الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 524 ) فصل : وصلاة العصر هي الصلاة الوسطى ، في قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، منهم : علي بن أبي طالب ، وأبو هريرة ، وأبو أيوب ، وأبو سعيد وعبيدة السلماني ، والحسن ، والضحاك ، وأبو حنيفة ، وأصحابه . وروي عن زيد بن ثابت وعائشة أنها صلاة الظهر .

                                                                                                                                            وبه . قال عبد الله بن شداد ; لما روي عن زيد بن ثابت ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ، ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، فنزلت : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } } رواه أبو داود وروت عائشة { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر } رواه أبو داود والترمذي ، وقال حديث صحيح .

                                                                                                                                            وقال طاوس ، وعطاء ، وعكرمة ، ومجاهد ، والشافعي : هي الصبح لقول الله تعالى : { والصلاة الوسطى [ ص: 229 ] وقوموا لله قانتين } والقنوت طول القيام ، وهو مختص بالصبح ; ولأنها من أثقل الصلاة على المنافقين ، ولهذا اختصت بالوصية وبالمحافظة عليها ، وقال الله تعالى : { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } يعني صلاة الفجر والعصر ، وروى جرير بن عبد الله قال : { كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر ، فقال : أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } متفق عليه . وللبخاري { فافعلوا } ثم قرأ جرير { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها }

                                                                                                                                            وقال النبي صلى الله عليه وسلم { يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم ، فيسألهم ، وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون } وقال النبي صلى الله عليه وسلم { من صلى البردين دخل الجنة } يريد هاتين الصلاتين . وقال : { لو يعلمون ما في صلاة العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا } متفق على هذه الأحاديث .

                                                                                                                                            وقيل : هي المغرب ; لأن الأولى هي الظهر ، فتكون المغرب الثالثة ، والثالثة من كل خمس هي الوسطى ; ولأنها وسطى في عدد الركعات ، ووسطى في الأوقات ; لأن عدد ركعاتها ثلاث ، فهي وسطى بين الأربع والاثنين ، ووقتها في آخر النهار وأول الليل ، وخصت من بين الصلاة بأنها وتر ، والله وتر يحب الوتر ، وبأنها تصلى في أول وقتها في جميع الأمصار والأعصار .

                                                                                                                                            ويكره تأخيرها عنه ، وكذلك صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليومين لوقت واحد ، ولذلك ذهب بعض الأئمة إلى أنها ليس لها إلا وقت واحد لذلك ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم { لا تزال أمتي ، أو قال : هذه الأمة بخير أو قال على الفطرة ، ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم } رواه أبو داود وقيل : هي العشاء ; لما روى ابن عمر ، قال : { مكثنا ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة ، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده ، فقال : إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ، ولولا أن أشق على أمتي لصليت بهم هذه الساعة . وقال : إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الغداة والعشاء الآخرة ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا } متفق عليهما .

                                                                                                                                            ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب : شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا } متفق عليه . وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { صلاة الوسطى صلاة العصر . } وعن سمرة مثله ، قال الترمذي في كل واحد منهما : هذا حديث حسن صحيح .

                                                                                                                                            وهذا نص لا يجوز التعريج معه على شيء يخالفه ; ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله } متفق عليه ، وقال : { من فاتته صلاة العصر حبط عمله } رواه البخاري ، وابن ماجه وقال : { إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها ، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين ، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد } يعني النجم رواه البخاري وما ذكر في صلاة الصبح فقد شاركته [ ص: 230 ] صلاة العصر في أكثره ، ورواية عائشة " وصلاة العصر " فالواو زائدة كالواو في قوله تعالى { وليكون من الموقنين } وفي قوله { وخاتم النبيين } وقوله : { وقوموا لله قانتين } فالقنوت قيل : هو الطاعة . أي قوموا لله مطيعين .

                                                                                                                                            وقيل : القنوت السكوت . قال زيد بن أرقم : كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت { وقوموا لله قانتين } فأمرنا بالسكوت ، ونهينا عن الكلام . ثم ما روينا نص صريح . فكيف يترك بمثل هذا الوهم ، أو يعارض به ؟

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية