الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
200 - وعن معاوية - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، وإنما أنا قاسم والله يعطي " . متفق عليه .

التالي السابق


200 - ( وعن معاوية ) : رضي الله عنه هو معاوية بن أبي سفيان القرشي الأموي ، أمه هند بنت عتبة ، كان هو وأبوه من مسلمة الفتح ، ثم من المؤلفة قلوبهم ، وهو أحد الذين كتبوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقيل : لم يكتب له من الوحي شيئا إنما كتب له كتبه ، روى عنه ابن عباس ، وأبو سعيد ، تولى الشام بعد أخيه يزيد في زمن عمر ، ولم يزل بها متوليا حاكما إلى أن مات ، وذلك أربعون سنة . منها في أيام عمر أربع سنين أو نحوها . ومدة خلافة عثمان ، وخلافة علي وابنه الحسن ، وذلك تمام عشرين سنة ، ثم استوثق له الأمر بتسليم الحسن بن علي إليه في سنة إحدى وأربعين ، ودام له عشرين سنة ، ومات في رجب بدمشق ، وله ثمان وسبعون سنة . وكان أصابته في آخر عمره لقوة ، وكان يقول في آخر عمره : ليتني كنت رجلا من قريش بذي طوى ، ولم أر من هذا الأمر شيئا ، وكان عنده إزار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورداؤه وقميصه وشيء من شعره وأظفاره فقال : كفنوني في قميصه ، وأدرجوني في ردائه ، وأزروني بإزاره ، واحشوا منخري وشدقي ومواضع السجود من شعره وأظفاره ، وخلوا بيني وبين أرحم الراحمين . ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من يرد الله به خيرا ) : تنكيره للتفخيم أي خيرا كثيرا " ( يفقهه ) : بتشديد القاف أي : يجعله عالما ( في الدين ) أي : أحكام الشريعة والطريقة والحقيقة ، ولا يخص بالفقه المصطلح المختص بالأحكام الشرعية العلمية كما ظن ، فقد روى الدارمي عن عمران قال : قلت للحسن يوما في شيء قاله ، يا أبا سعيد ! هكذا يقول الفقهاء . قال : ويحك هل رأيت فقيها قط إنما الفقيه الزاهد في الدنيا ، الراغب في الآخرة ، البصير بأمر دينه ، المداوم على عبادة ربه ، وفي رواية : إنما الفقيه من انفقأت عينا قلبه فنظر إلى ربه ا هـ .

ويؤيده ما في رواية : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، ويلهمه رشده ، رواه أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود . ( وإنما أنا قاسم ) أي للعلم ( والله يعطي ) . أي : الفهم في العلم بمبناه ، والتفكر في معناه ، والعمل بمقتضاه . قال الطيبي : الواو في وإنما للحال من فاعل ( يفقه ) أو مفعوله أي : أنا أقسم العلم بينكم ، فألقي إليكم جميعا ما يليق بكل أحد ، والله يوفق من يشاء منكم لفهمه . قال ابن حجر : ومن ثم تفاوتت أفهام الصحابة مع استواء تبليغه عليه الصلاة والسلام ، بل فاق بعض من جاء بعد الصحابة بعضهم في الفهم والاستنباط كما أشار لذلك الخبر الآتي : رب حامل فقه ليس بفقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه . وقيل : معناه أنا أقسم المال بينكم والله يعطيه ، فلا يكون في قلوبكم سخط وتنكر عن التفاضل في القسمة ، فإنه أمر الله ، والظاهر أن المعنى أنا أقسم العلم بينكم والله يعطي العلم كذا قاله بعض الشراح ، والأظهر أن لا منع من الجمع ، وإن كان المقام يقتضي العلم والله أعلم . قيل : ولم يقل معط لأن إعطاءه متجدد ساعة فساعة ( متفق عليه ) . ورواه أحمد عنه ، وكذا أحمد ، والترمذي عن ابن عباس ، وابن ماجه عن أبي هريرة .

[ ص: 284 ]



الخدمات العلمية