح لا ينافي الآخر ، وكلام بعضهم يمنع الجمع ، فقد قال
البغوي : ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم الظاهرة ، كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنة ا هـ .
وهو خطأ بياني فإن الباطنة هي المقصود من الظاهرة بأسلوب التشبيه البليغ وهو الاستعارة . ومع هذا فقد جعله شيخنا في صنف منهم غير الموصوفين بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=18صم بكم عمي ) وكلامه أظهر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20إن الله على كل شيء قدير ) ليس عندي عن أستاذنا شيء في هذه الجملة ، ومعناها واضح لا يحتاج إلى تفسير ، ولكن قال بعض المفسرين : إن " قدير " بمعنى قادر ، ومثله كل صيغة مبالغة في أسمائه تعالى ؛ لأنه لا تفاوت فيها ، وفيه أن المبالغة في الكلام ، لأجل التأثير في الإفهام ، فقوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109علام الغيوب " أبلغ من قوله : " عالم الغيب " ولكل منهما موقع ، وهاهنا لما هدد المنافقين بأنه لو شاء أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها ، علله بأنه على كل شيء قدير ، للإعلام بأن تعلق مشيئته يتصل به تعلق قدرته ، فما شاء كان قطعا ؛ لأنه لا يعجزه شيء ، وتأثير الأسباب في مسبباتها منوط بمشيئته تعالى .
( تنبيه صادع في تطبيق القرآن على ما هو واقع )
( وظهور معاني الأمثال المضروبة للمنافقين ، في كثير من العلماء والعامة من المسلمين ) عقب الأستاذ تفسير هذه الآيات بتنبيه ارتاع له الخامل والنبيه ، ذلك أنه بين أن القرآن هاد ومرشد إلى يوم القيامة ، وأن معانيه عامة شاملة ، فلا يعد ويوعد ويعظ ويرشد أشخاصا مخصوصين ، وإنما نيط وعده ووعيده وتبشيره وإنذاره بالعقائد والأخلاق والعادات والأعمال التي توجد في الأمم والشعوب ، فلا يغترن أحد بقول بعض المفسرين : إن هذه الآيات نزلت في المنافقين الذين كانوا في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيتوهم أنها لا تتناوله وإن كانت منطبقة عليه ؛ لأنه لم يتخذ القرآن إماما وهاديا ، ولم يستعمل عقله ومشاعره فيما خلقت له بل اكتفى عن ذلك بتقليد آبائه ومعاصريه في كل ما هم فيه ، ذكر ذلك عند بيان وجه الاتصال بين الآيات السابقة وما بعدها ، فقال بعد تلاوة الآية التالية ما معناه :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=28973_28902أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
[ ص: 145 ] هَذَا هُوَ مَثَلُ الْفَرِيقِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الصِّنْفِ مِنَ النَّاسِ ، الَّذِي كَانَ أَفْرَادُهُ وَلَا يَزَالُونَ فِتْنَةً لِلْبَشَرِ ، وَمَرَضًا فِي الْأُمَمِ وَحُجَّةً عَلَى الدِّينِ ، لِأَنَّهُمْ بِغُرُورِهِمْ بِتَقَالِيدِهِمُ الَّتِي اكْتَفَوْا بِهَا مِنْ دِينِهِمُ الْمَوْرُوثِ ، يَعْبَثُونَ بِعُقُولِهِمْ ، وَيَلْهُونَ بِخَيَالَاتِهِمْ ، وَيَجْنُونَ عَلَى مَشَاعِرِهِمْ وَمَدَارِكِهِمْ فَيُضَعِّفُونَهَا ، وَيُصَارِعُونَ الْفِطْرَةَ الْإِلَهِيَّةَ فَيَصْرَعُونَهَا ، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ كَالْجَمَادَاتِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=18صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَثَلِ الْأَوَّلِ ، وَيَأْلَفُ الْبَعْضُ الْآخَرُ الظُّلْمَةَ بِطُولِ التَّقْلِيدِ ، وَيَكُونُ أَفْرَادُهُ فِي نُورِ الْبُرْهَانِ كَالْخَفَافِيشِ فِي نُورِ الشَّمْسِ وَلَكِنَّهُمْ أَمْثَلُ مِنَ الْفَرِيقِ الَّذِي ضُرِبَ لَهُ الْمَثَلُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ فِيهِمْ بَقِيَّةً مِنَ الرَّجَاءِ وَرَمَقًا مِنَ الْحَيَاةِ ، يُوَجِّهُهُمْ إِلَى الِاقْتِبَاسِ مِنْ نُورِ الْهِدَايَةِ كُلَّمَا أَضَاءَتْ لَهُمْ بُرُوقُهَا ، وَالْمَشْيِ فِي الْجَادَّةِ كُلَّمَا اسْتَبَانُوا طَرِيقَهَا ، وَلَكِنْ تَحُولُ دُونَ ذَلِكَ ظُلُمَاتُ التَّقَالِيدِ الْعَارِضَةُ ، وَتَقِفُ فِي السَّبِيلِ عَقَبَاتُ الْبِدَعِ الْمُعَارِضَةُ ، وَقَدْ يُعِدُّهُمْ لِاسْتِمَاعِ قَوَارِعِ الْآيَاتِ الَّتِي تُنْذِرُهُمْ بِمَا حَرَّفُوا ، وَصَوَادِعِ الْحُجَجِ الَّتِي تُبَيِّنُ لَهُمْ كَيْفَ انْحَرَفُوا ، وَلَا يَصُدُّهُمْ عَنْهَا إِلَّا أَنَّهَا تُزْعِجُهُمْ إِلَى تَرْكِ مَا صَنَّفُوا وَأَلَّفُوا ، وَهَجْرِ مَا أَحَبُّوا وَأَلِفُوا ، وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِسُنَّةِ الْآبَاءِ ، وَقِلَّةِ الِاحْتِفَالِ بِعَظَمَةِ الرُّؤَسَاءِ ، فَهُمْ يَتَرَاوَحُونَ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ ، مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ أَهْلِ الْجَحُودِ وَأَهْلِ الْيَقِينِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=143لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ ) ، وَلَا يَنْقَطِعُ مِنْهُمُ الْأَمَلُ ، حَتَّى يَنْقَطِعَ بِهِمُ الْأَجَلُ .
أَلَا تَرَاهُمْ عِنْدَمَا يَقْرَعُ أَسْمَاعَهُمْ مِنْ كِتَابِ رَبِّهِمْ مَا يُبَيِّنُ فَسَادَ سِيرَتِهِمْ ، وَالْتِوَاءَ طَرِيقَتِهِمْ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي النَّعْيِ عَلَى أَمْثَالِهِمْ ، وَحِكَايَةِ مَا لَمْ يَرْضَهُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=22بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ) ( 43 : 22 ) إِلَخْ : وَقَوْلِهِ فِي بَيَانِ نَدَمِهِمْ عَلَى التَّقْلِيدِ ، عِنْدَمَا يَحُلُّ بِهِمُ الْوَعِيدُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=67رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ ) ( 33 : 67 ) يَأْخُذُهُمُ الزِّلْزَالُ ، وَيَتَوَلَّاهُمُ الِاضْطِرَابُ وَالْقَلَقُ ، وَتَنْشَقُّ لَهُمُ الظُّلْمَةُ عَنْ فَلَقٍ ، وَيَلْمَعُ فِي نُفُوسِهِمْ نُورُ الْهِدَايَةِ الْفِطْرِيَّةِ فَيَمْشُونَ فِيهِ خُطُوَاتٍ ، ثُمَّ تُحِيطُ بِهِمُ الظُّلُمَاتُ وَيَنْقَطِعُ بِهِمُ الطَّرِيقُ كَمَا أَلْمَعْنَا آنِفًا ، وَأَسْبَابُ غَلَبَةِ الظُّلُمَاتِ عَلَى النُّورِ : هِيَ مُوَافَقَةُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ ، وَالْإِخْلَادُ إِلَى الْهَوَى ، وَتَفْضِيلُ عَرَضِ هَذَا الْأَدْنَى ، وَانْتِظَارُ الْمَغْفِرَةِ وَلَوْ بِمَا تَأَوَّلُوهُ فِي مَعْنَى الشَّفَاعَةِ ، وَتَمَنِّي الرِّبْحِ مِنْ غَيْرِ بِضَاعَةٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=169يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ ) ( 7 : 169 ) بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ مَدْرُوسٌ بِجَدَلِيَّاتِ النَّحْوِ وَالْكَلَامِ ، وَلَكِنَّهُ دَارِسُ الصُّوَى وَالْأَعْلَامِ الْمَنْصُوبَةِ لِهِدَايَةِ الْقُلُوبِ وَالْأَحْلَامِ ، وَمَقْرُوءٌ بِالتَّجْوِيدِ وَالْأَنْغَامِ ، وَلَكِنَّهُ مَتْرُوكُ الْحُكْمِ وَالْأَحْكَامِ ، يَقْرَءُونَهُ لِكَسْبِ الْحُطَامِ لَا لِمَعْرِفَةِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، وَلَا يَتْلُونَهُ لِإِصْلَاحِ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ بِتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَتَغْذِيَةِ الْإِيمَانِ ، وَيَكْتُبُونَهُ لِشِفَاءِ الْأَبْدَانِ مِنَ الْأَسْقَامِ
[ ص: 146 ] لَا لِشِفَاءِ مَا فِي الصُّدُورِ مِنَ الْأَوْهَامِ وَالْآثَامِ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَنْصَارٌ يَدْعُونَ إِلَيْهِ ، وَهُدَاةٌ يَعْتَصِمُونَ بِهِ وَيُعَوِّلُونَ عَلَيْهِ ، لَتَبَدَّدَتِ الظُّلُمَاتُ أَمَامَ الْأَنْوَارِ ، وَمَحَتْ آيَةَ اللَّيْلِ آيَةُ النَّهَارِ .
تِلْكَ الْإِرْشَادَاتُ الْإِلَهِيَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَطَرِ الَّذِي يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ ، وَالزِّلْزَالُ وَالِاضْطِرَابُ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الرَّعْدِ ، وَاسْتِبَانَةُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي يَلْمَعُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ ذَلِكَ كَالْبَرْقِ ، وَالْعَادَاتِ وَالتَّقَالِيدِ وَالشَّهَوَاتِ وَالْخَوْفِ مِنْ ذَمِّ الْجَمَاهِيرِ عِنْدَ الْعَمَلِ بِمَا يُخَالِفُهُمْ كَالظُّلُمَاتِ الَّتِي تَصُدُّ عَنْ سُلُوكِ الطَّرِيقِ بَلْ تُعَمِّيهِ عَلَى طَالِبِهِ وَتَحْجُبُهُ عَنْهُ ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى فِي تَمْثِيلِ حَالِ هَذَا الْفَرِيقِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ ) أَيْ قَوْمٍ نَزَلَ بِهِمْ صَيِّبٌ ، وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الصَّيِّبَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ السَّمَاءِ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يَمْلِكُونَ دَفْعَهُ وَلَيْسَ مِلَاكُهُ فِي أَيْدِيهِمْ ، وَمِنَ الْمَعْهُودِ عِنْدَ بُلَغَاءِ الْعَرَبِ التَّعْبِيرُ عَمَّا يُلِمُّ بِالنَّاسِ مِمَّا لَا دَافِعَ لَهُ بِأَنَّهُ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ . وَلَا جَرَمَ أَنَّ تِلْكَ السَّوَانِحَ الَّتِي تَسْنَحُ فِي الْأَفْكَارِ ، وَالْإِلْهَامَاتِ الْإِلَهِيَّةَ لِأَصْحَابِ الْفِطْرَةِ الذَّكِيَّةِ الَّتِي يَكُونُ مِنْ أَثَرِهَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْمَثَلُ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ ، هِيَ أَمْرٌ وَهَبِيٌّ وَاقِعٌ مَالَهُ مِنْ دَافِعٍ .
قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ الصَّيِّبِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ ) الظُّلُمَاتُ : هِيَ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ وَظُلْمَةُ السُّحُبِ وَظُلْمَةُ الصَّيِّبِ نَفْسِهِ ، وَالرَّعْدُ : هُوَ الصَّوْتُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يُسْمَعُ فِي السَّحَابِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِ أَحْيَانًا ، وَالْبَرْقُ : هُوَ الضَّوْءُ الَّذِي يَلْمَعُ فِي السَّحَابِ فِي الْغَالِبِ ، وَقَدْ يَلْمَعُ مِنَ الْأُفُقِ حَيْثُ لَا سَحَابَ ، وَقَالَ مُفَسِّرُنَا الْجَلَالُ السُّيُوطِيُّ : إِنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ أَوْ صَوْتُهُ ، وَالْبَرْقَ سَوْطُهُ يَسُوقُ بِهِ السَّحَابَ ، كَأَنَّ الْمَلَكَ جِسْمٌ مَادِّيٌّ ؛ لِأَنَّ الصَّوْتَ الْمَسْمُوعَ بِالْآذَانِ مِنْ خَصَائِصِ الْأَجْسَامِ ، وَكَأَنَّ السَّحَابَ حِمَارٌ بَلِيدٌ لَا يَسِيرُ إِلَّا إِذَا زُجِرَ بِالصُّرَاخِ الشَّدِيدِ وَالضَّرْبِ الْمُتَتَابِعِ ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يَفْهَمُهُ الْعَرَبُ مِنَ اللَّفْظَيْنِ ، وَهُوَ الَّذِي يَفْهَمُهُ النَّاسُ الْيَوْمَ ، وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الْأَلْفَاظِ عَنْ مَعَانِيهَا الْحَقِيقِيَّةِ إِلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا صُرِفَتْ عَنْ مَعَانٍ مِنْ عَالَمِ الشَّهَادَةِ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْوَاضِعُونَ وَالْمُتَكَلِّمُونَ إِلَى مَعَانٍ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ أَعْلَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهَا بِالْوَحْيِ ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ وَلِعُوا بِحَشْوِ تَفَاسِيرِهِمْ بِالْمَوْضُوعَاتِ الَّتِي نَصَّ الْمُحَدِّثُونَ عَلَى كَذِبِهَا ، كَمَا وَلِعُوا بِحَشْوِهَا بِالْقِصَصِ وَالْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الَّتِي تَلَقَّفُوهَا مِنْ أَفْوَاهِ
الْيَهُودِ وَأَلْصَقُوهَا بِالْقُرْآنِ لِتَكُونَ بَيَانًا لَهُ وَتَفْسِيرًا ، وَجَعَلُوا ذَلِكَ مُلْحَقًا بِالْوَحْيِ ، وَالْحَقُّ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلْحَاقُ شَيْءٍ بِالْوَحْيِ غَيْرَ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ أَلْفَاظُهُ وَأَسَالِيبُهُ ، إِلَّا مَا ثَبَتَ بِالْوَحْيِ عَنِ الْمَعْصُومِ الَّذِي جَاءَ بِهِ ثُبُوتًا لَا يُخَالِطُهُ الرَّيْبُ .
أَقُولُ : هَذَا مَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ فِي الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ رَدًّا عَلَى الْجَلَالِ فِيمَا تَبِعَ فِيهِ مَا رُوِيَ فِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ وَلَا يَصَحُّ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَأَمْثِلَةُ مَا رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ مِنْ سُؤَالِ
الْيَهُودِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَقَدْ رَأَيْنَا
السُّيُوطِيَّ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ هَذِهِ
[ ص: 147 ] الرِّوَايَاتِ شَيْئًا فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ مِنْ كِتَابِهِ ( الدُّرُّ الْمَنْثُورُ ) الْمُخَصَّصُ لِنَقْلِ الْمَأْثُورِ ، وَكَذَلِكَ
ابْنُ كَثِيرٍ ، وَكَأَنَّ هَذَا عَدَّهُ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ مَعَ عَدَمِ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ فِيهِ ، وَفَسَّرَهُمَا
الْبَغَوِيُّ بِمَفْهُومِهِمَا
اللُّغَوِيِّ ، فَقَالَ فِي الرَّعْدِ : هُوَ الصَّوْتُ الَّذِي يُسْمَعُ مِنَ السَّحَابِ وَفِي الْبَرْقِ : هُوَ النَّارُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهُ ، ثُمَّ قَالَ : قَالَ
عَلِيٌّ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ : الرَّعْدُ اسْمُ مَلَكٍ يَسُوقُ السَّحَابَ . وَالْبَرْقُ : لَمَعَانُ سَوْطٍ مِنْ نُورٍ يَزْجُرُ بِهِ الْمَلَكُ السَّحَابَ .
وَقِيلَ : الصَّوْتُ زُجْرُ السَّحَابِ ، وَقِيلَ : تَسْبِيحُ الْمَلَكِ ، وَقِيلَ : الرَّعْدُ نُطْقُ الْمَلِكِ وَالْبَرْقُ ضَحِكُهُ ، وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : الرَّعْدُ اسْمُ الْمَلَكِ وَيُقَالُ لِصَوْتِهِ أَيْضًا رَعْدٌ ، وَالْبَرْقُ اسْمُ مَلَكٍ يَسُوقُ السَّحَابَ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16128شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ : الرَّعْدُ مَلَكٌ يُزْجِي السُّحُبَ فَإِذَا تَبَدَّدَتْ ضَمَّهَا ، فَإِذَا اشْتَدَّ غَضَبُهُ طَارَتْ مِنْ فِيهِ النَّارُ فَهِيَ الصَّوَاعِقُ ، وَقِيلَ : الرَّعْدُ انْخِرَاقُ الرِّيحِ بَيْنَ السَّحَابِ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ . ا هـ . وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ ؛ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ عِنْدَهُ مِمَّا ذَكَرَهُ فِيمَا يَظْهَرُ .
أَقُولُ : وَلَا شَكَّ عِنْدِي فِي أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا مِمَّا كَانَ يُذِيعُهُ مِثْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16850كَعْبِ الْأَحْبَارِ nindex.php?page=showalam&ids=17285وَوَهَبِ بْنِ مُنَبِّهٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ ، وَلَوْ صَحَّ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ بِسَمَاعٍ صَحِيحٍ لَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ لَمَا وَقَعَ فِيهِ مِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ ، وَلَأَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَالْإِشَارَةَ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَظَاهِرَ الْكَوْنِيَّةَ تَقَعُ بِفِعْلِ مَلَكٍ مُوَكَّلٍ بِالسَّحَابِ ، وَلَكِنْ لَا حَاجَةَ إِلَى ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ صِحَّةِ شَيْءٍ فِي الْمَسْأَلَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28734وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ ، وَهُمْ لَا يَرَاهُمُ النَّاسُ إِلَّا إِذَا تَمَثَّلُوا لِنَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ عَلَى سَبِيلِ الْمُعْجِزَةِ أَوِ الْإِرْهَاصِ ، كَتَمَثُّلِ الرُّوحِ لِلسَّيِّدَةِ
مَرْيَمَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - ، وَرُؤْيَةِ الصَّحَابَةِ
لِجِبْرِيلَ فِي حَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصُورَةِ رَجُلٍ يَسْأَلُ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ ، وَالْبَرْقُ مِنْ عَالَمِ الشَّهَادَةِ لَا مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ .
وَقَوْلُ
الْبَغَوِيِّ : وَقِيلَ : الرَّعْدُ انْخِرَاقُ الرِّيحِ بَيْنَ السَّحَابِ ، يُرِيدُ بِهِ قَوْلَ
فَلَاسِفَةِ الْيُونَانِ الَّذِي اغْتَرَّ بِهِ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ ، قَالَ
الْبَيْضَاوِيُّ : وَالرَّعْدُ صَوْتٌ يُسْمَعُ مِنَ السَّحَابِ .
وَالْمَشْهُورُ أَنَّ سَبَبَهُ اضْطِرَابُ أَجْرَامِ السَّحَابِ وَاصْطِكَاكُهَا إِذَا حَدَتْهَا الرِّيحُ مِنَ الِارْتِعَادِ . ا هـ .
وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ . وَالسَّحَابُ : بُخَارٌ لَا يُحْدِثُ اضْطِرَابُهُ صَوْتًا .
وَقَالَ تَعَالَى فِي أَصْحَابِ الصَّيِّبِ :
nindex.php?page=treesubj&link=28973 ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ) الصَّاعِقَةُ هِيَ مَا كَانَ يَعْرِفُهُ الْعَرَبُ وَيَعْرِفُهُ كُلُّ وَاحِدٍ ، وَهِيَ مَا يَنْزِلُ فِي أَثْنَاءِ الْمَطَرِ وَالْبَرْقِ وَالرَّعْدِ فَيَصْعَقُ مَا يَنْزِلُ بِهِ ، بِأَنْ يَهْلِكَ أَوْ يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ ، وَمَا تَفْسِيرُنَا لِلْبَرْقِ وَالرَّعْدِ وَالصَّاعِقَةِ مَعَ كَوْنِهَا مَعْرُوفَةً لِكُلِّ النَّاسِ إِلَّا لِأَنَّ الْمُفَسِّرِينَ صَرَفُوا أَفْهَامَهُمْ عَنِ الْمَعْرُوفِ إِلَى غَيْرِهِ ، كَمَا حُكِيَ عَنْ (
أَرِسْطُو ) حَكِيمِ قُدَمَاءِ الْيُونَانِ أَنَّ تَلَامِيذَهُ سَأَلُوهُ عَنْ تَعْرِيفِ الْحَرَكَةِ ، فَقَامَ وَمَشَى ، وَمَا أَنْطَقَهُمْ بِالسُّؤَالِ عَنْهَا عَلَى بَدَاهَتِهَا إِلَّا أَنَّهُمُ اعْتَادُوا أَنْ يَسْمَعُوا مِنَ
الْفَلَاسِفَةِ أَقْوَالًا فِي الْأُمُورِ الْجَلِيَّةِ تَجْعَلُهَا غَامِضَةً خَفِيَّةً .
[ ص: 148 ] أَمَّا حَقِيقَةُ الْبَرْقِ وَالرَّعْدِ وَالصَّاعِقَةِ وَأَسْبَابُ حُدُوثِهَا فَلَيْسَ مِنْ مَبَاحِثِ الْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عِلْمِ الطَّبِيعَةِ - أَيِ الْخَلِيقَةِ - وَحَوَادِثِ الْجَوِّ الَّتِي فِي اسْتِطَاعَةِ النَّاسِ مَعْرِفَتُهَا بِاجْتِهَادِهِمْ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْوَحْيِ ، وَإِنَّمَا تُذْكَرُ الظَّوَاهِرُ الطَّبِيعِيَّةُ فِي الْقُرْآنِ لِأَجْلِ الِاعْتِبَارِ وَالِاسْتِدْلَالِ ، وَصَرْفِ الْعَقْلِ إِلَى الْبَحْثِ الَّذِي يَقْوَى بِهِ الْفَهْمُ وَالدِّينُ ، وَالْعِلْمُ بِالْكَوْنِ يَنْمَى وَيَضْعُفُ فِي النَّاسِ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ . فَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَعْتَقِدُونَ فِي بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ أَنَّ الصَّوَاعِقَ تَحْدُثُ مِنْ أَجْسَامٍ مَادِّيَّةٍ ، لِمَا كَانَ يَشُمُّونَهُ فِي مَحَلِّ نُزُولِهَا مِنْ رَائِحَةِ الْكِبْرِيتِ وَغَيْرِهِ ، وَرَجَعُوا عَنْ هَذَا الِاعْتِقَادِ فِي زَمَنٍ آخَرَ مُلَاحِظِينَ أَنَّ تِلْكَ الرَّائِحَةَ لَا تَكُونُ دَائِمًا فِي مَحَلِّ الصَّاعِقَةِ ، وَقَدْ ظَهَرَ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنَّ فِي الْكَوْنِ سَيَّالًا يُسَمُّونَهُ الْكَهْرَبَاءَ ، مِنْ آثَارِهِ مَا تَرَوْنَ مِنَ التِّلِغْرَافِ وَالتِّلِيفُونِ وَالتُّرَامْوَايْ ، وَهَذِهِ الْأَضْوَاءُ السَّاطِعَةُ فِي الْبُيُوتِ وَالْأَسْوَاقِ ، مِنْ غَيْرِ شُمُوعٍ وَلَا زَيْتٍ وَلَا ذُبَالٍ ، وَإِنَّمَا تَكُونُ بِاتِّصَالِ سِلْكَيْنِ دَقِيقَيْنِ كَالْخُيُوطِ الَّتِي تُخَاطُ بِهَا الثِّيَابُ ، أَحَدُهُمَا : يَحْمِلُ أَوْ يُوَصِّلُ السَّيَّالَ الْكَهْرَبَائِيَّ الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْمُوجَبَ ، وَالْآخَرُ : يُوَصِّلُ السَّيَّالِ الْمُسَمَّى بِالسَّالِبِ ، وَبِاتِّصَالُ السِّلْكَيْنِ يَتَوَلَّدُ النُّورُ مِنْ تَلَاقِي السَّيَّالَيْنِ ، وَبِانْقِطَاعِهِمَا أَوِ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا يَنْفَصِلُ السَّيَّالَانِ ، فَيَنْقَطِعُ الضَّوْءُ مِنَ الْمَصَابِيحِ وَالْحَرَكَةِ مِنَ الْآلَاتِ ، وَالْكَهْرَبَائِيَّةِ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَالْبَرْقُ فِي السَّحَابِ يَتَوَلَّدُ مِنَ اتِّصَالِ نَوْعَيْهَا : الْمُوجَبِ ، وَالسَّالِبِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، كَمَا يَتَوَلَّدُ فِي الْأَرْضِ بِعَمَلِ الْإِنْسَانِ ، وَقَدِ اسْتَنْزَلَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْكَهْرَبَائِيَّةِ قَبَسَ الصَّاعِقَةِ مِنَ السَّحَابِ إِلَى الْأَرْضِ ، وَالصَّاعِقَةُ مِنْ أَثَرِ الْكَهْرَبَائِيَّةِ ، وَهِيَ تَفْرِيغُ السَّحَابِ طَائِفَةً مِنْهَا فِي مَكَانٍ لِجَاذِبٍ فِي الْأَرْضِ يَجْذِبُهُ ، وَكَثِيرًا مَا حَصَلَ الصَّعْقُ لِعُمَّالِ التِّلِغْرَافِ ، لِمَا بَيْنَ السَّحَابِ وَالْأَسْلَاكِ مِنَ الْجَاذِبِيَّةِ ، وَمَعْرِفَةُ النَّاسِ بِالسَّبَبِ الْحَقِيقِيِّ لِلصَّوَاعِقِ هَدَاهُمْ إِلَى حِفْظِ الْأَبْنِيَةِ الشَّاهِقَةِ مِنْهَا بِاتِّخَاذِ الْقَضِيبِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي يُسَمَّى قَضِيبَ الصَّاعِقَةِ ، فَلَا تَنْزِلُ الصَّوَاعِقُ عَلَى بِنَاءٍ رُفِعَ فَوْقَهُ هَذَا الْقَضِيبُ ، وَلَا مَجَالَ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لِلتَّطْوِيلِ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الطَّبِيعِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا تُطْلَبُ مِنْ فُنُونِهَا الْخَاصَّةِ بِهَا ، فَلْنَعُدْ إِلَى بَيَانِ الْمَثَلِ .
