الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا .

[ ص: 246 ] هذا أيضا من مقالاتهم في مجامعهم وجماعتهم يقولونها لإخوانهم الذين كانوا ينفقون على فقراء المسلمين تظاهرا بالإسلام كأنهم يقول بعضهم لبعض تظاهر الإسلام بغير الإنفاق مثل قولهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله وذلك عقبت بها . وقد جاء في الأحاديث الصحيحة أن قائل هذه المقالة عبد الله بن أبي ابن سلول كما تقدم في طالعة تفسير هذه السورة فإسناد هذا القول إلى ضمير المنافقين لأنهم تقبلوه منه إذ هو رأس المنافقين أو فشا هذا القول بين المنافقين فأخذوا يبثونه في المسلمين .

وموقع الجملة الاستئناف الابتدائي المعرب عن مكرهم وسوء طواياهم انتقالا من وصف إعراضهم عند التقرب من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، إلى وصف لون آخر من كفرهم وهو الكيد للدين في صورة النصيحة .

وافتتحت الجملة بضميرهم الظاهر دون الاكتفاء بالمستتر في يقولون معاملة لهم بنقيض مقصودهم فإنهم ستروا كيدهم بإظهار قصد النصيحة ففضح الله أمرهم بمزيد التصريح ، أي قد علمت أنكم تقولون هذا . وفي إظهار الضمير أيضا تعريض بالتوبيخ كقوله تعالى أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار . وليكون للجملة الإسمية إفادة ثبات الخبر ، وليكون الإتيان بالموصول مشعرا بأنهم عرفوا بهذه الصلة . وصيغة المضارع في يقولون يشعر بأن في هذه المقالة تتكرر منهم لقصد إفشائها .

و من عند رسول الله من كانوا في رعايته مثل أهل الصفة ومن كانوا يلحقون بالمدينة من الأعراب كان يمونهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بني المصطلق . روى البخاري عن زيد بن أرقم قال : خرجنا مع النبيء - صلى الله عليه وسلم - في سفر أصاب الناس فيه شدة فقال عبد الله بن أبي : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله وهذا كلام مكر لأن ظاهره قصد الرفق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كلفة إنفاق الأعراب الذين ألموا به في غزوة بني المصطلق ، وباطنه إرادة إبعاد الأعراب عن تلقي الهدي النبوي وعن أن يتقوى بهم المسلمون أو تفرق فقراء المهاجرين لتضعف بتفرقهم بعض قوة المسلمين . وروايات حديث زيد مختلطة .

وقوله ( رسول الله ) يظهر أنه صدر من عبد الله بن أبي ومن معه من [ ص: 247 ] المنافقين بهذا اللفظ إذا كانوا قالوا ذلك جهرا في ملأ المسلمين إذ هم يتظاهرون ساعتئذ بالإسلام .

و حتى مستعملة في التعليل بطريقة المجاز المرسل لأن معنى حتى انتهاء الفعل المذكور قبلها وغاية الفعل ينتهي الفاعل عن الفعل إذا بلغها ، فهي سبب للانتهاء وعلة له ، وليس المراد فإذا انفضوا فأنفقوا عليهم .

والانفضاض : التفرق والابتعاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية