[ ص: 365 ] nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=29037_29737_30434_30436يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .
كانت موعظة نساء النبيء - صلى الله عليه وسلم - مناسبة لتنبيه المؤمنين لعدم الغفلة عن موعظة أنفسهم وموعظة أهليهم وأن لا يصدهم استبقاء الود بينهم عن إسداء النصح لهم وإن كان في ذلك بعض الأذى .
وهذا نداء ثان موجه إلى المؤمنين بعد استيفاء المقصود من النداء الأول نداء النبيء - صلى الله عليه وسلم - بقوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=1يا أيها النبيء لم تحرم ما أحل الله لك ) .
وجه الخطاب إلى المؤمنين ليأتنسوا بالنبيء - صلى الله عليه وسلم - في موعظة أهليهم .
وعبر عن الموعظة والتحذير بالوقاية من النار على سبيل المجاز لأن الموعظة سبب في تجنب ما يفضي إلى عذاب النار أو على سبيل الاستعارة بتشبيه الموعظة بالوقاية من النار على وجه المبالغة في الموعظة .
وتنكير ( نارا ) للتعظيم وأجري عليها وصف بجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6وقودها الناس والحجارة ) زيادة في التحذير لئلا يكونوا من وقود النار . وتذكيرا بحال المشركين الذي في قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=98إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ) في سورة الأنبياء . وتفظيعا للنار إذ يكون الحجر عوضا لها عن الحطب .
ووصفت النار بهذه الجملة لأن مضمون هذه الجملة قد تقرر في علم المسلمين من قبل نزول هذه الآية بما تقدم في سورة البقرة من قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=24فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ) وبما تقدمهما معا من قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=98إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ) في سورة الأنبياء .
والحجارة : جمع الحجر على غير قياس فإن قياسه أحجار فجمعوه على حجار بوزن فعال وألحقوا به هاء التأنيث كما قالوا : بكارة جمع بكر ، ومهارة جمع مهر .
وزيد في تهويل النار بأن عليها ملائكة غلاظا شدادا وجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6عليها ملائكة ) إلى آخرها صفة ثانية .
[ ص: 366 ] ومعنى عليها أنهم موكلون بها . فالاستعلاء المفاد من حرف ( على ) مستعار للتمكن كما تقدم في قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أولئك على هدى من ربهم ) . وفي الحديث (
فلم يكن على بابه بوابون ) .
و ( غلاظ ) جمع غليظ وهو المتصف بالغلظة . وهي صفة مشبهة وفعلها مثل كرم . وهي هنا مستعارة لقساوة المعاملة كقوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) أي لو كنت قاسيا لما عاشروك .
و شداد : جمع شديد . والشدة بكسر الشين حقيقتها قوة العمل المؤذي ، والموصوف بها شديد . والمعنى : أنهم أقوياء في معاملة أهل النار الذين وكلوا بهم : يقال : اشتد فلان على فلان ، أي أساء معاملته ، ويقال : اشتدت الحرب ، واشتدت البأساء . والشدة من أسماء البؤس والجوع والقحط .
وجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6لا يعصون الله ما أمرهم ) ثناء عليهم أعقب به وصفهم بأنهم غلاظ شداد تعديلا لما تقتضيانه من كراهية نفوس الناس إياهم ، وهذا مؤذن بأنهم مأمورون بالغلظة والشدة في تعذيب أهل النار .
وأما قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6ويفعلون ما يؤمرون ) فهو تصريح بمفهوم (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6لا يعصون الله ما أمرهم ) دعا إليه مقام الإطناب في الثناء عليهم ، مع ما في هذا التصريح من استحضار الصورة البديعة في امتثالهم لما يؤمرون به . وقد عطف هذا التأكيد عطفا يقتضي المغايرة تنويها بهذه الفضيلة لأن فعل المأمور أوضح في الطاعة من عدم العصيان واعتبار لمغايرة المعنيين وإن كان قالهما واحد ولك أن تجعل مرجع (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6لا يعصون الله ما أمرهم ) أنهم لا يعصون فيما يكلفون به من أعمالهم الخاصة بهم ومرجع (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6ويفعلون ما يؤمرون ) إلى ما كلفوا بعمله في العصاة في جهنم .
[ ص: 365 ] nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=29037_29737_30434_30436يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ .
كَانَتْ مَوْعِظَةُ نِسَاءِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَاسِبَةً لِتَنْبِيهِ الْمُؤْمِنِينَ لِعَدَمِ الْغَفْلَةِ عَنْ مَوْعِظَةِ أَنْفُسِهِمْ وَمَوْعِظَةِ أَهْلِيهِمْ وَأَنْ لَا يَصُدَّهُمُ اسْتِبْقَاءُ الْوِدِّ بَيْنَهُمْ عَنْ إِسْدَاءِ النُّصْحِ لَهُمْ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْأَذَى .
وَهَذَا نِدَاءٌ ثَانٍ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَقْصُودِ مِنَ النِّدَاءِ الْأَوَّلِ نِدَاءِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=1يَا أَيُّهَا النَّبِيءُ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) .
وُجِّهَ الْخِطَابُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ لِيَأْتَنِسُوا بِالنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَوْعِظَةِ أَهْلِيهِمْ .
