الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [ 9 - 12 ] قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها كذبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقاها

                                                                                                                                                                                                                                      قد أفلح من زكاها أي: زكى نفسه وطهرها من رجس النقائص والآثام، أو نماها بالعلم والعمل والوصول إلى الكمال وبلوغ الفطرة الأولى: وقد خاب من دساها أي: أخملها ووضع منها، بخذلانه إياها عن الهدى حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله تعالى. هذا ما قاله ابن جرير : وقال غيره: أي: نقص تزكيتها وأخفى استعدادها وفطرتها التي خلقت عليها بالجهالة والفسوق. وهو مأخوذ من: (دس الشيء في التراب)، أي: أدخله فيه وأخفاه. وأصل (دسى) دسس. كتقضى البازي. وجملة "قد أفلح" إلخ جواب القسم وحذف اللام للطول.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 6170 ] قال القاضي: وكأنه لما أراد به الحث على تكميل النفس والمبالغة فيه، أقسم عليه بما يدلهم على العلم بوجود الصانع ووجوب ذاته وكمال صفاته الذي هو أقصى درجات القوة النظرية ويذكرهم عظائم الإله ليحملهم على الاستغراق في شكر نعمائه الذي هو منتهى كمالات القوة العملية.

                                                                                                                                                                                                                                      وذهب الزمخشري إلى أن هذه الجملة كلام تابع لقوله: فألهمها فجورها وتقواها على سبيل الاستطراد. وجواب القسم محذوف تقديره: ليدمدمن الله عليهم، أي: على أهل مكة لتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما دمدم على ثمود، لأنهم كذبوا صالحا عليه السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد دل عليه قوله تعالى: كذبت ثمود بطغواها أي: بسبب طغيانها ومجاوزتها الحد في الفجور. فالطغوى مصدر. وجوز أن يراد به العذاب نفسه، على حذف مضاف أو بدونه مبالغة كما يوصف بغيره من المصادر، أي: كذبت بما أوعدت به من عذابها ذي الطغوى، كقوله: فأهلكوا بالطاغية فالطغوى على هذا من التجاوز عن الحد والزيادة في العذاب. والباء صلة "كذبت" وقوله تعالى: إذ انبعث أشقاها ظرف لـ "كذبت" أو (طغوى)، أي: حين قام أشقى ثمود لعقر ناقة صالح عليه السلام. وكانوا نهوا عن مسها بسوء، وأنذروا عاقبة المخالفة، كما قال تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية