الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بالحق .

وقوله ( بالحق ) معترض بين جملة ( خلق السماوات والأرض ) وجملة ( وصوركم ) .

وفي قوله بالحق إيماء إلى إثبات البعث والجزاء لأن قوله بالحق متعلق بفعل ( خلق ) تعلق الملابسة المفاد بالباء ، أي خلقا ملابسا للحق ، والحق ضد الباطل ، ألا ترى إلى قوله تعالى إن في خلق السماوات والأرض إلى قوله ربنا ما خلقت هذا باطلا . والباطل ماصدقه هنالك هو العبث لقوله تعالى وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق فتعين أن ماصدق الحق في قوله خلق السماوات والأرض بالحق أنه ضد العبث والإهمال .

والمراد ب خلق السماوات والأرض خلق ذواتهن وخلق ما فيهن من المخلوقات كما أنبأ عنه قوله وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ، أي ما خلقناهما وما بينهما إلا بالحق ، فكذلك يكون التقدير في الآية من هذه السورة .

وملابسة الحق لخلق السماوات والأرض يلزم أن تكون ملابسة عامة مطردة لأنه لو اختلت ملابسة حال من أحوال مخلوقات السماوات للحق لكان ناقضا لمعنى ملابسة خلقها للحق ، فكان نفي البعث للجزاء على أعمال المخلوقات موجبا [ ص: 265 ] اختلال تلك الملابسة في بعض الأحوال . وتخلف الجزاء عن الأعمال في الدنيا مشاهد إذ كثيرا ما نرى الصالحين في كرب ونرى أهل الفساد في نعمة ، فلو كانت هذه الحياة الدنيا قصارى حياة المكلفين لكان كثير من أهل الصلاح غير لاق جزاء على صلاحه . وانقلب أكثر أهل الفساد متمتعا بإرضاء خباثة نفسه ونوال مشتهياته ، فكان خلق كلا هذين الفريقين غير ملابس للحق ، بالمعنى المراد .

ولزيادة الإيقاظ لهذا الإيماء عطف عليه قوله ( وإليه المصير ) وكل ذلك توطئة إلى ما سبقه من قوله تعالى زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا ) الآية .

وفي قوله بالحق رمز إلى الجزاء وهو وعيد ووعد .

وفي قوله خلق السماوات إلى آخره إظهار أيضا لعظمة الله في ملكوته .

التالي السابق


الخدمات العلمية