اسْتَحْضِرْ حَالَ قَوْمٍ مُشَاةٍ فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ نَزَلَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ مَا أَقْبَلَ ظَلَامُ اللَّيْلِ صَيِّبٌ مِنَ السَّمَاءِ قَصَفَتْ رُعُودُهُ ، وَلَمَعَتْ بُرُوقُهُ ، وَتَصَوَّرْ كَيْفَ يَهْوُونَ بِأَصَابِعِهِمْ إِلَى آذَانِهِمْ كُلَّمَا حَدَثَ قَاصِفٌ مِنَ الرَّعْدِ لِيَدْفَعُوا شِدَّةَ وَقْعِهِ بِسَدِّ مَنَافِذِ السَّمْعِ بِرُءُوسِ الْأَنَامِلِ ، وَعَبَّرَ عَنِ الْأَنَامِلِ بِالْأَصَابِعِ هَذَا التَّعْبِيرَ الْمَجَازِيَّ اللَّطِيفَ لِلْإِشْعَارِ بِشِدَّةِ عِنَايَتِهِمْ بِسَدِّ آذَانِهِمْ ، وَمُبَالَغَتِهِمْ فِي إِدْخَالِ أَنَامِلِهِمْ فِي صَمَالِيخِهَا ، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحَاوِلُ بِمَا دَهَمَهُ مِنَ الْخَوْفِ أَنْ يَغْرِسَ إِصْبَعَهُ كُلَّهَا فِي أُذُنِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلصَّوْتِ مَنْفَذٌ إِلَى سَمْعِهِ ، لِمَا يَحْذَرُهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْمَوْتِ الزُّؤَامِ ، وَمُعَاجَلَةِ الْحِمَامِ ، وَهَذَا هُوَ الْجُبْنُ الْخَالِعُ ، وَمُنْتَهَى حُدُودِ الْحَمَاقَةِ ؛ لِأَنَّ سَدَّ الْآذَانِ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ الْوِقَايَةِ
[ ص: 149 ] مِنْ أَخْذِ الصَّاعِقَةِ وَنُزُولِ الْمَوْتِ ، وَالْمَوْتُ : فَقْدُ الْحَيَاةِ بِمُفَارَقَةِ الرَّوْحِ لِلْبَدَنِ ، وَخَلْقُ اللَّهِ لَهُ عِبَارَةٌ عَنْ تَقْدِيرِهِ ، أَوْ عَنْ قَبْضِهِ لِلرُّوحِ وَتَوَفِّيهِ لِلنَّفْسِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ) يُرْشِدُنَا فِي أَثْنَاءِ شَرْحِ الْمَثَلِ وَتَقْرِيرِهِ إِلَى حَالِ مَنْ ضُرِبَ فِيهِمُ الْمَثَلُ لِئَلَّا يُذْهِلَنَا مَا نَتَصَوَّرُهُ مَنْ حَالِ الْمُشَبَّهِ بِهِ عَنْ حَالِ الْمُشَبَّهِ الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ ، وَهُوَ أَنَّ التَّصَامُمَ وَالْهُرُوبَ مِنْ سَمَاعِ آيَاتِ الْحَقِّ ، وَالْحَذَرَ مِنْ صَوَاعِقِ بَرَاهِينِهِ السَّاطِعَةِ أَنْ تَذْهَبَ بِتَقَالِيدِهِمُ الَّتِي يَرَوْنَ حَيَاتَهُمُ الْمَلِيَّةَ مُرْتَبِطَةً بِهَا لَا يُفِيدُهُمْ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُحِيطٌ بِهِمْ ، وَمُطَّلِعٌ عَلَى سَرَائِرِهِمْ وَعَالَمٌ بِمَا فِي ضَمَائِرِهِمْ ، وَقَادِرٌ عَلَى أَخْذِهِمْ أَيْنَمَا كَانُوا ، وَفِي أَيِّ طَرِيقٍ سَلَكُوا ، فَلَا يَهْرُبُونَ مِنْ بُرْهَانٍ إِلَّا وَيُفَاجِئُهُمْ بِرِهَانٌ آخَرُ ، كَالْغَرِيقِ يَدْفَعُهُ مَوْجٌ وَيَتَلَقَّاهُ مَوْجٌ حَتَّى يَقْذِفَ بِهِ إِلَى سَاحِلِ النَّجَاةِ ، أَوْ يَدْفَعُهُ إِلَى هَاوِيَةِ الْعَدَمِ ، وَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ) وَلَمْ يَقُلْ : مُحِيطٌ بِهِمْ ، أَقُولُ : فَوَضْعُ الِاسْمِ الْمُظْهَرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّهُمْ إِنَّمَا كَانُوا كَذَلِكَ بِكُفْرِهِمْ وَأَنَّ ذَلِكَ يَرِدُ فِي أَمْثَالِهِمْ . وَالْمُرَادُ بِالْإِحَاطَةِ هُنَا إِحَاطَةُ الْقُدْرَةِ . فَمَنْ لَمْ يُمِتْهُ بِأَخْذِ الصَّاعِقَةِ أَمَاتَهُ بِغَيْرِهَا ، تَنَوَّعَتِ الْأَسْبَابُ وَالْمَوْتُ وَاحِدٌ . وَالْمُحِيطُ بِالشَّيْءِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَفُوتَهُ وَيَنْفَلِتَ مِنْ قَبْضَتِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28973 ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ) إِذَا لَمَعَ الْبَرْقُ بِشِدَّةٍ مُفَاجِئًا مَنْ هُوَ فِي ظُلْمَةٍ فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي بَصَرِهِ تَأْثِيرًا يَكَادُ يَخْطَفُهُ ، وَالْخَطْفُ : هُوَ الْأَخْذُ بِسُرْعَةٍ ، وَلَكِنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِهِ جُزْءًا مِنَ الطَّرِيقِ فَيَمْشِي فِيهِ خُطُوَاتٍ ثُمَّ يَعْتَكِرُ عَلَيْهِ الظَّلَامُ وَتَسْتَحْوِذُ عَلَيْهِ الْمَخَاوِفُ وَالْأَوْهَامُ فَيَقِفُ فِي مَكَانِهِ ، أَوْ يَعُودُ الْبَرْقُ إِلَى لَمَعَانِهِ ، وَيُحَاكِي هَذَا مِنْ حَالِ الْمُمَثَّلِ بِهِمْ أَنَّهُ عِنْدَ مَا يَدْعُوهُمُ الدَّاعِي إِلَى أَصْلِ الدِّينِ ، وَيُوَضِّحُ لَهُمْ سَبَبَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ الْمُبِينِ ، وَيَتْلُو عَلَيْهِمُ الْآيَاتِ الْبَيِّنَةَ ، وَيُقِيمُ لَهُمُ الْحُجَجَ الْقَيِّمَةَ عَلَى أَنَّهُمْ تَنْكَبُّوا الصِّرَاطَ السَّوِيَّ وَأُصِيبُوا بِالدَّاءِ الدَّوِيِّ ، يَظْهَرُ لَهُمُ الْحَقُّ فَيَعْزِمُونَ عَلَى اتِّبَاعِهِ ، وَتَسِيرُ أَفْكَارُهُمْ فِي نُورِهِ بَعْضَ خُطُوَاتٍ ، وَلَكِنْ لَا يَعْتِمُونَ أَنْ تَعَوُدَ إِلَيْهِمْ عَتَمَةُ التَّقْلِيدِ وَظُلْمَةُ الشَّهَوَاتِ ، وَغُبْسَةُ الْأَهْوَاءِ وَالشُّبَهَاتِ . فَتُقَيِّدُ الْفِكْرَ وَإِنْ لَمْ تُقِفْ سَيْرَهُ وَإِنَّمَا تَعُودُ بِهِ إِلَى الْحَيْرَةِ - كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ ثُمَّ يَتَكَرَّرُ النَّظَرُ فِي تَضَاعِيفِهَا بِطَرِيقِ الِالْتِفَاتِ وَالْإِلْمَامِ . وَفِيهِ : أَنَّهُمْ عَلَى سُوءِ الْحَالِ وَخَطَرِ الْمَآلِ لَمْ تَنْقَطِعْ مِنْهُمُ الْآمَالُ ، كَمَا انْقَطَعَتْ مِنْ أَصْحَابِ الْمَثَلِ الْأَوَّلِ الَّذِينَ وُصِفُوا بِالصُّمِّ الْبُكْمِ الْعُمْيِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِيهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ) حَتَّى لَا يَنْجَعَ فِيهِمْ وَعْظُ وَاعِظٍ ، وَلَا تُفِيدَهُمْ هِدَايَةُ هَادٍ ، وَلَمْ يَقُلْ : إِنَّهُ ذَهَبَ بِنُورِهِمْ كَمَا ذَهَبَ بِنُورِ أُولَئِكَ وَسَلَبَهُمْ كُلَّ أَنْوَاعِ الْهُدَى وَالرَّشَادِ فَوَقَعَ الْيَأْسُ مِنْ رُجُوعِهِمْ إِلَى الْحَقِّ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ ) إِلَخْ رُجُوعٌ إِلَى بَيَانِ حَالِ مَنْ ضُرِبَ فِيهِمُ الْمَثَلُ لَا مِنْ تَتِمَّةِ الْمَثَلِ ، وَقَدْ كَنَّى عَنْهُمْ بِالضَّمِيرِ هُنَا ؛ لِأَنَّ الْمَثَلَ قَدْ تَمَّ بَعْدَ مَا ذَكَرَهُمْ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ) بِالْوَصْفِ الَّذِي اقْتَضَى التَّمْثِيلَ ، هَذَا مَا قَالَهُ شَيْخُنَا ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِلْمُفَسِّرِينَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ تَتِمَّةً لِلْمَثَلِ نَفْسِهِ ، وَالْمَقْصُودُ مَنْ ضُرِبَ
[ ص: 150 ] فِيهِمُ الْمَثَلُ ، عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ صَحِيحٌ لَا يُنَافِي الْآخَرَ ، وَكَلَامُ بَعْضِهِمْ يَمْنَعُ الْجَمْعَ ، فَقَدْ قَالَ
الْبَغَوِيُّ : وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمُ الظَّاهِرَةِ ، كَمَا ذَهَبَ بِأَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمُ الْبَاطِنَةِ ا هـ .
وَهُوَ خَطَأٌ بَيَانِيٌّ فَإِنَّ الْبَاطِنَةَ هِيَ الْمَقْصُودُ مِنَ الظَّاهِرَةِ بِأُسْلُوبِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ وَهُوَ الِاسْتِعَارَةُ . وَمَعَ هَذَا فَقَدْ جَعَلَهُ شَيْخُنَا فِي صِنْفٍ مِنْهُمْ غَيْرِ الْمَوْصُوفِينَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=18صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ) وَكَلَامُهُ أَظْهَرُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) لَيْسَ عِنْدِي عَنْ أُسْتَاذِنَا شَيْءٌ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ ، وَمَعْنَاهَا وَاضِحٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ ، وَلَكِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّ " قَدِيرٌ " بِمَعْنَى قَادِرٍ ، وَمِثْلُهُ كُلُّ صِيغَةِ مُبَالَغَةٍ فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفَاوُتَ فِيهَا ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي الْكَلَامِ ، لِأَجْلِ التَّأْثِيرِ فِي الْإِفْهَامِ ، فَقَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109عَلَّامُ الْغُيُوبِ " أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِهِ : " عَالِمُ الْغَيْبِ " وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَوْقِعٌ ، وَهَاهُنَا لَمَّا هَدَّدَ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ أَنْ يَذْهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ لَذَهَبَ بِهَا ، عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ تَعَلُّقَ مَشِيئَتِهِ يَتَّصِلُ بِهِ تَعَلَّقُ قُدْرَتِهِ ، فَمَا شَاءَ كَانَ قَطْعًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ ، وَتَأْثِيرُ الْأَسْبَابِ فِي مُسَبِّبَاتِهَا مَنُوطٌ بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى .
( تَنْبِيهٌ صَادِعٌ فِي تَطْبِيقِ الْقُرْآنِ عَلَى مَا هُوَ وَاقِعٌ )
( وَظُهُورُ مَعَانِي الْأَمْثَالِ الْمَضْرُوبَةِ لِلْمُنَافِقِينَ ، فِي كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْعَامَّةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) عَقَّبَ الْأُسْتَاذُ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَاتِ بِتَنْبِيهٍ ارْتَاعَ لَهُ الْخَامِلُ وَالنَّبِيهُ ، ذَلِكَ أَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ الْقُرْآنَ هَادٍ وَمُرْشِدٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَأَنَّ مَعَانِيَهُ عَامَّةٌ شَامِلَةٌ ، فَلَا يَعِدُ وَيُوعِدُ وَيَعِظُ وَيُرْشِدُ أَشْخَاصًا مَخْصُوصِينَ ، وَإِنَّمَا نِيطَ وَعْدُهُ وَوَعِيدُهُ وَتَبْشِيرُهُ وَإِنْذَارُهُ بِالْعَقَائِدِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْعَادَاتِ وَالْأَعْمَالِ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْأُمَمِ وَالشُّعُوبِ ، فَلَا يَغْتَرَّنَّ أَحَدٌ بِقَوْلِ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَيَتَوَهَّمُ أَنَّهَا لَا تَتَنَاوَلُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُنْطَبِقَةً عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّخِذِ الْقُرْآنَ إِمَامًا وَهَادِيًا ، وَلَمْ يَسْتَعْمِلْ عَقْلَهُ وَمَشَاعِرَهُ فِيمَا خُلِقَتْ لَهُ بَلِ اكْتَفَى عَنْ ذَلِكَ بِتَقْلِيدِ آبَائِهِ وَمُعَاصِرِيهِ فِي كُلِّ مَا هُمْ فِيهِ ، ذَكَرَ ذَلِكَ عِنْدَ بَيَانِ وَجْهِ الِاتِّصَالِ بَيْنَ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ وَمَا بَعْدَهَا ، فَقَالَ بَعْدَ تِلَاوَةِ الْآيَةِ التَّالِيَةِ مَا مَعْنَاهُ :