ولما كان هذا دعاء على سبيل الإجمال، وكان الداء كله في الإقبال على الفاني، والدواء كله في الإقدام على الباقي، قال استئنافا في جواب من سأل عن تفصيل هذه السبيل مبينا أنها العدول عما يفنى إلى ما يبقى، محقرا للدنيا مصغرا لشأنها لأن الإخلاد إليها أصل الشر كله، ومنه يتشعب ما يؤدي إلى سخط الله:
nindex.php?page=treesubj&link=30384_30386_30431_33385_34136_34182_34306_34307_29011nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=39يا قوم كرر ذلك زيادة في استعطافهم بكونهم أهله فهو غير متهم في نصحهم لأنه لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه. ولما كانت الأنفس لكونها مطبوعة على الوهم لا تعد الحاصل إلا الحاضر أكد فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=39إنما هذه الحياة وحقرها بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=39الدنيا إشارة إلى دناءتها وبقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=39متاع إشارة إلى أنها جيفة لأنها في اللغة من جملة مدلولات المتاع، فلا يتناول منها إلا كما يتناول المضطر من الجيفة; لأنها دار القلعة والزوال والتزود والارتحال.
ولما افتتح بذم الدنيا، ثنى بمدح الآخرة فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=39وإن الآخرة لكونها المقصودة بالذات
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=39هي دار القرار التي لا تحول منها أصلا،
[ ص: 73 ] دائم كل شيء من ثوابها وعقابها، فهي للتلذذ والانتفاع والترفه والاتساع لمن توسل إلى ذلك بحسن الاتباع، أو للشقاوة والهلاك، لمن اجترأ على المحارم واستخف الانتهاك، قال
الأصفهاني: قال بعض العارفين:
nindex.php?page=treesubj&link=29497لو كانت الدنيا ذهبا [فانيا] والآخرة خزفا باقيا، لكانت الآخرة خيرا من الدنيا، فكيف والدنيا خزف فان، والآخرة ذهب باق بل أشرف وأحسن.
وكما أن النعيم فيها دائم فكذلك العذاب، فكان الترغيب في نعيم الجنان، والترهيب من عذاب النيران، من أعظم وجوه الترغيب والترهيب، فالآية من الاحتباك: ذكر المتاع أولا دليلا على حذف التوسع ثانيا، والقرار ثانيا دليلا على حذف الارتحال أولا.
وَلَمَّا كَانَ هَذَا دُعَاءٌ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ، وَكَانَ الدَّاءُ كُلُّهُ فِي الْإِقْبَالِ عَلَى الْفَانِي، وَالدَّوَاءُ كُلُّهُ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْبَاقِي، قَالَ اسْتِئْنَافًا فِي جَوَابِ مَنْ سَأَلَ عَنْ تَفْصِيلِ هَذِهِ السَّبِيلِ مُبَيِّنًا أَنَّهَا الْعُدُولُ عَمَّا يَفْنَى إِلَى مَا يَبْقَى، مُحَقِّرًا لِلدُّنْيَا مُصَغِّرًا لِشَأْنِهَا لِأَنَّ الْإِخْلَادَ إِلَيْهَا أَصْلُ الشَّرِّ كُلِّهِ، وَمِنْهُ يَتَشَعَّبُ مَا يُؤَدِّي إِلَى سُخْطِ اللَّهِ:
nindex.php?page=treesubj&link=30384_30386_30431_33385_34136_34182_34306_34307_29011nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=39يَا قَوْمِ كَرَّرَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي اسْتِعْطَافِهِمْ بِكَوْنِهِمْ أَهْلَهُ فَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي نُصْحِهِمْ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ لَهُمْ إِلَّا مَا يُرِيدُ لِنَفْسِهِ. وَلَمَّا كَانَتِ الْأَنْفُسُ لِكَوْنِهَا مَطْبُوعَةً عَلَى الْوَهْمِ لَا تَعُدُّ الْحَاصِلَ إِلَّا الْحَاضِرُ أَكَّدَ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=39إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ وَحَقَّرَهَا بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=39الدُّنْيَا إِشَارَةً إِلَى دَنَاءَتِهَا وَبِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=39مَتَاعٌ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا جِيفَةٌ لِأَنَّهَا فِي اللُّغَةِ مِنْ جُمْلَةِ مَدْلُولَاتِ الْمَتَاعِ، فَلَا يَتَنَاوَلُ مِنْهَا إِلَّا كَمَا يَتَنَاوَلُ الْمُضْطَرُّ مِنَ الْجِيفَةِ; لِأَنَّهَا دَارُ الْقَلْعَةِ وَالزَّوَالِ وَالتَّزَوُّدِ وَالِارْتِحَالِ.
وَلَمَّا افْتُتِحَ بِذَمِّ الدُّنْيَا، ثَنَّى بِمَدْحِ الْآخِرَةِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=39وَإِنَّ الآخِرَةَ لِكَوْنِهَا الْمَقْصُودَةَ بِالذَّاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=39هِيَ دَارُ الْقَرَارِ الَّتِي لَا تَحُولُ مِنْهَا أَصْلًا،
[ ص: 73 ] دَائِمُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ ثَوَابِهَا وَعِقَابِهَا، فَهِيَ لِلتَّلَذُّذِ وَالِانْتِفَاعِ وَالتَّرَفُّهِ وَالِاتِّسَاعِ لِمَنْ تَوَسَّلَ إِلَى ذَلِكَ بِحُسْنِ الِاتِّبَاعِ، أَوْ لِلشَّقَاوَةِ وَالْهَلَاكِ، لِمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى الْمَحَارِمِ وَاسْتَخَفَّ الِانْتِهَاكَ، قَالَ
الْأَصْفَهَانِيُّ: قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ:
nindex.php?page=treesubj&link=29497لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا ذَهَبًا [فَانِيًا] وَالْآخِرَةُ خَزَفًا بَاقِيًا، لَكَانَتِ الْآخِرَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا، فَكَيْفَ وَالدُّنْيَا خَزَفٌ فَانٍ، وَالْآخِرَةُ ذَهَبٌ بَاقٍ بَلْ أَشْرَفُ وَأَحْسَنُ.
وَكَمَا أَنَّ النَّعِيمَ فِيهَا دَائِمٌ فَكَذَلِكَ الْعَذَابُ، فَكَانَ التَّرْغِيبُ فِي نَعِيمِ الْجِنَانِ، وَالتَّرْهِيبُ مِنْ عَذَابِ النِّيرَانِ، مِنْ أَعْظَمِ وُجُوهِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، فَالْآيَةُ مِنَ الِاحْتِبَاكِ: ذِكْرُ الْمَتَاعِ أَوَّلًا دَلِيلًا عَلَى حَذْفِ التَّوَسُّعِ ثَانِيًا، وَالْقَرَارُ ثَانِيًا دَلِيلًا عَلَى حَذْفِ الِارْتِحَالِ أَوَّلًا.