[ ص: 6284 ] بسم الله الرحمن الرحيم
110- سورة النصر
مدنية، وآيها ثلاث.
وهي آخر سورة نزلت في رواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما.
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=682622أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، لما نزلت هذه السورة: إنه قد نعيت إلي نفسي. [ ص: 6285 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى:
[ 1 - 3 ]
nindex.php?page=treesubj&link=29677_30887_29081nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إذا جاء نصر الله والفتح nindex.php?page=treesubj&link=29677_29081nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=2ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا nindex.php?page=treesubj&link=19703_20009_20011_28723_31009_33142_34513_29081nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إذا جاء نصر الله أي: لدينه الحق على الباطل "والفتح" أي:
nindex.php?page=treesubj&link=29389فتح مكة الذي فتح الله بينه وبين قومه صلوات الله عليه، فجعل له الغلبة عليهم وضعف أمرهم في التمسك بعقائدهم الباطلة.
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=2ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا أي: ورأيت الناس من صنوف العرب وقبائلها عند ذلك يدخلون في دين الله، وهو دينك الذي جئتهم به لزوال ذلك الغطاء الذي كان يحول بينهم وبينه، وهو غطاء قوة الباطل فيقبلون عليه أفواجا طوائف وجماعات لا آحادا، كما كان في بدء الأمر أيام الشدة; إذ حصل ذلك كله وهو لا ريب حاصل.
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3فسبح بحمد ربك أي: فنزه ربك عن أن يهمل الحق ويدعه للباطل يأكله، وعن أن يخلف وعده في تأييده، وليكن هذا التنزيه بواسطة حمده والثناء عليه بأنه
nindex.php?page=treesubj&link=33679القادر الذي لا يغلبه غالب، والحكيم الذي إذا أمهل الكافرين ليمتحن قلوب المؤمنين، فلن يضيع أجر العاملين ولا يصلح عمل المفسدين. والبصير بما في قلوب المخلصين والمنافقين، فلا يذهب عليه رياء المفسدين، والبصير بما في قلوب المخلصين والمنافقين، فلا يذهب عليه
nindex.php?page=treesubj&link=18692رياء المرائين nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3واستغفره أي: اسأله أن يغفر لك ولأصحابك ما كان من القلق والضجر والحزن، لتأخر زمن النصر والفتح. والاستغفار إنما يكون بالتوبة الخالصة. والتوبة من القلق إنما تكون بتكميل الثقة بوعد الله، وتغليب هذه الثقة على خواطر النفس التي تحدثها الشدائد، وهو وإن كان مما يشق على نفوس البشر، ولكن الله علم أن نفس نبيه صلى الله عليه وسلم قد تبلغ ذلك الكمال;
[ ص: 6286 ] فلذلك أمره به، وكذلك تقاربه قلوب الكمل من أصحابه وأتباعه عليه السلام. والله يتقبل منهم.
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3إنه كان توابا أي: إنه سبحانه لا يزال يوصف بأنه كثير القبول للتوبة، لأنه رب يربي النفوس بالمحن، فإذا وجدت الضعف أنهضها إلى طلب القوة، وشدد همها بحسن الوعد، ولا يزال بها حتى تبلغ الكمال، وهي في كل منزلة تتوب عن التي قبلها، وهو سبحانه يقبل توبتها فهو التواب الرحيم. وكأن الله يقول: إذا حصل الفتح وتحقق النصر وأقبل الناس على الدين الحق، فقد ارتفع الخوف وزال موجب الحزن، فلم يبق إلا
nindex.php?page=treesubj&link=33143_33135تسبيح الله وشكره والنزوع إليه عما كان من خواطر النفس، فلن تعود الشدة تأخذ نفوس المخلصين ما داموا على تلك الكثرة في ذلك الإخلاص. ومن هذا أخذ النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمر قد تم ولم يبق له إلا أن يسير إلى ربه، فقال فيما روي عنه:
nindex.php?page=hadith&LINKID=683877« إنه قد نعيت إليه نفسه » . هذا ملخص ما أورده
الإمام في تفسيره.
