الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2638 2791 - حدثنا موسى ، حدثنا جرير ، حدثنا أبو رجاء ، عن سمرة : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " رأيت الليلة رجلين أتياني فصعدا بي الشجرة ، فأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل ، لم أر قط أحسن منها قالا : أما هذه الدار فدار الشهداء " . [انظر : 845 - مسلم: 2275 - فتح: 6 \ 11]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث أبي هريرة -رضي الله عنه -قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها " . فقالوا : يا رسول الله ، أفلا نبشر الناس ؟ قال : "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة -أراه : وفوقه عرش الرحمن - ومنه تفجر أنهار الجنة " . قال

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 348 ] محمد بن فليح ، عن أبيه : "وفوقه عرش الرحمن " .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث سمرة : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "رأيت الليلة رجلين أتياني فصعدا بي الشجرة ، فأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل ، لم أر قط أحسن منها ، قالا : أما هذه الدار فدار الشهداء " .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              السبيل كما قال يذكر ويؤنث ; قال ابن سيده : السبيل الطريق وما وضح منه ، وسبيل الله : (طريق الله ) الذي دعا إليه ، واستعمل السبيل في الجهاد (أكثر ) لأنه السبيل الذي يقاس به (على ) عقد الدين والجمع سبل . وما ذكره في تفسير (غزا ) هم درجات ; ثابت في بعض النسخ .

                                                                                                                                                                                                                              وتعليق محمد بن فليح أسنده البخاري في التوحيد عن إبراهيم بن المنذر ، عن محمد بن فليح به .

                                                                                                                                                                                                                              قال الجياني : وفي نسخة أبي الحسن القابسي : ثنا محمد بن فليح ، وهو وهم ; لأن البخاري لم يدرك محمدا هذا ، وإنما يروي عن ابن المنذر ومحمد بن سنان ، عنه ، والصواب : وقال محمد بن فليح كما

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 349 ] رواه الجماعة ، وحديثه هذا من أفراد البخاري ، ويأتي أيضا في باب من أصابه سهم غرب ، وحديث سمرة تقدم .

                                                                                                                                                                                                                              ولا شك أن الجنة تستحق بالإيمان بالله ورسوله تفضلا وإحسانا ، وفي الحديث : "ثمن الجنة لا إله إلا الله " . والأعمال الصالحة تنال بها الدرجات والمنازل في الجنة . والفردوس ، قال ابن عزيز : هو البستان بلغة الروم . وقال الزجاج : بالسريانية ; وقال غيرهما : بالنبطية ، أي : فنقل إلى لسان العرب . وقيل : هو البستان الذي

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 350 ] يجمع كل ما في البساتين من شجر وزهر ونبات مونق ، وهو قول الزجاج وعبارته فيه : الفردوس : الأودية التي تنبت ضروبا من النبت .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("إنه أوسط الجنة " ) أي أفضلها ، ومنه وكذلك جعلناكم أمة وسطا [البقرة : 143] أي : خيارا ; وفي الترمذي : هو ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها .

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي : قال بعد الفردوس باب من أبواب الجنة وقال أبو أمامة : هو سرة الجنة ، ونقل الجواليقي عن أهل اللغة : أنه مذكر وإنما أنث في قوله تعالى الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون [المؤمنون : 11] .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن بطال : وسط الجنة يحتمل أن يريد موسطتها والجنة قد حفت بها من كل جهة .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("وأعلى الجنة " ) يريد أرفعها ; لأن الله تعالى مدح الجنات إذا كانت في علو فقال : كمثل جنة بربوة [البقرة : 265] .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("وفوقه عرش الرحمن " ) قال ابن التين : أي فوق الجنة كلها .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("ومنه تفجر أنهار الجنة " ) يدل أنها عالية في الارتفاع .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("من آمن بالله ورسوله . . " ) إلى آخره ; فيه تأنيس لمن حرم الجهاد في سبيل الله ، فإن له من الإيمان بالله تعالى والتزام الفرائض

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 351 ] ما يوصله إلى الجنة ; لأنها هي غاية الطالبين ومن أجلها تبذل النفوس في الجهاد ; خلافا لما يقوله بعض جهلة الصوفية .

                                                                                                                                                                                                                              فلما قيل لرسول الله : (أفلا نبشر الناس ؟ ) أخبر - صلى الله عليه وسلم - بدرجات المجاهدين في سبيل الله وفضيلتهم في الجنة ; ليرغب أمته في جهاد المشركين ; لإعلاء كلمة الإسلام ، ولم يذكر فيه الزكاة والحج . قال ابن بطال : لأنه كان قد فرضهما ; وفيه نظر فإن الزكاة فرضت قبل عام خيبر كما سلف ، والحج فرض سنة ست على ما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه أبو هريرة وهو أسلم عام خيبر ، وفي "صحيح مسلم " من حديث أنس مرفوعا : "من طلب الشهادة صادقا أعطيها ولو لم تصبه " ، وفي "المستدرك " : "من سأل القتل في سبيل الله صادقا ثم مات أعطاه الله أجر شهيد " ، وفي النسائي من حديث معاذ مرفوعا : "من سأل الله القتل من عند نفسه صادقا ، ثم مات أو قتل فله أجر شهيد " ، وفي "المستدرك " -وقال : صحيح على شرط الشيخين - من حديث سهل بن حنيف ، عن أبيه ، عن جده مرفوعا : "من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء ، وإن مات على فراشه " .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 352 ] وحديث أبي هريرة يشبه هذا المعنى ; لأن قوله : "إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى " خطاب لجميع أمته يدخل فيه المجاهد وغيره ; فدل ذلك على أنه قد يعطي الله لمن لم يجاهد قريبا من درجة المجاهد ; لأن الفردوس إذا كان أعلى الجنة ولا درجة فوقه ، وقد أمر الشارع جميع أمته بطلبه من الله دل أن من بوأه الله إياه وإن لم يجاهد فقد تقاربت درجته من درجات المجاهدين في العلو وإن اختلفت الدرجات في الكثرة والله يؤتي فضله من يشاء .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية