الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور .

تذييلات ، والإشارة في قوله تلك إلى طائفة من آيات القرآن السابقة من هذه السورة كما اقتضاه قوله نتلوها عليك بالحق .

والتلاوة اسم لحكاية كلام لإرادة تبليغه بلفظه وهي كالقراءة إلا أن القراءة تختص بحكاية كلام مكتوب فيتجه أن تكون الطائفة المقصودة بالإشارة هي الآيات المبدوءة بقوله تعالى إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم إلى هنا لأن ما قبله ختم بتذييل قريب من هذا التذييل ، وهو قوله ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم فيكون كل تذييل مستقلا بطائفة الجمل التي وقع هو عقبها .

وخصت هذه الطائفة من القرآن بالإشارة لما فيها من الدلائل المثبتة صحة عقيدة الإسلام ، والمبطلة لدعاوى الفرق الثلاث من اليهود والنصارى [ ص: 47 ] والمشركين ، مثل قوله إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم وقوله وما من إله إلا إله واحد الآية . وقوله فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم الآية . وقوله إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه الآية . وقوله ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة الآية . وقوله وإذ أخذ الله ميثاق النبيئين الآية . وقوله فأتوا بالتوراة فاتلوها . وقوله إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وما تخلل ذلك من أمثال ومواعظ وشواهد .

والباء في قوله بالحق للملابسة ، وهي ملابسة الإخبار للمخبر عنه ، أي لما في نفس الأمر والواقع ، فهذه الآيات بينت عقائد أهل الكتاب وفصلت أحوالهم في الدنيا والآخرة .

ومن الحق استحقاق كلا الفريقين لما عومل به عدلا من الله ، ولذلك قال وما الله يريد ظلما للعالمين أي لا يريد أن يظلم الناس ولو شاء ذلك لفعله ، لكنه وعد بأن لا يظلم أحدا فحق وعده ، وليس في الآية دليل للمعتزلة على استحالة إرادة الله تعالى الظلم إذ لا خلاف بيننا وبين المعتزلة في انتفاء وقوعه ، وإنما الخلاف في جواز ذلك واستحالته .

وجيء بالمسند فعلا لإفادة تقوى الحكم ، وهو انتفاء إرادة ظلم العالمين عن الله تعالى ، وتنكير ظلما في سياق النفي يدل على انتفاء جنس الظلم عن أن تتعلق به إرادة الله ، فكل ما يعد ظلما في مجال العقول السليمة منتف أن يكون مراد الله تعالى .

وقوله ولله ما في السماوات وما في الأرض عطف على التذييل : لأنه إذا كان له ما في السماوات وما في الأرض فهو يريد صلاح حالهم ، ولا حاجة له بإضرارهم إلا للجزاء على أفعالهم . فلا يريد ظلمهم ، وإليه ترجع الأشياء كلها فلا يفوته ثواب محسن ولا جزاء مسيء .

وتكرير اسم الجلالة ثلاث مرات في الجمل الثلاث التي بعد الأولى [ ص: 48 ] بدون إضمار للقصد إلى أن تكون كل جملة مستقلة الدلالة بنفسها ، غير متوقفة على غيرها ، حتى تصلح لأن يتمثل بها ، وتستحضرها النفوس وتحفظها الأسماع .

التالي السابق


الخدمات العلمية