تنبيهات:
الأول: قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : المراد بالفتح هاهنا فتح
مكة قولا واحدا; فإن أحياء العرب كانت تتلوم بإسلامها فتح مكة، يقولون: إن ظهر على قومه فهو نبي. فلما فتح الله عليه مكة، دخلوا في دين الله أفواجا، فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيمانا، ولم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام ولله الحمد والمنة. وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في (صحيحه)
nindex.php?page=hadith&LINKID=653963عن عمرو بن سلمة : كنا بماء ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم: ما للناس؟ ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله تعالى أرسله أوحى إليه، أو أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذلك الكلام وكأنما يغزى في صدري. وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق. فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم وبدر أبي قومي بإسلامهم.... الحديث. [ ص: 6287 ] الثاني: قال
الرازي: إذا حملنا الفتح على فتح مكة، فللناس في وقت نزول هذه السورة قولان:
أحدهما: أن فتح مكة كان سنة ثمان. ونزلت هذه السورة سنة عشر، وروي أنه
« عاش بعد نزول هذه السورة سبعين يوما » ; ولذلك سميت
nindex.php?page=treesubj&link=28883سورة التوديع.
ثانيهما: أن هذه السورة نزلت قبل فتح مكة، وهو وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينصره على أهل مكة وأن يفتحها عليه. ونظيره
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=85إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إذا جاء نصر الله والفتح يقتضي الاستقبال; إذ لا يقال فيما وقع: "إذا جاء" و: إذا وقع، وإذا صح القول صارت هذه الآية من جملة المعجزات; من حيث إنه خبر وجد مخبره بعد حين مطابقا له; والإخبار عن الغيب معجزة. انتهى.
قال
الحافظ ابن حجر في (فتح الباري):
nindex.php?page=showalam&ids=12201ولأبي يعلى، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3503199نزلت هذه السورة في أوسط أيام التشريق، في حجة الوداع « فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الوداع »
ثم قال: وسئلت عن قول الكشاف: أن سورة النصر نزلت في حجة الوداع أيام التشريق، فكيف صدرت بـ: (إذا) الدالة على الاستقبال؟ فأجبت بضعف ما نقله. وعلى تقدير صحته، فالشرط لم يتكمل بالفتح; لأن مجيء الناس أفواجا لم يكن كمل، فبقية الشرط مستقبل.
وقد أورد
الطيبي السؤال، وأجاب بجوابين:
أحدهما: أن (إذا) قد ترد بمعنى (إذ) كما في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=11وإذا رأوا تجارة الآية.
ثانيهما: أن كلام الله قديم. وفي كل من الجوابين نظر لا يخفى. انتهى كلامه.
الثالث: قال
الشهاب: المراد (بالناس) العرب. فـ (ال) عهدية. أو المراد الاستغراق
[ ص: 6288 ] العرفي والمراد عبدة الأصنام منهم; لأن نصارى تغلب لم يسلموا في حياته صلى الله عليه وسلم وأعطوا الجزية.
الرابع: روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها قالت:
nindex.php?page=hadith&LINKID=654585ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن نزلت عليه: nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إذا جاء نصر الله والفتح إلا يقول فيها: « سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي »
وفيه عنها أيضا:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650775كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: « سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي » يتأول القرآن.
قال
الحافظ ابن حجر: معنى (يتأول القرآن)، يجعل ما أمر به من التسبيح والتحميد والاستغفار، في أشرف الأوقات والأحوال.
وقال
ابن القيم في (الهدى) كأنه أخذه من قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3واستغفره nindex.php?page=hadith&LINKID=702219لأنه كان يجعل الاستغفار في خواتم الأمور; فيقول إذا سلم من الصلاة: « أستغفر الله » ثلاثا. nindex.php?page=hadith&LINKID=709479وإذا خرج من الخلاء قال: « غفرانك » وورد الأمر بالاستغفار عند انقضاء المناسك:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=199ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله الآية.
[ ص: 6284 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
110- سُورَةُ النَّصْرِ
مَدَنِيَّةٌ، وَآيُهَا ثَلَاثٌ.