وَعَبَّرَ عَنِ الْمَوْعِظَةِ وَالتَّحْذِيرِ بِالْوِقَايَةِ مِنَ النَّارِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِأَنَّ الْمَوْعِظَةَ سَبَبٌ فِي تَجَنُّبِ مَا يُفْضِي إِلَى عَذَابِ النَّارِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ بِتَشْبِيهِ الْمَوْعِظَةِ بِالْوِقَايَةِ مِنَ النَّارِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالِغَةِ فِي الْمَوْعِظَةِ .
وَتَنْكِيرُ ( نَارًا ) لِلتَّعْظِيمِ وَأُجْرِيَ عَلَيْهَا وُصْفٌ بِجُمْلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) زِيَادَةً فِي التَّحْذِيرِ لِئَلَّا يَكُونُوا مِنْ وَقُودِ النَّارِ . وَتَذْكِيرًا بِحَالِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=98إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ . وَتَفْظِيعًا لِلنَّارِ إِذْ يَكُونُ الْحَجَرُ عِوَضًا لَهَا عَنِ الْحَطَبِ .
وَوُصِفَتِ النَّارُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ لِأَنَّ مَضْمُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=24فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) وَبِمَا تَقَدَّمَهُمَا مَعًا مِنْ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=98إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ .
وَالْحِجَارَةُ : جَمْعُ الْحَجَرِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ فَإِنَّ قِيَاسَهُ أَحْجَارٌ فَجَمَعُوهُ عَلَى حِجَارٍ بِوَزْنِ فِعَالٍ وَأَلْحَقُوا بِهِ هَاءَ التَّأْنِيثِ كَمَا قَالُوا : بِكَارَةٌ جَمْعُ بَكْرٍ ، وَمِهَارَةٌ جَمْعُ مُهْرٍ .
وَزِيدَ فِي تَهْوِيلِ النَّارِ بِأَنَّ عَلَيْهَا مَلَائِكَةً غِلَاظًا شِدَادًا وَجُمْلَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ ) إِلَى آخِرِهَا صِفَةٌ ثَانِيَةٌ .
[ ص: 366 ] وَمَعْنَى عَلَيْهَا أَنَّهُمْ مُوَكَّلُونَ بِهَا . فَالِاسْتِعْلَاءُ الْمُفَادُ مَنْ حَرْفِ ( عَلَى ) مُسْتَعَارٌ لِلتَّمْكِنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ) . وَفِي الْحَدِيثِ (
فَلَمْ يَكُنْ عَلَى بَابِهِ بَوَّابُونَ ) .
وَ ( غِلَاظٌ ) جَمْعُ غَلِيظٍ وَهُوَ الْمُتَّصِفُ بِالْغِلْظَةِ . وَهِيَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ وَفِعْلُهَا مِثْلُ كَرُمَ . وَهِيَ هُنَا مُسْتَعَارَةٌ لِقَسَاوَةِ الْمُعَامَلَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) أَيْ لَوْ كُنْتَ قَاسِيًا لَمَا عَاشَرُوكَ .
وَ شِدَادٌ : جَمْعُ شَدِيدٍ . وَالشِّدَّةُ بِكَسْرِ الشِّينِ حَقِيقَتُهَا قُوَّةُ الْعَمَلِ الْمُؤْذِي ، وَالْمَوْصُوفُ بِهَا شَدِيدٌ . وَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ أَقْوِيَاءُ فِي مُعَامَلَةِ أَهْلِ النَّارِ الَّذِينَ وُكِّلُوا بِهِمْ : يُقَالُ : اشْتَدَّ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ ، أَيْ أَسَاءَ مُعَامَلَتَهُ ، وَيُقَالُ : اشْتَدَّتِ الْحَرْبُ ، وَاشْتَدَّتِ الْبَأْسَاءُ . وَالشِّدَّةُ مِنْ أَسْمَاءِ الْبُؤْسِ وَالْجُوعِ وَالْقَحْطِ .
وَجُمْلَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ ) ثَنَاءٌ عَلَيْهِمْ أُعْقِبَ بِهِ وَصْفُهُمْ بِأَنَّهُمْ غِلَاظٌ شِدَادٌ تَعْدِيلًا لِمَا تَقْتَضِيَانِهِ مِنْ كَرَاهِيَةِ نُفُوسِ النَّاسِ إِيَّاهُمْ ، وَهَذَا مُؤْذِنٌ بِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِالْغِلْظَةِ وَالشَّدَّةِ فِي تَعْذِيبِ أَهْلِ النَّارِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ ) دَعَا إِلَيْهِ مَقَامُ الْإِطْنَابِ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ ، مَعَ مَا فِي هَذَا التَّصْرِيحِ مِنِ اسْتِحْضَارِ الصُّورَةِ الْبَدِيعَةِ فِي امْتِثَالِهِمْ لِمَا يُؤْمَرُونَ بِهِ . وَقَدْ عُطِفَ هَذَا التَّأْكِيدُ عَطْفًا يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ تَنْوِيهًا بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ أَوْضَحُ فِي الطَّاعَةِ مِنْ عَدَمِ الْعِصْيَانِ وَاعْتِبَارٌ لِمُغَايَرَةِ الْمَعْنَيَيْنِ وَإِنْ كَانَ قَالَهُمَا وَاحِدٌ وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ مَرْجِعَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ ) أَنَّهُمْ لَا يَعْصُونَ فِيمَا يُكَلَّفُونَ بِهِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْخَاصَّةِ بِهِمْ وَمَرْجِعُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) إِلَى مَا كُلِّفُوا بِعَمَلِهِ فِي الْعُصَاةِ فِي جَهَنَّمَ .