الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولو وهب اثنان دارا لواحد صح ) لأنهما سلماها جملة وهو قد قبضها جملة فلا شيوع ( قوله لا عكسه ) وهو أن يهب واحد من اثنين كبيرين ولم يبين نصيب كل واحد عند أبي حنيفة لأنه هبة النصف من كل واحد منهما بدليل أنه لو قبل أحدهما فيما لا يقسم صحت في حصته دون الآخر فعلم أنها عقدان بخلاف البيع فإنه لو قبل أحدهما فإنه لا يصح لأنه عقد واحد وقالا يجوز نظرا إلى أنه عقد واحد فلا شيوع قيد بالهبة لأن الرهن من رجلين والإجارة من اثنين جائز اتفاقا وقيد بكون الواهب واحدا لأن الواهب لو كان اثنين والموهوب له كذلك على [ ص: 290 ] أن يكون نصيب أحدهما لأحدهما بعينه ونصيب الآخر للآخر لا يجوز اتفاقا كذا في النهاية وقيدنا بكون الموهوب لهما كبيرين لأنه لو وهب دارا من اثنين أحدهما صغير والآخر كبير والصغير في عياله لم تجز الهبة اتفاقا لأنه حين وهب صار قابضا حصة الصغير فبقي النصف الآخر شائعا كذا في المحيط وقيدنا بعدم البيان لأنه لو بين بأن قال لهذا ثلثها ولهذا ثلثاها أو لهذا نصفها ولهذا نصفها لا يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف وإن قبضه وقال محمد يجوز إن قبضه وقيدنا بالدار ومراده منها ما يحتمل القسمة لأن ما لا يحتملها كالبيت يجوز اتفاقا وقيد بكون الموهوب له اثنين لأنه لو كان واحدا فوكل اثنين بقبضها فقبضاها جاز كذا في فتاوى قاضي خان

                                                                                        [ ص: 289 - 290 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 289 - 290 ] ( قوله وقيدنا بكون الموهوب لهما كبيرين إلخ ) قال الرملي التقييد لا يفيد إلا الإشارة إلى خلافهما فكان الأولى أن لا يذكره ويقول أطلق الاثنين فأفاد أنه لا فرق بين أن يكونا كبيرين أو صغيرين أو أحدهما كبيرا والآخر صغيرا وفي الأوليين خلافهما تأمل ( قوله لأنه لو وهب دارا من اثنين إلخ ) قال الرملي ظاهر هذا أنهما لو كانا صغيرين في عياله جاز وفي البزازية ما يدل عليه ولكن هذا كله على قولهما لا على قوله لما صرح به في الخانية فراجعه إن شئت وأصل الوهم أن صاحب المنتقى ذكر الحكم في مسألة الاثنين الصغير والكبير غير مضاف إلى أحد فتوهم أنه قول الكل ولو كان كذلك لبطل إطلاق المتون في قوله لا عكسه تأمل ا هـ .

                                                                                        أقول : نص عبارة الخانية هكذا ولو وهب دارا لابنين له أحدهما صغير في عياله كانت هبة فاسدة عند الكل بخلاف ما لو وهب من كبيرين وسلم إليهما جملة فإن الهبة جائزة عند أبي يوسف ومحمد لأن في الكبيرين لم يوجد الشيوع لا وقت العقد ولا وقت القبض وأما إذا كان أحدهما صغيرا فكما وهب يصير الأب قابضا حصة الصغير فيتمكن الشيوع وقت القبض . ا هـ .

                                                                                        وأنت خبير بأن إظهار الفرق بين المسألتين مبني على قول الصاحبين القائلين بجوازها للكبيرين مع موافقتهما الإمام بعدم جوازها لكبير وصغير بدليل قوله كانت الهبة فاسدة عند الكل فليست مسألة الكبير والصغير مبنية على قولهما فقط فما فهمه المؤلف من عبارة صاحب المنتقى أنها قول الكل صحيح لا وهم فيه وعبارة المتون لا تنافيه كما لا يخفى على نبيه نعم إذا قلنا إذا كان الولدان صغيرين تجوز الهبة يكون مخالفا لإطلاق المتون عدم جواز هبة واحد من اثنين ولكن إذا تأمل الفقيه في علة عدم الجواز على قول الإمام وهي تحقق الشيوع يجزم بتقييد كلام المتون بغير ما إذا كانا صغيرين لأن الأب إذا وهب منهما تحقق القبض منه لهما بمجرد العقد بخلاف ما إذا كان أحدهما كبيرا فإن قبض الكبير يتأخر عن العقد فيتحقق الشيوع عند قبضه كما مر عن الخانية وعبارة البزازية أوضح في إفادة المراد حيث قال لأن هبة الصغير منعقدة حال مباشرة الهبة لقيام قبض الأب مقام قبضه وهبة الكبير محتاجة إلى قبول فسبقت هبة الصغير فتمكن الشيوع والحيلة أن يسلم الدار إلى الكبير ويهبها منهما ا هـ .

                                                                                        أي فإذا سلمها إلى الكبير أو لا ثم وهبها منهما تحقق القبضان معا وقت العقد فلم يتمكن الشيوع ومقتضاه أنه لو سلمها للكبيرين ثم وهبها منهما تصح فليراجع




                                                                                        الخدمات العلمية