وَهِيَ آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ فِي رِوَايَةٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13933الْبَيْهَقِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=682622أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ: إِنَّهُ قَدْ نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي. [ ص: 6285 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
[ 1 - 3 ]
nindex.php?page=treesubj&link=29677_30887_29081nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ nindex.php?page=treesubj&link=29677_29081nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=2وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا nindex.php?page=treesubj&link=19703_20009_20011_28723_31009_33142_34513_29081nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ أَيْ: لِدِينِهِ الْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ "وَالْفَتْحُ" أَيْ:
nindex.php?page=treesubj&link=29389فَتْحُ مَكَّةَ الَّذِي فَتَحَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ لَهُ الْغَلَبَةَ عَلَيْهِمْ وَضَعَّفَ أَمْرَهُمْ فِي التَّمَسُّكِ بِعَقَائِدِهِمُ الْبَاطِلَةِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=2وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا أَيْ: وَرَأَيْتَ النَّاسَ مِنْ صُنُوفِ الْعَرَبِ وَقَبَائِلِهَا عِنْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَهُوَ دِينُكَ الَّذِي جِئْتَهُمْ بِهِ لِزَوَالِ ذَلِكَ الْغِطَاءِ الَّذِي كَانَ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَهُوَ غِطَاءُ قُوَّةِ الْبَاطِلِ فَيُقْبِلُونَ عَلَيْهِ أَفْوَاجًا طَوَائِفَ وَجَمَاعَاتٍ لَا آحَادًا، كَمَا كَانَ فِي بَدْءِ الْأَمْرِ أَيَّامَ الشِّدَّةِ; إِذْ حَصَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَهُوَ لَا رَيْبَ حَاصِلٌ.
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أَيْ: فَنَزِّهْ رَبَّكَ عَنْ أَنْ يُهْمِلَ الْحَقَّ وَيَدَعَهُ لِلْبَاطِلِ يَأْكُلُهُ، وَعَنْ أَنْ يُخْلِفَ وَعْدَهُ فِي تَأْيِيدِهِ، وَلْيَكُنْ هَذَا التَّنْزِيهُ بِوَاسِطَةِ حَمْدِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=33679الْقَادِرُ الَّذِي لَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ، وَالْحَكِيمُ الَّذِي إِذَا أَمْهَلَ الْكَافِرِينَ لِيَمْتَحِنَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَنْ يُضِيعَ أَجْرَ الْعَامِلِينَ وَلَا يُصْلِحَ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ. وَالْبَصِيرُ بِمَا فِي قُلُوبِ الْمُخْلِصِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، فَلَا يَذْهَبُ عَلَيْهِ رِيَاءُ الْمُفْسِدِينَ، وَالْبَصِيرُ بِمَا فِي قُلُوبِ الْمُخْلِصِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، فَلَا يَذْهَبُ عَلَيْهِ
nindex.php?page=treesubj&link=18692رِيَاءُ الْمُرَائِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3وَاسْتَغْفِرْهُ أَيِ: اسْأَلْهُ أَنْ يَغْفِرَ لَكَ وَلِأَصْحَابِكَ مَا كَانَ مِنَ الْقَلَقِ وَالضَّجَرِ وَالْحُزْنِ، لِتَأَخُّرِ زَمَنِ النَّصْرِ وَالْفَتْحِ. وَالِاسْتِغْفَارُ إِنَّمَا يَكُونُ بِالتَّوْبَةِ الْخَالِصَةِ. وَالتَّوْبَةُ مِنَ الْقَلَقِ إِنَّمَا تَكُونُ بِتَكْمِيلِ الثِّقَةِ بِوَعْدِ اللَّهِ، وَتَغْلِيبِ هَذِهِ الثِّقَةِ عَلَى خَوَاطِرِ النَّفْسِ الَّتِي تُحْدِثُهَا الشَّدَائِدُ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَشُقُّ عَلَى نُفُوسِ الْبَشَرِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّ نَفْسَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَبْلُغُ ذَلِكَ الْكَمَالَ;
[ ص: 6286 ] فَلِذَلِكَ أَمَرَهُ بِهِ، وَكَذَلِكَ تُقَارِبُهُ قُلُوبُ الْكُمَّلِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَاللَّهُ يَتَقَبَّلُ مِنْهُمْ.
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا أَيْ: إِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَزَالُ يُوصَفُ بِأَنَّهُ كَثِيرُ الْقَبُولِ لِلتَّوْبَةِ، لِأَنَّهُ رَبٌّ يُرَبِّي النُّفُوسَ بِالْمِحَنِ، فَإِذَا وَجَدَتِ الضَّعْفَ أَنْهَضَهَا إِلَى طَلَبِ الْقُوَّةِ، وَشَدَّدَ هَمَّهَا بِحُسْنِ الْوَعْدِ، وَلَا يَزَالُ بِهَا حَتَّى تَبْلُغَ الْكَمَالَ، وَهِيَ فِي كُلِّ مَنْزِلَةٍ تَتُوبُ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَقْبَلُ تَوْبَتَهَا فَهُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. وَكَأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: إِذَا حَصَلَ الْفَتْحُ وَتَحَقَّقَ النَّصْرُ وَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى الدِّينِ الْحَقِّ، فَقَدِ ارْتَفَعَ الْخَوْفُ وَزَالَ مُوجَبُ الْحُزْنِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا
nindex.php?page=treesubj&link=33143_33135تَسْبِيحُ اللَّهِ وَشُكْرُهُ وَالنُّزُوعُ إِلَيْهِ عَمَّا كَانَ مِنْ خَوَاطِرِ النَّفْسِ، فَلَنْ تَعُودَ الشِّدَّةُ تَأْخُذُ نُفُوسَ الْمُخْلِصِينَ مَا دَامُوا عَلَى تِلْكَ الْكَثْرَةِ فِي ذَلِكَ الْإِخْلَاصِ. وَمِنْ هَذَا أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ تَمَّ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَسِيرَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=683877« إِنَّهُ قَدْ نُعِيَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ » . هَذَا مُلَخَّصُ مَا أَوْرَدَهُ
الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِهِ.
تَنْبِيهَاتٌ:
الْأَوَّلُ: قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ : الْمُرَادُ بِالْفَتْحِ هَاهُنَا فَتْحُ
مَكَّةَ قَوْلًا وَاحِدًا; فَإِنَّ أَحْيَاءَ الْعَرَبِ كَانَتْ تَتَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهَا فَتْحَ مَكَّةَ، يَقُولُونَ: إِنْ ظَهَرَ عَلَى قَوْمِهِ فَهُوَ نَبِيٌّ. فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَكَّةَ، دَخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، فَلَمْ تَمْضِ سَنَتَانِ حَتَّى اسْتَوْسَقَتْ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ إِيمَانًا، وَلَمْ يَبْقَ فِي سَائِرِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ إِلَّا مُظْهِرٌ لِلْإِسْلَامِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي (صَحِيحِهِ)
nindex.php?page=hadith&LINKID=653963عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ : كُنَّا بِمَاءٍ مَمَرَّ النَّاسِ، وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ فَنَسْأَلُهُمْ: مَا لِلنَّاسِ؟ مَا لِلنَّاسِ؟ مَا هَذَا الرَّجُلُ؟ فَيَقُولُونَ: يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ، أَوْ أَوْحَى اللَّهُ بِكَذَا، فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الْكَلَامَ وَكَأَنَّمَا يُغَزَّى فِي صَدْرِي. وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمُ الْفَتْحَ، فَيَقُولُونَ: اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ، فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ. فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلَامِهِمُ.... الْحَدِيثَ. [ ص: 6287 ] الثَّانِي: قَالَ
الرَّازِيُّ: إِذَا حَمَلْنَا الْفَتْحَ عَلَى فَتْحِ مَكَّةَ، فَلِلنَّاسِ فِي وَقْتِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ فَتْحَ مَكَّةَ كَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ. وَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ سَنَةَ عَشْرٍ، وَرُوِيَ أَنَّهُ
« عَاشَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ سَبْعِينَ يَوْمًا » ; وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ
nindex.php?page=treesubj&link=28883سُورَةَ التَّوْدِيعِ.
