الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          441 - مسألة : وجائز للإمام أن يصلي في مكان أرفع من مكان جميع المأمومين ، وفي أخفض منه ; سواء في كل ذلك العامة ، والأكثر ، والأقل فإن أمكنه السجود فحسن ; وإلا فإذا أراد السجود فلينزل حتى يسجد حيث يقدر ، ثم يرجع إلى مكانه وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان . [ ص: 404 ] وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا يجوز ذلك . وأجازه أبو حنيفة في مقدار قامة فأقل ، وأجازه مالك في الارتفاع اليسير قال علي : هذان تحديدان فاسدان ; لم يأت بهما نص القرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا قول صاحب ولا رأي له وجه ، وما علم في شيء من ذلك فرق بين قليل الارتفاع وكثيره ، والتحريم والتحليل والتحديد بينهما لا يحل إلا بقرآن أو سنة . ولئن كان وقوف الإمام في الصلاة في مكان أرفع من المأمومين بمقدار أصبع حلالا ، فإنه لحلال بأصبع بعد أصبع ، حتى يبلغ ألف قامة وأكثر ، ولئن كانت الألف قامة حراما في ذلك فإنه لحرام كله إلى قدر الأصبع فأقل وإن المتحكم في التفريق بين ذلك برأيه لقائل على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله قط والعجب أن أبا حنيفة ، ومالكا قالا : إن كان مع الإمام في العلو طائفة جازت صلاته بالذين أسفل وإلا فلا وهذا عجب وزيادة في التحكم وأجازا : أن يكون الإمام في مكان أسفل من المأمومين ، وهذا تحكم ثالث كل ذلك دعوى بلا برهان قال علي : والحكم في ذلك أن يكون المأمومون خلف الإمام صفوفا صفوفا ، فلا يحل لهم أن يخلوا بهذه الرتبة ، لما قد ذكرنا قبل من وجوب ترتيب الصفوف ، بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فإن اتفق مصلى الإمام في دكان ، أو غرفة ، أو رابية ، لا يسع فيها معه صف خلفه : صلوا تحته حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ، وقتيبة بن سعيد كلاهما عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه . أن نفرا جاءوا إلى سهل بن سعد فقال سهل : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عليه - يعني على المنبر - فكبر وكبر الناس ، وراءه وهو على المنبر ، ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر ، ثم عاد حتى فرغ من آخر [ ص: 405 ] صلاته ، ثم أقبل على الناس فقال : يا أيها الناس ، إني إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي } . قال علي : لا بيان أبين من هذا في جواز صلاة الإمام في مكان أرفع من مكان المأمومين واحتج المخالفون بخبر فيه النهي عن صلاة الإمام في مكان أرفع من مكان المأمومين وهو خبر ساقط ، انفرد به زياد بن عبد الله البكائي ، وهو ضعيف . والخبر الذي أوردنا إجماع من الصحابة بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا هو الحجة لا الباطل الملفق . وقال بعض المخالفين : هذا من الكبر قال علي : هذا باطل ويعكس عليهم في إجازتهم صلاة المأمومين في مكان أرفع من مكان الإمام فيقال لهم : هذا كبر من المأمومين ولا فرق ويلزمهم على هذا أن يمنعوا أيضا من صلاة الإمام متقلدا سيفا ، ولابس درع فهذا أدخل في الكبر من صلاته في مكان عال وبمثل قولنا يقول أحمد بن حنبل ، والليث بن سعد ، والبخاري ، وغيرهم ، وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية