ولما وعظهم سبحانه بصادق الأخبار عن قوم
نوح ومن تبعهم من الكفار، وختمه بالإنذار بما يقع في دار القرار للظالمين الأشرار، أتبعه الوعظ والتخويف بالمشاهدة من تتبع الديار والاعتبار، بما كان لهم فيها من عجائب الآثار، من الحصون والقصور وسائر الأبنية الصغار والكبار، فقال موبخا ومقررا عاطفا على ما تقديره ألم يتعظوا بما أخبرناهم به من الظالمين الأولين من تبعهم من الإهلاك في الدنيا المتصل بالشقاء في الأخرى:
nindex.php?page=treesubj&link=30525_30539_32016_34131_29011nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21أولم يسيروا ولما كان المتقدمون من الكثرة والشدة والمكنة بحيث لا يعلمه إلا الله ولا يقدر آدمي على الإحاطة بمساكنهم، نبه عليه بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21في الأرض أي أي أرض ساروا فيها وعظتهم بما حوت من الأعلام.
ولما كان السير سببا للنظر قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21فينظروا أي نظر اعتبار كما هو شأن أرباب البصائر الذين يزعمون أنهم أعلاهم. ولما كانت الأحوال المنظور فيها المعتبر بها شديدة الغرابة، نبه عليها بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21كيف أي أنها أهل لأن يسأل عنها، ونبه على أن التصاقها بهم في غاية العراقة بحيث لا انفكاك لها بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21كان عاقبة أي آخر
[ ص: 45 ] أمر
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21الذين كانوا أي سكانا للأرض عريقين في عمارتها. ولما كان المنتفع بالوعظ يكفيه أدنى شيء منه، نبه على ذلك بالجار فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21من قبلهم أي قبل زمانهم
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21كانوا ولما كان السياق لمجادلة
قريش لإدحاض الحق مع سماعهم لأخبار الأولين، كانوا كأنهم ادعوا أنهم أشد الناس، فاقتضى الحال تأكيد الخبر بأن الأولين أشد منهم، فأكدر أمرهم فيما نسبه إليهم معبرا بضمير الفصل بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21هم أي المتقدمون، لما لهم من القوى الظاهرة والباطنة.
ولما كان مرجع المجادلة القوة لا الكثرة، وقال استئنافا في جواب من لعله يقول: ما كان أمرهم؟ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21أشد منهم أي هؤلاء - قرأه
nindex.php?page=showalam&ids=16447ابن عامر " منكم " بالكاف كما هو في مصحف أهل
الشام على الالتفات للتنصيص على المراد
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21قوة أي ذواتا ومعاني " و " أشد آثارا في الأرض لأن آثارهم لم يندرس بعضها إلى هذا الزمان وقد مضى عليها ألوف من السنين، وأما المتأخرون فتنطمس آثارهم في أقل من قرن.
ولما كانت قوتهم ومكنتهم سببا لإعجابهم وتكبرهم على أمر ربهم ومخالفة رسله، فكان ذلك سبب هلاكهم قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21فأخذهم الله أي
[ ص: 46 ] الذي له صفات الكمال أخذ غلبة وقهرا وسطوة، ولما لم يتقدم شيء يسند إليه أخذهم، قال مبينا ما أخذوا به:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21بذنوبهم أي التي سببت لهم الأخذ ولم يغن عنهم شيء من ذلك الذي أبطرهم حتى عتوا به على ربهم ولا شفع فيهم شافع
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21وما كان لهم أي من شركائهم الذين ضلوا بهم كهؤلاء ومن غيرهم
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21من الله أي عوض المتصف بجميع صفات الكمال، أو كونا مبتدئا من جهة عظمته وجلاله، وأكد النفي بزيادة الجار فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21من واق أي يقيهم مراده سبحانه فيهم، لا من شركائهم ولا من غيرهم، فعلم أن الذين من دونه لا يقضون بشيء، ويجوز أن تكون "من" الأولى ابتدائية على بابها تنبيها على أن الأخذ في غاية العنف لأنه إذا لم يبتدئ من جهته سبحانه لهم وقاية لم تكن لهم باقية بخلاف من عاقبه الله عقوبة تأديب، فإن عذابه يكون سبب بقائه لما يحصل له منه سبحانه من الوقاية.
وَلَمَّا وَعَظَهُمْ سُبْحَانَهُ بِصَادِقِ الْأَخْبَارِ عَنْ قَوْمِ
نُوحٍ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْكَفَّارِ، وَخَتَمَهُ بِالْإِنْذَارِ بِمَا يَقَعُ فِي دَارِ الْقَرَارِ لِلظَّالِمِينَ الْأَشْرَارِ، أَتْبَعَهُ الْوَعْظَ وَالتَّخْوِيفَ بِالْمُشَاهَدَةِ مِنْ تَتَبُّعِ الدِّيَارِ وَالِاعْتِبَارِ، بِمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا مِنْ عَجَائِبِ الْآثَارِ، مِنَ الْحُصُونِ وَالْقُصُورِ وَسَائِرِ الْأَبْنِيَةِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ، فَقَالَ مُوَبِّخًا وَمُقَرِّرًا عَاطِفًا عَلَى مَا تَقْدِيرُهُ أَلَمْ يَتَّعِظُوا بِمَا أَخْبَرْنَاهُمْ بِهِ مِنَ الظَّالِمِينَ الْأَوَّلِينَ مَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْإِهْلَاكِ فِي الدُّنْيَا الْمُتَّصِلِ بِالشَّقَاءِ فِي الْأُخْرَى:
nindex.php?page=treesubj&link=30525_30539_32016_34131_29011nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21أَوَلَمْ يَسِيرُوا وَلَمَّا كَانَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنَ الْكَثْرَةِ وَالشِّدَّةِ وَالْمُكْنَةِ بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ وَلَا يَقْدِرُ آدَمِيٌّ عَلَى الْإِحَاطَةِ بِمَسَاكِنِهِمْ، نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21فِي الأَرْضِ أَيْ أَيُّ أَرْضٍ سَارُوا فِيهَا وَعَظَتْهُمْ بِمَا حَوَتْ مِنَ الْأَعْلَامِ.
وَلَمَّا كَانَ السَّيْرُ سَبَبًا لِلنَّظَرِ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21فَيَنْظُرُوا أَيْ نَظَرَ اعْتِبَارٍ كَمَا هُوَ شَأْنُ أَرْبَابِ الْبَصَائِرِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ أَعْلَاهُمْ. وَلَمَّا كَانَتِ الْأَحْوَالُ الْمَنْظُورُ فِيهَا الْمُعْتَبِرُ بِهَا شَدِيدَةَ الْغَرَابَةِ، نَبَّهَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21كَيْفَ أَيْ أَنَّهَا أَهْلٌ لِأَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا، وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْتِصَاقَهَا بِهِمْ فِي غَايَةِ الْعَرَاقَةِ بِحَيْثُ لَا انْفِكَاكَ لَهَا بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21كَانَ عَاقِبَةُ أَيْ آخِرَ
[ ص: 45 ] أَمْرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21الَّذِينَ كَانُوا أَيْ سُكَّانًا لِلْأَرْضِ عَرِيقِينَ فِي عِمَارَتِهَا. وَلَمَّا كَانَ الْمُنْتَفِعُ بِالْوَعْظِ يَكْفِيهِ أَدْنَى شَيْءٍ مِنْهُ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِالْجَارِّ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21مِنْ قَبْلِهِمْ أَيْ قَبْلَ زَمَانِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21كَانُوا وَلَمَّا كَانَ السِّيَاقُ لِمُجَادَلَةِ
قُرَيْشٍ لِإِدْحَاضِ الْحَقِّ مَعَ سَمَاعِهِمْ لِأَخْبَارِ الْأَوَّلِينَ، كَانُوا كَأَنَّهُمُ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ، فَاقْتَضَى الْحَالُ تَأْكِيدَ الْخَبَرِ بِأَنَّ الْأَوَّلِينَ أَشَدُّ مِنْهُمْ، فَأَكْدَرُ أَمْرِهِمْ فِيمَا نَسَبَهُ إِلَيْهِمْ مُعَبِّرًا بِضَمِيرِ الْفَصْلِ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21هُمْ أَيِ الْمُتَقَدِّمُونَ، لِمَا لَهُمْ مِنَ الْقُوَى الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ.
وَلَمَّا كَانَ مَرْجِعَ الْمُجَادَلَةِ الْقُوَّةُ لَا الْكَثْرَةُ، وَقَالَ اسْتِئْنَافًا فِي جَوَابِ مَنْ لَعَلَّهُ يَقُولُ: مَا كَانَ أَمْرُهُمْ؟ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21أَشَدَّ مِنْهُمْ أَيْ هَؤُلَاءِ - قَرَأَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16447ابْنُ عَامِرٍ " مِنْكُمْ " بِالْكَافِ كَمَا هُوَ فِي مُصْحَفِ أَهْلِ
الشَّامِ عَلَى الِالْتِفَاتِ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْمُرَادِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21قُوَّةً أَيْ ذَوَاتًا وَمَعَانِي " و " أَشَدُّ آثَارًا فِي الْأَرْضِ لِأَنَّ آثَارَهُمْ لَمْ يَنْدَرِسْ بَعْضُهَا إِلَى هَذَا الزَّمَانِ وَقَدْ مَضَى عَلَيْهَا أُلُوفٌ مِنَ السِّنِينَ، وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَتَنْطَمِسُ آثَارُهُمْ فِي أَقَلِّ مِنْ قَرْنٍ.
وَلَمَّا كَانَتْ قَوَّتُهُمْ وَمُكْنَتُهُمْ سَبَبًا لِإِعْجَابِهِمْ وَتَكَبُّرِهِمْ عَلَى أَمْرِ رَبِّهِمْ وَمُخَالَفَةِ رُسُلِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ هَلَاكِهِمْ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ أَيْ
[ ص: 46 ] الَّذِي لَهُ صِفَاتُ الْكَمَالِ أَخَذَ غَلَبَةً وَقَهْرًا وَسَطْوَةً، وَلَمَّا لَمْ يَتَقَدَّمْ شَيْءٌ يُسْنَدُ إِلَيْهِ أَخْذُهُمْ، قَالَ مُبَيِّنًا مَا أَخَذُوا بِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21بِذُنُوبِهِمْ أَيِ الَّتِي سَبَّبَتْ لَهُمُ الْأَخْذَ وَلَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي أَبْطَرَهُمْ حَتَّى عَتَوْا بِهِ عَلَى رَبِّهِمْ وَلَا شَفَّعَ فِيهِمْ شَافِعٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21وَمَا كَانَ لَهُمْ أَيْ مِنْ شُرَكَائِهِمُ الَّذِينَ ضَلُّوا بِهِمْ كَهَؤُلَاءِ وَمِنْ غَيْرِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21مِنَ اللَّهِ أَيْ عَوَّضَ الْمُتَّصِفُ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، أَوْ كَوْنًا مُبْتَدِئًا مِنْ جِهَةِ عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ، وَأَكَّدَ النَّفْيَ بِزِيَادَةِ الْجَارِّ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=21مِنْ وَاقٍ أَيْ يَقِيهِمْ مُرَادُهُ سُبْحَانَهُ فِيهِمْ، لَا مِنْ شُرَكَائِهِمْ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَعَلِمَ أَنَّ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ "مِنْ" الْأُولَى ابْتِدَائِيَّةً عَلَى بَابِهَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ فِي غَايَةِ الْعُنْفِ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَبْتَدِئْ مِنْ جِهَتِهِ سُبْحَانَهُ لَهُمْ وِقَايَةٌ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ بَاقِيَةٌ بِخِلَافِ مَنْ عَاقَبَهُ اللَّهُ عُقُوبَةَ تَأْدِيبٍ، فَإِنَّ عَذَابَهُ يَكُونُ سَبَبَ بَقَائِهِ لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْهُ سُبْحَانَهُ مِنَ الْوِقَايَةِ.