ثَانِيهُمَا: أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَهُوَ وَعْدٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْصُرَهُ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَأَنْ يَفْتَحَهَا عَلَيْهِ. وَنَظِيرُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=85إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ يَقْتَضِي الِاسْتِقْبَالَ; إِذْ لَا يُقَالُ فِيمَا وَقَعَ: "إِذَا جَاءَ" وَ: إِذَا وَقَعَ، وَإِذَا صَحَّ الْقَوْلُ صَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُعْجِزَاتِ; مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ خَبَرٌ وُجِدَ مَخْبَرُهُ بَعْدَ حِينٍ مُطَابِقًا لَهُ; وَالْإِخْبَارُ عَنِ الْغَيْبِ مُعْجِزَةٌ. انْتَهَى.
قَالَ
الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي (فَتْحِ الْبَارِي):
nindex.php?page=showalam&ids=12201وَلِأَبِي يَعْلَى، مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3503199نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ « فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ الْوَدَاعُ »
ثُمَّ قَالَ: وَسُئِلْتُ عَنْ قَوْلِ الْكَشَّافِ: أَنَّ سُورَةَ النَّصْرِ نَزَلَتْ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، فَكَيْفَ صُدِّرَتْ بِـ: (إِذَا) الدَّالَّةُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ؟ فَأَجَبْتُ بِضَعْفِ مَا نَقَلَهُ. وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، فَالشَّرْطُ لَمْ يَتَكَمَّلْ بِالْفَتْحِ; لِأَنَّ مَجِيءَ النَّاسِ أَفْوَاجًا لَمْ يَكُنْ كَمُلَ، فَبَقِيَّةُ الشَّرْطِ مُسْتَقْبَلٌ.
وَقَدْ أَوْرَدَ
الطِّيبِيُّ السُّؤَالَ، وَأَجَابَ بِجَوَابَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ (إِذَا) قَدْ تَرِدُ بِمَعْنَى (إِذْ) كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=11وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً الْآيَةَ.
ثَانِيهُمَا: أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ قَدِيمٌ. وَفِي كُلٍّ مِنَ الْجَوَابَيْنِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى. انْتَهَى كَلَامُهُ.
الثَّالِثُ: قَالَ
الشِّهَابُ: الْمُرَادُ (بِالنَّاسِ) الْعَرَبُ. فَـ (الْ) عَهْدِيَّةٌ. أَوِ الْمُرَادُ الِاسْتِغْرَاقُ
[ ص: 6288 ] الْعُرْفِيُّ وَالْمُرَادُ عَبَدَةُ الْأَصْنَامِ مِنْهُمْ; لِأَنَّ نَصَارَى تَغْلِبَ لَمْ يُسْلِمُوا فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَوُا الْجِزْيَةَ.
الرَّابِعُ: رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=654585مَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ: nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إِلَّا يَقُولُ فِيهَا: « سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي »
وَفِيهِ عَنْهَا أَيْضًا:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650775كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: « سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي » يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ.
قَالَ
الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: مَعْنَى (يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ)، يَجْعَلُ مَا أُمِرَ بِهِ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالِاسْتِغْفَارِ، فِي أَشْرَفِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ.
وَقَالَ
ابْنُ الْقَيِّمِ فِي (الْهُدَى) كَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3وَاسْتَغْفِرْهُ nindex.php?page=hadith&LINKID=702219لِأَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ الِاسْتِغْفَارَ فِي خَوَاتِمِ الْأُمُورِ; فَيَقُولُ إِذَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ: « أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ » ثَلَاثًا. nindex.php?page=hadith&LINKID=709479وَإِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ قَالَ: « غُفْرَانَكَ » وَوَرَدَ الْأَمْرُ بِالِاسْتِغْفَارِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمَنَاسِكِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=199ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ الْآيَةَ.