الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1279 [ ص: 235 ] حديث حادي عشر لابن شهاب ، عن عروة .

مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة أنها أخبرته أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها ، وهو عمها من الرضاعة ، بعد أن نزل الحجاب ، قالت : فأبيت أن آذن له ، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرته بالذي صنعت ، فأمرني أن آذن له ( علي ) .

التالي السابق


قال أبو عمر : في هذا الحديث دليل على أن احتجاب النساء من الرجال لم يكن في أول الإسلام ، وأنهم كانوا يرون النساء ، ولا يستتر نساؤهم عن رجالهم إلا بمثل ما كان يستتر رجالهم عن رجالهم ، حتى نزلت آيات الحجاب .

وكان سبب نزولها فيما قال أهل العلم بالتفسير والسير ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنع طعاما ، ودعا إليه أصحابه ( في هداء زينب ) وذلك في بيت أم سلمة ، فلما أكلوا ، أطالوا الحديث ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل ويخرج ، ويستحي منهم .

فأنزل الله عز وجل ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه يقول : غير منتظرين ومتحينين وقته ; يعني [ ص: 236 ] وقت الطعام ، ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب .

وأنزل الله عز وجل ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ، وقرئت حتى " تستأذنوا " .

ثم نزلت ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن فأمر النساء بالحجاب ، ثم أمرن عند الخروج أن يدنين عليهن من جلابيبهن ، وهو القناع ، وهو عند جماعة العلماء في الحرائر دون الإماء .

وفيه أيضا أن ذوي المحارم من النسب ، والرضاع لا يحتجب منهم ، ولا يستتر عنهم إلا العورات ، والمرأة في ما عدا وجهها وكفيها عورة ; بدليل أنها لا يجوز لها كشفه في الصلاة ، وقبل الرجل ودبره عورة مجمع عليها .

وقد ذكرنا اختلاف الناس في الفخذ من الرجل ( في غير هذا الموضع ) ، وبينا معاني العورة في باب ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، وفي باب صفوان بن سليم ، وذكرنا هناك من يلزم المرأة الاستتار عنه ، وزدنا ذلك بيانا في باب هشام بن عروة .

وجرى من هذا المعنى ذكر . في الباب الذي يلي هذا لابن شهاب .

وأوضحنا في باب صفوان بن سليم المعنى في الاحتجاب ، والاستئذان على ذوات [ ص: 237 ] المحارم جملة ، وما يحل لذي المحرم أن يراه من ذات محارمه ، وما يحل من ذلك للعبيد : الذكور ، والإماء ، والحمد لله .

وذكر إسماعيل بن إسحاق : حدثنا علي بن المديني : حدثنا سفيان ، قال : سمعناه من الزهري ، عن نبهان أنه كان يقود بأم سلمة بعيرها ، فسألته : كم بقي عليك من كتابتك ؟ فقال : ألف درهم . قالت : فهي عندك ؟ قال : نعم . قالت : فأعطها فلانا - قال علي : قد سماه سفيان فذهب من كتابي - .

وألقت الحجاب ، وقالت : عليك السلام ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا كان لإحداكن مكاتب عنده ما يؤدي ، فلتحتجب منه
) . وفيه أن لبن الفحل يحرم ، وهذا موضع اختلف فيه الصحابة والتابعون ، وفقهاء المسلمين ، ومعنى لبن الفحل : تحريم الرضاع من قبل الرجال .

مثال ذلك المرأة ترضع العربي ، فيكون ابنها ابن رضاعة بإجماع العلماء ، ويكون كل ولد لتلك المرأة إخوته ، وهذا ما لا خلاف فيه بين أحد من المسلمين .

وبه نزل القرآن فقال : وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وسواء كان رضاعهم في زمن واحد ، أو واحدا بعد واحد من المرأة الواحدة ، هم كلهم إخوة رضاع [ ص: 238 ] بإجماع .

واختلفوا في زوج المرأة المرضعة ، هل يكون أبا للطفل ؟ بأنه كان سبب اللبن الذي به أرضع ، وهل يكون ولده من غير تلك المرأة إخوة الرضيع أم لا ؟ .

فقال جماعة من أهل العلم : إن زوج تلك المرأة أب لذلك العربي ; لأن اللبن له ، وبسببه ومنه ، وكل ولد لذلك الرجل من تلك المرأة ، ومن غيرها فهم إخوة الصبي المرضع ، وهذا موضع التنازع .

وفي حديث عائشة هذا بيان تحريم الرضاع من قبل الرجال ; لأن أفلح المستأذن عليها لم يكن بينه وبين أبي بكر الصديق رضاع ، ولو كان أبو بكر قد رضع مع أفلح هذا امرأة واحدة ، لم تحجبه عائشة .

وما كانت عائشة ولا مثلها ممن يخفى عليه مثل هذا ، ولكن لما علمت أنه ليس بأخ لأبيها من الرضاع حجبته .

وكانت امرأة أخيه أبي القعيس قد أرضعتها ، فصارت أمها من الرضاع ، وزوجها أبو القعيس أبا لها .

فلهذا ما صار أخو أبي القعيس عمها ، ولم تعلم أن الرجال يكون الرضاع واللبن من قبلهم أيضا ، فحجبته حتى أعلمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

ألا ترى مراجعتها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عنها إذ قالت : يا رسول الله ، إنما أرضعتني المرأة ، ولم يرضعني الرجل ؟ تقول : إن هذا الرجل ليس أخا للمرأة التي أرضعتني ، وإنما هو أخو زوجها ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنه عمك ، ومن ادعى أن أبا القعيس كان رضيع أبي بكر الصديق فقد كابر ، ودفع الآثار ، والله المستعان .

[ ص: 239 ] حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا المطلب بن شعيب ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث بن سعد ، قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عروة بن الزبير ، عن عائشة زوج النبي - عليه السلام - أنها قالت :

استأذن علي أفلح أخو أبي القعيس بعدما نزل الحجاب ، فقلت : والله لا آذن له حتى أستأذن فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن أخا أبي القعيس ليس هو الذي أرضعني ، ولكن أرضعتني المرأة . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إيذني له ، فإنه عمك ، تربت يمينك .

قال عروة : فلذلك كانت عائشة تقول : حرموا من الرضاعة ما تحرمون من النسب .

قال ابن شهاب : فنرى ذلك يحرم منه ما يحرم من النسب .

أخبرنا أحمد بن محمد ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، ووهب بن مسرة قالا : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أحمد بن ( عمرو ) قال : حدثنا أنس بن عياض ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ( ، عن عائشة ) قالت :

جاء عمي من الرضاعة بعد ما ضرب علينا الحجاب ، فقلت : والله لا آذن له حتى أستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : جاء عمي من الرضاعة ، فأبيت أن آذن له حتى أستأذنك ، قال : " فليلج " فقلت : إنما أرضعتني المرأة ، ولم يرضعني الرجل ، فقال [ ص: 240 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنه عمك ، فليلج عليك وكانت تقول : يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة .

وحدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا قال : حدثنا سفيان ، قال : سمعت الزهري يحدث ، عن عروة ، عن عائشة أنها ، قالت :

جاء عمي من الرضاعة أفلح بن أبي القعيس فاستأذن علي بعد ما ضرب الحجاب ، فلم آذن له ، فلما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته فقال : إنه عمك ، فأذني له .

قال الحميدي : قال سفيان : وحدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( مثله ) ، وزاد فيه أنها قالت : قلت : يا رسول الله ، إنما أرضعتني المرأة لم يرضعني الرجل ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تربت يمينك ، هو عمك ؛ فأذني له .

وقد ذكر معمر هذه الزيادة في حديثه هذا عن ابن شهاب ذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : جاء أفلح أخو أبي القعيس يستأذن عليها ، فقال : إني [ ص: 241 ] عمك . فأبت أن تأذن له فلما دخل عليها النبي - عليه السلام - ذكرت ذلك له فقال النبي - عليه السلام - : أفلا أذنت لعمك ؟ . قالت : يا رسول الله ، إنما أرضعتني المرأة ، ولم يرضعني الرجل قال : فأذني له فإنه عمك تربت يمينك .

( وقد رواه بعض أصحاب ابن عيينة عنه ، عن ابن شهاب مثل رواية معمر ) قال : وكان أبو القعيس أخا زوج المرأة التي أرضعت عائشة .

وقال معمر : وأخبرني هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة نحوه .

وقد رواه عراك بن مالك ، عن عروة فأوضح المعنى فيه ، وبين المراد منه أيضا .

حدثنا سعيد بن عثمان ، قال : حدثنا أحمد بن دحيم ، وحدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى ، قال : حدثنا عبيد الله بن حبابة قالا : حدثنا البغوي ، قال : حدثنا علي بن الجعد ، قال : أخبرنا شعبة ، عن الحكم ، عن عراك بن مالك ، عن عروة ، عن عائشة قالت :

استأذن علي أفلح [ ص: 242 ] بن أبي قعيس فلم آذن له ، فقال لي : إني عمك ، أرضعتك امرأة أخي ( بلبن أخي ) . قالت : فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : صدق هو عمك فأذني له .

وممن قال لبن الفحل يحرم ، والرضاع من قبل الرجل ، كهو من قبل النساء عروة بن الزبير ، وابن شهاب وطاوس وعطاء ، ومجاهد ، وأبو الشعثاء جابر بن زيد .

واختلف فيه ، عن القاسم بن محمد ، والحسن البصري ، وهو مذهب ابن عباس ، وروى مالك ، عن ابن شهاب ، عن عمرو بن الشريد ، قال : سئل ابن عباس ، عن رجل تزوج امرأتين فأرضعت إحداهما جارية ، وأرضعت الأخرى غلاما ، هل يتزوج الغلام الجارية ؟ فقال : لا ؛ اللقاح واحد .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، وابن جريج ، عن ابن طاوس ، عن أبيه أنه كان يحرم لبن الفحل ، وبهذا قال مالك ( بن أنس ) والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم ، والثوري ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو ثور .

وحجتهم ما قدمنا من حديث عائشة في قصة أبي القعيس ، وهو مذهب ابن عباس وأصحابه ، وعائشة رضي الله عنهم ( على اختلاف عنها ) .

وذكر إسماعيل القاضي ، عن ابن أبي أويس ، قال : قال مالك : وقد اختلف في أمر الرضاعة من قبل الأب ، ونزل برجال من أهل المدينة في أزواجهم منهم محمد بن المنكدر ، وابن أبي حبيبة ، فاستفتوا في ذلك [ ص: 243 ] فاختلف الناس عليهم ( فأما ابن المنكدر ، وابن أبي حبيبة ) ففارقوا نساءهم .

وروى سحنون ، عن ابن القاسم ، عن مالك مثله ، وزاد ، وقد اختلف فيه اختلافا شديدا .

قال أبو عمر : وممن قال أن لبن الفحل ليس بشيء ، ولا يحرم شيئا سعيد بن المسيب ، وسالم بن عبد الله ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وسليمان بن يسار ، وأخوه عطاء بن يسار ، ومكحول ، وإبراهيم النخعي ، والشعبي ، والحسن البصري على اختلاف عنه ، والقاسم بن محمد على اختلاف عنه ، وأبو قلابة ، وإياس بن معاوية .

وهو قول داود ، وابن علية ، وقضى به عبد الملك بن مروان ، وكان يقول : إن الرجل ليس من الرضاعة في شيء .

وروي ذلك ، عن ابن عمر ، وجابر بن عبد الله كل هؤلاء يقول لا بأس بلبن الفحل ، ولا يحرم شيئا ، ولا تكون الرضاعة من قبل الرجال ( بحال ) .

وحجتهم أن عائشة كانت تفتي بخلاف حديث أبي القعيس روى ذلك عنها القاسم بن محمد من رواية مالك وغيره .

وذلك أن القاسم ، قال : كانت عائشة تأذن لمن أرضعته أخواتها ، وبنات أخيها ، ولا تأذن لمن أرضعه نساء إخوتها ، ونساء بني أخيها .

وروى مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة أنها كانت تدخل عليها من أرضعته أخواتها ، وبنات أخيها ، ولا تدخل عليها من أرضعه نساء إخوتها .

وروى محمد بن عمرو بن علقمة الليثي ، قال : قدم الزهري المدينة في أول خلافة هشام فذكر أن عروة كان يحدث ، عن عائشة أن أبا القعيس جاء يستأذن [ ص: 244 ] على عائشة ، وقد أرضعتها امرأة أخيه ، فأبت أن تأذن له ، فزعم عروة أن عائشة ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : فهلا أذنت له ؟ فإن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة .

ففزع أهل المدينة لذلك ، فذكر محمد بن عمرو أنه جاء عبد الرحمن بن القاسم فسأله ، فقال : أشهد على القاسم بن محمد لكان يحدثنا أن عائشة كانت تأذن لمن أرضع أخواتها ، وبنات أخيها ( عليها ) ، ولا تأذن لمن أرضع نساء أخيها ، وبني أخيها .

( حدثنا عبد الوارث : حدثنا قاسم : حدثنا ابن وضاح : حدثنا يحيى بن جابر من أهل القيروان قال : حدثنا عبد الله بن فروخ ، عن هاشم بن حسان ، عن محمد بن سيرين أنه سئل عن لبن الفحل فقال : يكرهه ناس من الفقهاء ، ولا يكرهه آخرون ، وكان من كرهه أحب إلي ممن لم يكرهه .

قال : وحدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا مصعب بن ماهان ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد أنه كان يكره لبن الفحل .

قال : وحدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا مصعب ، عن سفيان ، عن عباد بن منصور ، عن القاسم بن محمد ، وعطاء بن أبي رباح ، وطاوس ، والحسن بن أبي الحسن أنهم كرهوا لبن الفحل .

قال : وحدثنا أحمد بن عمرو ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي الشعثاء جابر بن زيد أنه كان يكره لبن الفحل ) .

[ ص: 245 ] ووجدت في كتاب أبي بخطه - رحمه الله - : حدثنا أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا محمد بن أحمد ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أحمد بن سلمة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، قال : سألت سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، وعطاء بن يسار ، وأبا سلمة بن عبد الرحمن ، عن لبن الفحل فقالوا : ما كان من الرضاع من قبل الرجال ؛ فإنه لا يحرم شيئا .

قال : وحدثنا أحمد بن سلمة ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : حدثنا أيوب السختياني ، قال : أول ما سمعت بلبن الفحل وأنا بمكة فجعل إياس بن معاوية يقول : وما بأس هذا ؟ ! ومن يكره هذا ؟ .

قال : فلما قدمت البصرة ذكرت ذلك لمحمد بن سيرين فقال : نبئت أن ناسا من أهل المدينة اختلفوا فيه ، فمنهم من كرهه ، ومنهم من لم يكرهه ، ومن كرهه في أنفسنا أفضل ممن لم يكرهه .

وممن كرهه القاسم بن محمد قال ( ابن وضاح ) : وحدثنا يحيى بن جابر : حدثنا عبد الله بن فروخ ، عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين في لبن الفحل فقال : من كرهه أحب إلينا ممن لم يكرهه .

قال : وحدثنا محمد بن رمح ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن يحيى بن سعيد أن واقد بن عبد الله كان له أخ من مزينة من الرضاعة ، فأرضعت امرأة المزني ابنة لعبد الله بن عبد الله بن عمر ، فتزوجها واقد بن عبد الله ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر إذ ذاك حيان ( لا [ ص: 246 ] ينكران .

قال : حدثنا يوسف بن عدي ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم النخعي أنه كان لا يرى بلبن الفحل بأسا .

قال : وحدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا وكيع ، عن شعبة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن إبراهيم النخعي ، قال : لا بأس بلبن الفحل ؛ فإن قال قائل : حديث أبي القعيس مضطرب ، يقول فيه الزهري : أفلح أخو أبي القعيس ، وهو المستأذن ، وقال محمد بن عمرو : إن أبا القعيس كان ذلك .

وقال الحكم بن عتيبة ، عن عراك بن مالك ، عن عروة أفلح بن أبي القعيس وهذا اضطراب ، قيل له : هذا اضطراب لا يمنع من القول بالحديث ; لأن المعنى المقصود بالحديث ، والمراد منه متفق عليه في الأثر ، وهو أن المستأذن من كان منهما فزوجة أخيه المرضعة لعائشة وصيره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك عما لها .

وسواء سمي أو لم يسم ، وجائز أن يكون أفلح أخا أبي القعيس ، وابن أبي القعيس ; لأنه جائز أن يكون أبو القعيس بن أبي القعيس ، وليس في رواية ابن شهاب ، وعراك ( بن مالك ) ما يتدافع .

وأما قول محمد بن عمرو أن أبا القعيس فأظنه وهما ، وابن شهاب فيما نقل من ذلك لا يقاس به غيره في حفظه ، وإتقانه ، فلا حجة فيما [ ص: 247 ] نزع به هذا القائل .

وكذلك لا حجة في حديث القاسم ، عن عائشة ; لأن لها أن تأذن لمن شاءت من ذوي محارمها وتحجب من شاءت ، ولو صح عنها هذا وذاك لكان المصير إلى السنة أولى ; لأن السنة لا يضرها من خالفها ، والمصير إليها أولى .

كما صار من خالفها في هذه المسألة إلى ما روته في فرض الصلاة وقصرها ، ولم يصر إلى إتمامها ( هي ) في السفر ، ونحن لا نعلم أن عائشة حجبت من حجبت ممن جرى ذكره في حديث القاسم إلا بخبر واحد ( ، عن واحد ) .

وبمثل ذلك علمنا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة أبي القعيس فوجب علينا العمل بالسنة إذا نقلها العدول ، ولم يجز لنا تركها بغير سنة فافهم .

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يوافق حديث أبي القعيس ، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة ، ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب رواه سعيد بن المسيب ، عن علي بن أبي طالب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

( ورواه مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن سليمان بن يسار وعن عروة ، عن عائشة ) .

ورواه أيضا مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 248 ] قال أحمد بن المعذل : كل من لحقه الولد بشبهة في وطء أو نكاح ( صحيح ) فاللبن ( له ) يحرم من قبله ، وكل من لم يلحقه الولد ، ولم يقع له درؤه بشبهة ، فليس بأب ولا فحل مراعى لبنه ; لأنه لا يراعى له نسب فكيف رضاع ؟ ! .

قال : وسمعت عبد الملك يقول ذلك يعني ابن الماجشون ، قال : ولو كانت جارية ما حرمت عليه ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الولد للفراش ، وللعاهر الحجر فقطع النسب .

وسيأتي ذكر لبن الذي يطأ امرأته وهي ترضع في باب أبي الأسود إن شاء الله تعالى .




الخدمات العلمية