الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          419 - مسألة : ولا يحل لأحد أن يكبر قبل إمامه إلا في أربعة مواضع - : أحدها : من دخل خلف إمام فلما كبر الإمام وكبر الناس ذكر الإمام أنه على غير طهارة ، فإنه يشير إلى الناس أن امكثوا ، ثم يخرج فيتطهر ، ثم يأتي فيبتدئ التكبير للإحرام ، وهم باقون على ما كبروا ; كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه رضي الله عنهم والثاني : أن يكبر الإمام ويكبر الناس بعده ثم يحدث ، فيستخلف من دخل حينئذ ، فيصير إماما مكانه ، ويكون المؤتمون به قد كبروا قبله - وهذا إجماع من الحنفيين ، والمالكيين ، والشافعيين ، والحنبليين . والثالث : أن يغيب الإمام الراتب فيستخلف الناس من يصلي بهم ثم يأتي الإمام الراتب فيتأخر المقدم ، ويتقدم هو ، فيصلي بالناس وقد كبر المأمومون قبله ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين - : مرة { إذ مضى عليه السلام إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم ، فقدم الناس [ ص: 384 ] للصلاة التي حضرت أبا بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأخر أبو بكر وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس بانين على ما صلوا مع أبي بكر } . وكما فعل صلى الله عليه وسلم في آخر صلاة صلاها بالمسلمين . وقد ذكرنا ذلك بإسناده فيما سلف من كتابنا هذا ولله الحمد والرابع : من كان معذورا في ترك حضور الجماعة أو يئس عن أن يجد جماعة فبدأ الصلاة فلما دخل فيها أتى الإمام ، فإنه يدخل في صلاة الإمام ويعتد بتكبيره وبما صلى ، لأنه كبر كما أمر ، وصلى ما مضى من صلاته كما أمر ، ومن فعل ما أمر به فقد أحسن ، ومن أحسن فلا يجوز إبطال ما عمل إلا بنص : قرآن أو سنة ثابتة ، وقد قال تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } . وكذلك لا يحل لأحد أن يسلم قبل إمامه إلا في أربعة مواضع - : أحدها : صلاة الخوف ، كما نذكر في أبوابها إن شاء الله تعالى والثاني : من كان له عذر في ترك حضور الجماعة أو يئس عن وجود جماعة فبدأ بالصلاة ثم أتى الإمام ، فصار هذا مؤتما به وتمت صلاته قبل صلاة الإمام ، فهذا مخير ، إن شاء سلم ونهض ; لأن صلاته قد تمت . ولا يجوز له الائتمام بالإمام في أحوال يفعلها الإمام من صلاته ، ولا يحل للمؤتم أن يزيدها في صلاته ; فإذ لا يجوز له الائتمام بالإمام فقد خرج عن إمامته وتمت صلاته ، فليسلم ، وإن شاء يتمادى على تشهده ودعائه ، حتى إذا سلم الإمام سلم بعده أو معه . والثالث : مسافر دخل خلف من يتم الصلاة - إما مقيما وإما متأولا معذورا بخطئه فإذا تمت للمأموم ركعتان بسجدتيهما فقد تمت صلاته ; فهو مخير بين ما ذكرنا من سلام أو تمادى على الجلوس والدعاء ، وإن شاء بعد سلامه أن ينهض فله ذلك ، وإن شاء أن يصلي مع الإمام باقي صلاته متطوعا فذلك له والرابع : من طول عليه الإمام تطويلا يضر به في نفسه ، أو في ضياع ماله ; فله أن يخرج عن إمامته ، ويتم صلاته لنفسه ، ويسلم وينهض لحاجته - : كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا [ ص: 385 ] أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عباد ثنا سفيان هو ابن عيينة - عن عمرو هو ابن دينار - عن جابر بن عبد الله قال : { كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي فيؤم قومه ، فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ، ثم أتى قومه فأمهم ، فافتتح بسورة البقرة ، فانحرف رجل فسلم ، ثم صلى وحده وانصرف ، فقالوا له : أنافقت يا فلان قال : لا والله ، ولآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه ; فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار ، وإن معاذا صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا معاذ ، أفتان أنت اقرأ بكذا ، واقرأ بكذا } وذكر باقي الكلام . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري حدثني محمد بن بشار ثنا غندر ثنا شعبة عن عمرو بن دينار قال : سمعت جابر بن عبد الله قال : { كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم ، فصلى العشاء فقرأ بالبقرة فانصرف رجل فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : فتان فتان فتان أو قال : فاتنا فاتنا فاتنا وأمره بسورتين من أوسط المفصل } . وهذا إجماع من الصحابة رضي الله عنهم مع النص وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : إذا تشهد الرجل وخاف أن يحدث قبل أن يسلم الإمام فليسلم وقد تمت صلاته ولا نعلم له من الصحابة رضي الله عنهم في ذلك مخالفا . وبكل الوجوه التي ذكرنا ، قد قالت طوائف من السلف رضي الله عنهم

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية